إذا كانت السعودية قد أخطأت بمصادرة إرادة السلطة الشرعية التي تدعمها وأعلنت مبادرتها لوقف إطلاق النار، فإن الشيء الوحيد الذي يجعل موقف السعودية مقبولاً من معظم الشعب اليمني هو أن تطور من آليات الدعم المقدمة للحكومة وأن تكف عن مصادرة القرار السياسي للسلطة الشرعية، وأن تنهي خطر المجلس الانتقالي
مظاهر العبث بالسيادة اليمنية لا حدود لها، لقد تحولت الجغرافيا اليمنية إلى ساحة تتجلى فيها كل أشكال المراهقة السياسية والاستعراضات العسكرية العبثية من جانب نظامين إقليميين؛ تأكد أنهما أبعد ما يكونا عن المصالح المشتركة للأمة
تكمن أهمية المعركة الدائرة حالياً في مأرب، والتي تضع السعودية ثقلها الجوي الكبير لإبقائها عند حدودها الحالية من الاحتواء لكل الأطراف، واستنزافهم. والمطلوب أن يجري تحول حقيقي في هذه المعركة، يخفف الاعتماد على الطيران السعودي ويقوي الإمكانيات الميدانية للجيش الوطني، وينقل المعركة إلى عمق العدو وهزيمته
هل يعقل أن السعودية لم تتحوط؟ وهل تخلت بالفعل مصادر القوة التي تدعم موقفها على الساحة اليمنية؟ وأنا هنا بالطبع لا أعتبر المجلس الانتقالي وسيطرته في عدن وسقطرى إلا أحد أسوأ هذه هذه المصادر
محاولة أنصار الشرعية شد الانتباه إلى أن معركتهم في اليمن هي مع إيران، يغطي على أعداء لا يقلون خبثاً عن إيران، أعداء في هيئة حلفاء، لطالما تربصوا باليمن ولطالما وفروا لإيران أدوات المعركة، وحرروها من أعباء خوضها في ساحة كانت تبدو عصية للغاية على طهران وعصبتها الطائفية
ليس غريباً أن يتغول الحوثيون في مهمة تطييف المجتمع اليمني وتفخيخه، عبر استخدام أدوات السلطة المتاحة لديهم. فبدون التأثير الجذري في وعي الناشئة لن يتمكنوا من البقاء، لأن أسلوبهم في الحكم يحمل بذور الفناء السريع..
إن متلازمة الحرب وكوفيد-19 تهدد بتقويض ما بقي من إمكانية وجود لليمن الذي يعاني من نزيف بشري حاد، واقتصاد متضعضع، وانسداد في الأفق السياسي، وسط تسارع خطير لوتيرة التغيير في البنية الهوياتية التي تعمق من الانقسام الاجتماعي وتخلق خطوط صدع مذهبية
إن أهم ما يحتاجه اليمن في هذه المرحلة هو الاصطفاف السياسي ضمن بنية سياسية حركية مرحلية تتأسس على الفعل المقاوم لمشاريع هدم الدولة اليمنية، تتجاوز التعقيدات الهيكلية والتنظيمية للأحزاب وحمولتها السياسية الثقيلة..
لم يكن إعلان العميد طارق محمد عبد الله صالح المفاجئ عن تشكيل مجلس سياسي لقواته المرابطة في مدينة المخا مفاجئاً، فالأمر يتعلق بالترتيبات الإماراتية الحثيثة لتمييز دورها السياسي والجيوسياسي على الساحة اليمنية، وهو دور يتكامل بشكل أو بآخر مع مخطط إقليمي لتفكيك الدولة اليمنية
مواجهة التحديات الوجودية في المنطقة لا ينبغي أن تتوقف على إجراء بعض التحسينات في مواقف الدول الإقليمية الرئيسية من بعضها، بل بتحسس الأدوار التي ينبغي أن تؤديها، وإعادة بناء مرجعيات إقليمية كتلك التي تؤديها إيران للمنظومة الشيعية في المنطقة..
ليس هناك أسوأ من أن تحصد الشرعية تحت مظلة الحليف السعودي نتائج سياسية سيئة؛ من المؤكد أنها ستكون بطعم الهزيمة العبثية بالنسبة للمملكة، خصوصاً إذا تمكنت إيران، يساعدها في ذلك الدور الأمريكي، من إبقاء الحوثيين قوة متحكمة بالقرار اليمني
لكن واشنطن في الواقع لا تمتلك حتى الآن تصوراً واضحاً للحل، بل إن مبعوثها يكاد يلج إلى الدوامة نفسها من الفشل التي غرق فيها المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى اليمن، مارتن غريفث..
ليس من المستبعد أن يكون حصاد الرياض مراً وثقيلاً إذا لم تتدارك المخاطر المحدقة بمأرب، والتي تتكرس، ليس لأن المدافعين عنها تنقصهم الشجاعة والمراس، ولكن لأن السعودية منعت عنهم المدد والعدد، وحرمت حكومتهم من التصرف بمواردها وأسلمتها إلى جماعة انقلابية هي المجلس الانتقالي الجنوبي