سياسة عربية

لماذا تحاول "القسام" اختراق المجتمع الإسرائيلي بالأغاني؟

كتائب القسام أصدرت عشرات التسجلات باللغة العبرية لمخاطبة المجتمع الإسرائيلي
كتائب القسام أصدرت عشرات التسجلات باللغة العبرية لمخاطبة المجتمع الإسرائيلي
بلغة عبرية واضحة تارة، وبألحان يعرفها الإسرائيليون تارة أخرى، تواصل المقاومة الفلسطينية تسجيل الأهداف في مضمار مخاطبة المجتمع الإسرائيلي بأسلوب جديد، سرعان ما تحول إلى مادة نقاش وجدل في الإعلام العبري.

آخر أشكال هذا الأسلوب كان إنتاج كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، تسجيلا مصورا يتضمن أغنية حول مصير الجنديين الإسرائيليين المفقودين شاؤول آرون وهدار غولدن، ليس الأول من نوعه، لكنه الأول من حيث وضوح الرسائل التي حملها.

جاء التسجيل المصور على شكل رسالة لعائلتي الجنديين ردا على رواية الحكومة الإسرائيلية بشأن الجنديين، وذلك بالتزامن مع حالة من القلق لدى عائلات آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين بدأ أكثر من 1500 أسير منهم خوض معركة الأمعاء الخاوية.

اقرأ أيضا: إسرائيل تكشف عن تعهد إثيوبي بإنهاء ملف أسراها لدى حماس



دخول سريع إلى محركات البحث في شبكة الإنترنت يظهر عشرات الإصدارات التي أنتجتها كتائب القسّام في السنوات الأخيرة موجهة للجمهور الإسرائيلي وباللغة العبرية، على الرغم من الجهود التي بذلتها حكومة الاحتلال بالتعاون مع كبرى شركات التواصل الاجتماعي لحذف هذه الإصدارات.

منهجية جديدة اعتمدتها المقاومة الفلسطينية في السنوات الأخيرة دفعت المراقبين للتساؤل عن الأسباب والدوافع التي ألجأت المقاومة المحاصرة جغرافيا والملاحقة إقليميا دوليا إلى اختراع أدوات جديدة تواجه آلة الإعلام الإسرائيلية في روايتها، بل وتربك رواية حكومات الاحتلال المتعاقبة.

عض أصابع

الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني ساري عرابي يضع لجوء المقاومة الفلسطينية إلى هذا الأسلوب في إطار "معركة عض الأصابع" بين حكومة الاحتلال والفلسطينيين، حيث يرى أن كتائب القسام وحركة حماس يتعاملان مع رئيس حكومة إسرائيلية متردد وغير قادر على اتخاذ قرارات بحجم صفقة كبيرة لتحرير الأسرى يفرج فيها عن أسرى الأحكام العالية.

اقرأ أيضا: أبو عبيدة: حرية الأسرى مسألة وقت والعدو سيركع (فيديو)

ويضيف عرابي في حديث لـ"عربي21" أن صفقات التبادل هي ذات طابع أمني مرتبطة بنظرية الأمن القومي الإسرائيلي، حيث يخوضها الاحتلال ضمن معركة "عض الأصابع" في اختبار لمدى قدرة الفلسطينيين على كسر إرادة الاحتلال ومعاييره، "وهو ما كان حاضرا في صفقة شاليط عندما أجبر الاحتلال على الإفراج عن معتقلين مصنفين "أيديهم ملطخة بالدماء" بعد سنوات قليلة من اعتقالهم، وفي هذا كسر كبير لإرادة الاحتلال وتعزيز لإرادة المقاومة.

وتحدث عرابي عن سبب وجيه دفع كتائب القسام إلى اعتماد هذا الأسلوب، وهو المتعلق بتركيبة المجتمع الإسرائيلي "الذي تتحكم به المؤسسة الأمنية بتعليمات أمنية وعسكرية ومن خلال السيطرة على وسائل الإعلام"، وهو ما أدى لمحدودية أو انعدام تحرك المجتمع الإسرائيلي للضغط على حكومته بشأن ملف الجنود الأسرى.

رسائل متعددة 

هذا الوضع دفع كتائب القسام -والحديث لعرابي- إلى إنتاج هذه التسجيلات لدفع المجتمع الإسرائيلي وتحديدا أهالي الجنود للضغط على حكومة نتنياهو، فكان لا بد من رسائل متعددة بينها فترات زمنية معقولة. 

ويوضح عرابي بالقول: "أظن أنه بالرغم من ضعف تجاوب المجتمع الإسرائيلي مع هذه الرسائل -للأسباب التي ذكرتها- إلا أن القسام نجحت باستثارة عائلات الجنود وتحديدا بعد التسجيل الأخير، واستغلال لحظة جيدة متعلقة بلقاء نتنياهو بعائلات الجنود".


ويشير عرابي إلى أن ثمة "تطورا لصالح كتائب القسام في هذا المجال، صحيح أنه بطيء لكنه حتى اللحظة يسير لصالح الطرف الفلسطيني"، منبها إلى "أنه طالما أن الهدف هو استثارة المجتمع الإسرائيلي فلا بد من استخدام لغة يفهمها ولا يحجبها تأثير الرقابة الإسرائيلية والتركيز على الجانب النفسي والعاطفي، الذي نجح القسام إلى حد كبير في استغلاله".

ويختم بالقول: "من الواضح أنه من خلال التسجيلين الأخيرين للقسام فإن ثمة جنودا أحياء لدى المقاومة بغض النظر عن عددهم أو المعلومات بشأنهم، وهذا نجاح في المواءمة بين المعلومة غير الصريحة واللعب على استثارة عاطفة أهالي الجنود، وهو ما قد يحقق الضغط المطلوب".

اختراق ومواجهة

إسرائيليا، لم تنجح الرقابة الإسرائيلية في فرض التعتيم على مضمون رسائل المقاومة وآخرها تسجيل القسام الأخير، وهو ما دفع القناة السابعة الإسرائيلية إلى نشره وتسليط الضوء عليه.


وهنا يقول الصحفي الفلسطيني والمتابع للشأن الإسرائيلي محمد خيري إن التسجيل الأخير "وجد صدى واسع النطاق في إسرائيل، ما حمل مواقع إلكترونية تابعة لمؤسسات إعلامية كبيرة وواسعة الانتشار على نشره، وتسليط الضوء عليه".

ويفسر خيري في حديث لـ"عربي21" هذا التصرف بأن "الإعلام الإسرائيلي في أغلب الأحيان لا يجد بدّاً من نشر ما يصل إلى أيادي الإسرائيليين ويبدأ بالانتشار، في محاولة لاحتوائه، أو تناول مضمونه بصورة مختلفة أو حرفها عن سياقها".

ويتابع: "يبدو واضحا أن كتائب القسام على وجه الخصوص، تولي أهمية بالغة للحرب الإعلامية والدعائية، ويحسب لها تلك النقلة النوعية التي أحدثتها من خلال الخروج من المدرسة الإعلامية التقليدية وخوضها مضمار مواقع التواصل الاجتماعي والفضاء الإلكتروني".

ويضيف خيري أن "الساسة الإسرائيليين عادة ما يلتزمون الصمت رسميا تجاه الدعاية التي تُصدرها المقاومة الفلسطينية، بيد أن المستوى السياسي اجتهد خلال الفترة الماضية إلى تأهيل طاقات بشرية كبيرة، والاستعانة بخبراء في التقنية، وشكّل خلايا، تعمل على مدار الساعة لمكافحة النشاط الإلكتروني للمقاومة، ومنع اختراق الفضاء الإسرائيلي".



نقلة نوعية

وعن جودة ما تنتجه المقاومة، يرى خيري أن الإصدار الأخير للقسام "كان مدروسا بعناية، وهو ما يمثل نقلة نوعية من حيث الزمان والإتقان والمضمون، إذ نشر في الوقت الذي أثيرت فيه قضية الجنود الأسرى بشكل واسع النطاق في إسرائيل لأول مرّة منذ وقوعهم في الأسر".


من حيث الإتقان، يقول خيري إنه "وعلى الرغم من ركاكة بعض المصطلحات المستخدمة في التسجيل وبعض الكلمات العبرية غير الواضحة، إلا أن الإصدار كان بمثابة نقلة نوعية من حيث استخدام المؤثرات، والارتقاء في استخدام المصطلحات العبرية الملائمة واللحن الذي من شأنه الإسهام في نشر الإصدار".

ويختم خيري حديث بالقول: "الإصدارات الأخيرة للمقاومة حملت رسائل باعتقادي سيصعب فهمها سوى على قيادة الأجهزة الأمنية والعسكرية في إسرائيل، بالإضافة إلى كونها مواد مثيرة للانتباه من شأنها تحريك الرأي العام في إسرائيل".

التعليقات (0)