لا يتعلق الأمر هنا فقط بالمبادرة الجديدة لوزارة السياحة التونسية وهي تعلن في نشوة المنتصر استقطاب تونس لآلاف السياح الإيرانيين سنويا بعد الصفعة الكبيرة التي نالتها الوزارة والوزيرة من مراكز القرار السياحية أوروبيا ورفضها دعم السياحة التونسية فتحولت الوحدات الفندقية في تونس إلى قفر ينعق فيه الغربان.
الثورة في سوريا بوصفها آخر موجات الربيع العربي الذي خرج من تونس؛ تحولت اليوم وبعد خمس سنوات من انطلاقتها السلمية التي تواصلت أكثر من ستة أشهر إلى حرب استعمارية توسعية، تهدف إلى تقسيم البلاد وإعادة تقسيم المنطقة بما لا يدع مجالا للشك في نوايا الأساطيل والجيوش المحتشدة.
الصدمة والذهول هما أبرز ما يميز المشهد اليوم إثر الجريمة النكراء التي طالت قوات النخبة في الأمن التونسي وهي قوات الأمن الرئاسي بعد أن أسقط الهجوم الإرهابي ما يقارب ثلاثة عشر شهيدا.
حال تونس اليوم كحال صدر قصيدة المتنبي رغم اختلاف السياق والزمان فصراع الراعي والذئاب فصلٌ من فصول واحدة من أعمق المآسي الإنسانية التي عرفتها منطقة الشمال الغربي التونسي وتحديدا مدينة "سيدي بوزيد" مهد الثورة التونسية..
مجال المربّع الأول لثورات الربيع العربي أي في مصر وتونس تحديدا يقدّم أداء النظام السياسي هناك صورة كاشفة عن حالة العجز والشلل التي تضرب بكل عنف مفاصل الانقلاب على الثورة وعلى حلم الجماهير العربية بالكرامة والعدل..
من وجهة نظر ثورية صِرفة، فإن المشهد التونسي والمشهد المصري لا يختلفان إطلاقا في العمق رغم تباينهما على مستوى دلالة السطح وتحديدا على مستوى آليات تنفيذ هذه الدلالة وأدواتها.
الإنسان المجرّد من كل المطالب غير مطلب الحرية هو الوحيد القادر في المستقبل على تجديد شروط النهضة وتفعيل آليات التحول من مرحلة الاستبداد إلى مرحلة المسار الموصل ولو بعد حين إلى مجال أكثر اعترافا بكرامة الإنسان العربي وبحريته..
في قلب سجون الدولة التي حصل رباعي الانقلاب فيها مؤخرا على جائزة " نوبل" للسلام يقبَع المربّي وأستاذ الرياضيات التونسي "عبد الفتاح سعيد" وحيدا مخلّفا وراءه زوجة ثكلى وأبناء أيتام يبكون أباهم وأمّا ملتاعة تموت كل يوم ألف مرّة..
عندما كتب الفيلسوف والروائي الفرنسي "بول نيزان" كتابه الأشهر " كلاب الحراسة " سنة 1932 ما كان يتصور أن يكون له الأثر والنجاح الذي حققه بعد موته خاصة خلال انفجار الحركات الطلابية بفرنسا 1968 إبان أوج الفكر الشيوعي في أوروبا. كتاب المفكر الثائر ينطبق كثيرا على الواقع العربي اليوم حيث تتكفل النُخب الان
نجاح الانقلاب لا يستلزم الكثير من الجُهد من جهة المنقلَب عليه، أي إرادة الجماهير، بل يتطلب أولا غياب ردّ الفعل والرضى بالأمر الواقع وقبول حكم " الحاكم المتغلَّب "، وهو قبول قائم على تصديق خطاب الانقلاب المقنّع بقناع الثورة والتصحيح.
ثورة 25 يناير المصرية هي امتداد طبيعي لثورة 17 ديسمبر كانون الأول التونسية التي فجّرت موجة الربيع العربي وأنهت حقبة طويلة من تأبّد المنوالات الاستبدادية العربية في نسختها الكلاسيكية و كذلك هي ثورة سوريا وثورة ليبيا.
ضربُ الهيئة وضربُ رئيسة الهيئة وتبيضُ العصابات ونهبُ مال الشعب التونسي وبيعُ السيادة الوطنية لمخابرات السفارات الأجنبية هو الكفيل بتجديد شروط الثورة والغضب الشعبي.