آثار ما سمحت به النظم المتعاقبة من إطالة الذراع الأمني نجنيه الآن من ثقافة أصَّلَت منهج التعذيب والاستعلاء، وأخرجت لنا رتبا تصدر عنها تصريحات في غاية السذاجة أو التضليل أو البذاءة، وهي مؤشرات التدني الثقافي والمعرفي والخلقي..
ما يحتاجه الواقع لقراءته، والمستقبل لاستشرافه، النظر في الماضي؛ إذ بذلك تُعرف مواطن الخلل والانحراف سواء في حالة الاعوجاج المبكر أثناء النشأة، أو الانحراف اللاحق أثناء السيْر في دروب الزمن والوقائع..
عقب التغيير القسري في يوليو 2013، لم تكتف المؤسسة الأقوى بالدولة بتدخلها السياسي والاقتصادي، بل تم إقحامها في أدوار الأدوات، والانخراط في دور الأداة أخطر ما يصيب ركن مؤسسات الدولة في علاقتها بالحاضنة الشعبية لها.
قامت حركة يوليو 1952 لأجل الانتصار للمجتمع الذي يرزح تحت الاحتلال -فيما بدا من مبادئ معلنة لتلك الحركة- ثم سرعان ما تم الانقضاض على الحياة الاجتماعية والسياسية لصالح الجيش..
ما يقرره الواقع على مدى الزمان أن الاستبداد الذي يستشري في المجتمعات يسير في كل لحظة من لحظات وجوده إلى ساعة فنائه وانقضائه، حتى لو تخلل تلك الفترات استتباب للحكم وتثبيت لأركانه، فإن ذلك مُنْقَضٌّ لا محالة
لا تزال ذكرى يناير تمثل حالة في المجتمع لكل من مسّتْه، سواء كان مسّ خير أو ضر، فهي ذكرى الانتصار والحرية والديمقراطية لكل من شارك بها، وهي ذكرى ضياع المصالح والبطش والانهزام، لكل من رفضها أو قامت ضده.
لا يلبث حكام هذه المنطقة يستعيدون سِيَر الانهزام والتردي في تاريخ الأمة ليقدموا لنا صورة حديثة من سيرة ملوك الطوائف الذين أضاعوا باستبدادهم وميلهم لنوازعهم الشخصية حضارة مهدت لتقدم العلم الحديث، وأضاعوا أناسا تعرضوا للقتل والتهجير والاستئصال الكامل.
لما وُلِد سيدنا نزار "الجد السابع عشر للنبي صلى الله عليه وسلم" كان بين عينيه نور، ففرح أبوه وذبح وأطعم، وقال إن هذا لَنَزْر -أي قليل- لِحقِّ هذا المولود، وسُمِّي نِزَارًا..
لستُ مولعا بالحديث عن الذكريات؛ باعتبار أن ما جرى مرّ بحلوه ومُرّه، لكن ذلك اليوم له خصوصية؛ إذ كان يوم هزيمة الثورة، وما حدث بـ 3/7 لا يعدو كونه "الإعلان الرسمي" للهزيمة.
معلوم أن الإرشاد للخير فنٌ لا يقدر عليه كل الناس، أيا كان نوع الإرشاد في مدرسة أو مكان تعبّد أو غيرهما، أما سَوْق الغير للقبح والسوء فلم يكن فنًّا إلا هذه الأيام..
ما يمكن قوله بارتياح، أن الثورة في يناير خرجت لأجل الأحوال المعيشية بشكل رئيسي، ولم تكن السياسة بمعناها الضيق -وما زالت- غير قادرة على إخراج المجتمع لإحداث تغيير، حتى ما حدث من سخط في يونيو 2013 تم تدعيمه بأزمات معيشية لضمان سخط أكبر قدر ممكن؛ لزيادة الحشود..
كانت حركة الاحتجاج محدودة ومقتصرة في أغلبها على الإسلاميين، وتعلقت المحدودية بعدة اعتبارات: منها ما تعلق بالأداء الاقتصادي والسياسي الهزيليْن للنظام وظهوره بمظهر العاجز عن إدارة الدولة، ومنها ما تعلق بالخلاف الحاد مع الإخوان..