تخضع سورية مجددا لتجربة «المختبر» للصراع أو الاتفاق الأمريكي- الروسي. هذا ما يحصل في المعارك الدائرة بين قوات المعارضة التي تتألف من فصائل «الجيش السوري الحر» ومن مقاتلين سوادهم الأعظم من أبناء محافظة درعا وعشائرها والجيش النظامي وحلفائه في الجنوب.
لم تنتج الانتخابات النيابية اللبنانية أكثرية واضحة لأي فريق، ولم تخرج نتائجها عما كان متوقعا أن يفرزه القانون الجديد القائم على النسبية في التمثيل، على رغم الدلالات المهمة لما هو جديد في بعض المناطق، وبالنسبة إلى بعض الأحزاب والقوى السياسية.
الانتخابات اللبنانية التي تسبق الانتخابات التشريعية في العراق بأسبوع، بالتزامن مع الأحداث المنتظرة خلال شهر أيار (مايو) الجاري، كانت أيضاً مادة لربط الاستحقاق اللبناني بالوضع الإقليمي في شكل لا يخلو من المغالاة.
علّق صديق سوري على صورة القمة الثلاثية التركية- الروسية- الإيرانية في أنقرة أول من أمس بالقول: إنهم رؤساء الجمهورية العربية السورية. إنها السخرية السوداء لما آلت إليه بلاد الشام من انعدام الوزن لحاكمها وللمعارضة معاً.
كان يمكن لأزمة سكريبال أن تنحصر بين بريطانيا وروسيا لولا أن الصراع الأميركي الروسي على النفوذ في أوروبا يأخذ مداه الواسع منذ سنوات، ولولا امتداده إلى سورية والشرق الأوسط. ومن ميادينه التنافس على السيطرة على أسواق النفط والغاز.
وحجة الإرهاب قابلة للاستحضار في أي وقت، آخرها تمكن «داعش» من الانتقال إلى حي القدم جنوب دمشق بتسهيلات من النظام، للتغطية على جرائمه في الغوطة. لكن السؤال عما بعد الغوطة بات ملحاً في ضوء التحرش الدائم من الميليشيات الإيرانية بمنطقة درعا التي تشترك واشنطن برعاية وقف النار فيها.
تكثر العواصم الغربية (بما فيها واشنطن) والعربية من الأسئلة حول التوقعات من الانتخابات النيابية في لبنان في 6 أيار (مايو) المقبل، من باب التأكد إذا كان «حزب الله» سيتمكن بفعل القانون الجديد، النسبي، من أن يحصد مع حلفائه أكثرية في السلطة التشريعية. بحيث يتكرس إلحاق لبنان بالمحور الإيراني.
لم يعد بإمكان رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أن يقوم بأكثر مما قام به إلى الآن، من أجل إنقاذ لبنان من الأخطار التي تحدق به، وبات على شركائه في الحكم وفي التسوية التي عقدها معهم أن يقوموا بما عليهم لتدارك احتمالات أي تدهور قد يتعرض له البلد في خضم التعقيدات والصراعات الإقليمية، والحديث عن حروب قد يُقحَم لبنان فيها.
في زمن تراجع البحث في تنفيذ القرار الدولي الرقم 2254 وبيان جنيف، وتعليق الحديث بالحكم الانتقالي وبمصير بشار الأسد، يصعب توقع حلول جذرية في سورية، فيقتصر الأمر على تحديد خطوط التماس وتوزيع أدوار القوى الرئيسة على الميليشيات التي تسيطر على الأرض.
في انتظار اللقاء المنتظر بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين والذي يرجح حصوله في 20 تموز (يوليو) المقبل في هامبورغ على هامش قمة العشرين، تبقى العلاقة بين الدولتين خاضعة للتجاذب والتصادم بالواسطة حينا، ثم ضبط المواجهة، لاسيما في سورية، أحيانا أخرى.
ها هو دونالد ترامب يطلق مفاجأة جديدة بإعلانه استعداده للتخلي عن حل الدولتين للقضية الفلسطينية، مؤكدا أن لا مشكلة لديه بين هذا الخيار وبين حل دولة واحدة، من دون أن يرف له جفن، كأنه يتعامل مع خيار بين طبقين من لائحة الطعام.
ها هو دونالد ترامب يفاجئ فلاديمير بوتين الذي ينتظر منه الإشارات الطيبة من أجل تحسين العلاقات، فإذا به يلوّح له بالعمل على إقامة مناطق آمنة في سورية من أجل عودة النازحين السوريين إليها، ما أطلق تحذيرا من موسكو بأن على واشنطن أن تفكر «في العواقب المحتملة لإقامة هذه المناطق الآمنة».
المنطقة الغربية السورية المحاذية للبنان، باتت مساحة نفوذ واحدة مع المساحة اللبنانية الشرقية لـ «حزب الله»، تلغي الحدود بين البلدين لتبقى ممرات العبور لقوات الحزب متاحة من دون أي عائق. إنها نسخة طبق الأصل عن إلغاء الحدود بين العراق وسورية من جانب «داعش» عام 2014.
أفسحت واشنطن وموسكو الطريق للفرنسيين كي يملأوا فراغ فشل مبادرتهما الديبلوماسية حول الهدنة، وفتحوا الطريق أيضا لتحرك الاتحاد الأوروبي في السعي لتفادي مزيد من التدهور في العلاقة بينهما، والذي قد يكون أحد مظاهره تزويد المعارضة بأسلحة نوعية.
يضرب فلاديمير بوتين عرض الحائط بكل الوعود العربية له بحفظ مصالح روسيا في المنطقة، لأن من يصدرها ليس بالقوة الكافية التي تتيح له المقايضة. ولا يخجل أوباما من النكوث بموجبات تشجيعه عواصم عربية على الثبات في موقفها ضد نظام الأسد، بحجة الإفادة منه في مفاوضاته مع بوتين.
يشمل «الضرب تحت الزنار» موضوع التهجير وإجبار الناس على النزوح في سورية، ضمن خطة مبرمجة على يد النظام وحلفائه الإيرانيين، لإحداث تغييرات ديموغرافية، بحيث يصبح البحث عن حل سياسي أكثر صعوبة مع تراكم الأحقاد وتعقيدات مخلفات الحرب، إذا وضعت أوزارها، ما يبقي على بذور تجددها.