السعودية التي أشهرت سلاح المقاطعة لبضائع تركيا، العضو في منظمة التجارة العالمية ومجموعة العشرين، يبدو أنها تتصرف في الزمن الضيق المتبقي لها قبل السقوط في قعر الفشل وربما الانهيار، وهذا يوفر سبباً كافياً لعدم الثقة بالدور السعودي السياسي والعسكري على الساحة اليمنية
إننا أمام مهمة تخادم وارتزاق تستدعيان إرث فرنسا وروسيا الأسودين وتضعه أمام الطموح الكارثي لمحمد بن زايد، بعد أن أظهر هذا الأخير حماساً لإعادة صياغة مستقبل المنطقة، بما يسمح له بممارسة دور موهوم على أنقاض أمة توفرت لها فرصة سانحة لإعادة استنهاض دورها وتأكيد مكانتها في هذا العالم
اللقاء التلفزيوني المهم الذي أجرته قناة الجزيرة مساء الأربعاء الماضي مع نائب رئيس مجلس النواب عبد العزيز جباري، ضمن برنامجها الأسبوعي "بلا حدود"، بقدر ما نجح في إنعاش الأمل لدى قطاع واسع من اليمنيين، فإنه كذلك صرف الاهتمام نحو ما يتعين عمله من أجل البناء على هذا الموقف
يمكن اعتبار تقدم الحوثيين البطيء باتجاه مأرب، ثمرة انتهازية معتادة من شيوخ القبائل، ونهجا سعوديا يشكل مزيجاً من حقد أصيل وتذاكٍ مفضوح وتصفية حسابات، ليس مع الأعداء بل مع الحلفاء الإسلاميين المخلصين الذين ساهموا بسذاجتهم وإيمانهم بالنموذج السعودي..
جزء من مظاهر التدخل العسكري للسعودية والإمارات تتجه نحو تفكيك اليمن والاستحواذ على أهم مواقعه الحيوية، كما تتجه نحو وأد خيار الشعوب العربية في التغيير والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، تأسيساً على مبدأ التفويض الحر
الإمارات أحدثت اضطراباً في الحسابات السعودية، وتبديداً لأهدافها، وهذا جاء نتيجة التحامها بالأجندة العسكرية الصهيونية، على نحو يعبر بوضوح عن حضورها في سقطرى كقوة مؤثرة وحقيقة لا يمكن أن يساهم الوجود العسكري السعودي المأزوم في تجاهلها..
ما يتجلى أمام أي مراقب يدقق في طبيعة الدور السعودي؛ هو هذا الإمعان السعودي في دفع الحكومة باتجاه الاعتياد على التخلي عن حقوقها وصلاحياتها الدستورية بالتدريج، إلى أن تجد نفسها قد فقدت الفرصة في إدارة التحديات..
لا يوجد سيناريو يمكن ترجيحه لمسار الحرب التي تديرها السعودية بالشراكة مع الإمارات على الساحة اليمنية، لكن بوسعنا أن نشاهد بوضوح كيف أن السعودية تبدي استعداداها للتعاطي مع قوى الأمر الواقع، وتعيد تعيين وضعية حلفائها في معسكر الشرعية..
قد لا يبدو اليمن بعيداً عن التطورات المرتبطة بآخر المغامرات التي أقدم عليها ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وتمثلت في الإعلان عن بدء الخطوات العملية لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع الكيان الصهيوني..
لا ضمانة حقيقية على أن الرئيس هادي سيتمكن من إصدار القرارات، وهو السلاح الوحيد المتبقي لديه، بعد التنازلات الخطيرة في إطار اتفاق الرياض، الذي وفر غطاء كاملاً للانحسار الخطير لنفوذ الشرعية في جنوب اليمن
في تقديري أن السعودية ومعها الإمارات يدفعان بالمجلس الانتقالي إلى مرحلة من التمكين السياسي، بحيث يصبح وجوده في الحكومة مع وجود أحزاب أخرى تسير في ذات الخط الذي يسير فيه تحت الرعاية السعودية الإماراتية، قادراً على إحداث الشلل الدستوري في أداء هذه الحكومة والسلطة الشرعية..
من المؤسف أن تناقش قضية حيوية كهذه في معزل عن أي تأثير للسلطة الشرعية التي يفترض بها أن ترعى وتحرس وتحافظ على الأولوليات اليمنية، لا أن تتحول هذه الأولويات هامشية بتأثير الارتهان المقزز لقيادة السلطة الشرعية في هذه المرحلة الفاصلة
اليوم ثمة محاولات تعكس قوة النفوذ الإماراتي على الرياض، وتهدف إلى الإطاحة به ضمن تسوية ربما تشكل الفصل الأخير من مسلسل التآمر على الدولة اليمنية وجيشها ووحدتها ونظامها الجمهوري.
من الواضح أن الكشف عن مضمون المسودة، يشير إلى أن المبعوث الأممي استنفد جهده تقريباً واستوعب ما يريده أكثر الأطراف صلفاً في معادلة الصراع، وهي جماعة الحوثي الانقلابية، إلى جانب أن المبعوث الأممي مرر صيغة تعيد هوية هلامية للجمهورية..