تسريع الانقلاب لما تبقى من فقرات خارطة طريقه أخاف الكثيرين، وضيق هامش مناورة الطامعين في فيء الانقلاب، وفقدت الغالبية المطلقة كل ثقة في حل يأتي من الرئيس وهم يرونه يعمل على تغيير هيئة الدولة ومؤسساتها ورموزها التي أجمع عليها الناس منذ الاستقلال
في ظل عجز فرد وحده على التأثير على طاولة تفاوض (حوار)، تبدأ من نقد ذاتي وعلني أمام الجمهور المسكين، فإن الأشرف سياسيا عدم قبول ما سيصدر عن هذه الطاولة من حلول وعدم الترويج لنجاح كاذب؛ لأن الانقلاب سيستمر ولو بدون قيس سعيد، فجوهر الانقلاب هو الأزمة التي صنعته وأدت إليه
التريث الذي تبديه المعارضة تحت مبرر انتظار انضمام هؤلاء إلى المعارضة هو خطأ كبير، مبني على مثالية سياسية تتوهم وحدة شاملة ضد الانقلاب. إنها لحظة حسم وتقدم، والنتائج على الأرض ستأتي بكثير من هؤلاء طمعا وتزلفا كما فعلوا دوما مع كل منتصر
هذه التسريبات تكشف خطا رابطا بين سلوكيات وأساليب عمل كل الذين دخلوا القصر أو حاموا حوله قديما وحديثا. وهو أن تمثلهم للدولة أو خيالهم السياسي لا يتعدى سلوك الحريم القديم كما صورته روايات الاستشراق الغربي عن قصور السلطان الشرقي، يستوي في ذلك النساء والرجال
نشحن جملنا بروح رمضانية لعلاج الإحباط فقد طال أمد الانقلاب وكنا ظننا أنه لا يملك نفسا لصعود ربوة السياسة والديمقراطية. كلما خرج المنقلب أضاف لفشله سببا جديدا ونفّر آخر المخلصين له ولم نعد نرى حوله إلا كل استئصالي مرعوب من الديمقراطية..
بين مواقف المستبشرين ومواقف المرغمين نجد مكانا لجملة ضرورية. الضغط الدولي بالمال وبالسياسة وحتى بالقوة العسكرية لن يحل مشاكل البلد التي تردى فيها وفاقمها الانقلاب. والحل سيظل دوما حلا داخليا..
نتجه حثيثا إلى استكمال سنة من الانقلاب وخلالها عاين الجميع أن الانقلاب لم يترك رذيلة في حق الديمقراطية إلا ارتكبها لكن أنصار الحرية والديمقراطية بقوا مترددين ينتظرون أن يسقط الانقلاب من تلقاء نفسه..
التغيير لم يشمل المواقف السياسية للنخب. ولذلك فإني أدقق السؤال كما يلي: هل النخبة التونسية ترفض التغيير؟ وأرى التغيير يحدث في مكان آخر بقوم آخرين ليس لهم لسان فصيح بعد..
تواضع أستاذي أبو يعرب المرزوقي فرفعني إلى درجة الزمالة، وما هي إلا زمالة إدارية فمؤجرنا واحد، إذ له عليّ سابقة العالم وعليّ له إخلاص المتعلم، وذلك في رده على مقال نشرته بموقع "عربي21"
وماذا بعد نقض الوهم الجميل؟ هل نرتكس إلى الإحباط المطلق؟ إني أفضل عوض الذهاب وراء الحلم بأمة متخيلة لدور متخيل عدم تجاهل العوائق الداخلية، أي العودة إلى سؤال آخر في العمق
الموقف الأسلم سياسيا أن نترك الأزمة تأكل صناعها، لذلك فإن التكالب على حوار وطني خطأ تكتيكي واستراتيجي، لم يتعلم شيئا من فشل حوار 2013. موازين القوة المادية متفاوتة نعم، ولكن موازين القوة الأخلاقية راجحة لمصلحة الديمقراطية وأنصارها..
لقد تطلبت الساحة السياسية المفتوحة لتيار شبابي واسع وغير متحزب قبل الثورة قيادات سياسية جديدة وعمل حزبي ديمقراطي. لكن القيادات التاريخية التي استفادت من التقديس القديم ظلت متمسكة بالواجهة وبطرقها السابقة على الثورة واعتبرت كل نقد لها هو طعن في شرعيتها التاريخية. وصادرت بذلك كل أمل في تغيير النخب.
الانقلاب فاشل والجميع فقد الأمل، منه لكن معارضيه خائفون مترددون ويحسبون حسابات تجار صغار ولا يريد أي منهم دفع كلفة المعارضة، هكذا كان الأمر زمن ابن علي وهو يتكرر أمام أعين العالم
الرابط بين حديث فرقاء السياسة العقلاء أو من فيهم بقية من رصانة أن الانقلاب انتهى سياسيا وأخلاقيا، وقد ظهرت كل علامات الانهيار الاقتصادي المؤذنة بسقوطه. وكلهم يقولون على الخاص وعلى العام إنها مسألة وقت، لكن أمام السؤال الجارح: لماذا لا تخرجون إلى الشارع خرجة أخيرة تعصف به وتستعيد الدولة ومؤسساتها؟