ما حدث ويحدث هذه الأيام، يدفعني لاستحضار ما قلته من قبل، من أن الإرهاب هو صناعة سياسة وليس صناعة دين، وإذا كان العالم جادا وصادقا في محاربة الإرهاب ومحاصرته، فعليه أن ينطلق من الموقع الحقيقي لتفجر الإرهاب، من علاج الخلل الإنساني والمعنوي الذي أحدثته مظالم سياسية في أكثر من منطقة من عالم اليوم.
مع الأسف، الأديان اليوم جميعها هي ضحية المتطرفين من أبنائها، لكن الأديان أيضا هي المفتاح الأساس لمعالجة هذا الخلل الأخلاقي والإنساني والثقافي عند أبنائها، واتساع نطاق هذه الكراهية والوحشية يجعل العالم كله أمام استحقاق ضروري وعاجل، لإنقاذ السلام وحماية الإنسانية.
المسؤولية الأمنية لا يصح أن تغيب المسؤولية السياسية عن مجمل الأوضاع المحتقنة في البلاد التي تتيح للإرهاب أن يتمدد ويستقطب كوادر جديدة، النظام السياسي مسؤول عن إماتة السياسة، وحصار الأحزاب، وتكميم الأفواه، ومحاصرة المجتمع المدني، وضرب الصحف التي تقول لا.
إلى أي مدى تصل تلك الموجة من "التضامن" مع الرئيس الأسبق والانتهاكات التي يعاني منها، وإلى أي وجهة يمكن أن تترجم سياسيا، هذا هو ما سوف تكشفه الأيام المقبلة، ولكن المؤكد أن المزاج السياسي العام في مصر تغير بصورة كبيرة.
انحاز الشعب الفرنسي إلى خطاب النضج والعقل والاعتدال، انحاز للحرية والديمقراطية، ولم يرضخ للابتزاز بتخويفه من الإرهاب ليتنازل عن جزء مهما صغر من حقه في الديمقراطية والكرامة والحريات العامة والخاصة، انهزم خطاب الخوف وانتصرت الديمقراطية في فرنسا، وهذا ما أزعج البعض في العالم الثالث على ما يبدو.
لماذا اختفى الشيخ جمعة إذن، ويبدو أن الشيخ جمعة صدر أحد موظفيه الكبار، حيث "تطوع" الشيخ جابر طايع، رئيس القطاع الديني بالوزارة بالحديث إلى أحد البرامج الفضائية، ليدافع عن ابنة الوزير، ويقول أنها متفوقة وكل أبناء الوزير متفوقون؟!
الأسبوع الماضي شهد مجلس الشيوخ الأمريكي جلسات استماع لعدد من الخبراء الأمريكيين المختصين بالشأن المصري، وذلك لتقييم الأوضاع تمهيدا لاتخاذ قرار في شأن المعونات العسكرية إلى مصر، وفي اللجنة الفرعية للاعتمادات تكلم ثلاثة من الخبراء، والحقيقة أن الكلام الذي قيل، وبعضه لا يمكن عرضه هنا، مهم للغاية.
الوعود بالرخاء الاقتصادي تبخرت والصعوبات تزايدت ومعاناة الناس أصبحت أسوأ بكثير من كل من سبقوه، والانهيار الأمني في سيناء وفي الداخل يراه العالم كله، وفي عهد مرسي وقعت حادثة واحدة في سيناء، وفي عهده وقعت ثلاثمائة حادثة كبيرة وصغيرة، بمعدل كارثة كل يوم.
المواطن المصري الذي لا يحمل سوى جنسية مصر، هو مواطن درجة ثانية وثالثة، ملطشة، لا يحميه قانون ولا يحصنه وطن، ولا يملك أي ضمانات حقوقية، هو وحظه، رغم كل النصوص الجميلة التي كتبوها له في الدستور، ولا توجد له في "القاهرة" سفارة، تتابع محنته، وتحمي حقوقه، وتعمل على إنقاذه.
اهتمت النخبة المصرية بمتابعة استفتاء تركيا عن التعديلات الدستورية التي يحول النظام السياسي هناك من برلماني إلى رئاسي، وكان من الواضح أن النخبة المخاصمة للتيار الإسلامي قد اتخذت موقفا مسبقا ضد الاستفتاء التركي ووصفته بأنه تأسيس للديكتاتورية.
اللعب مع الأزهر أو اللعب به، فهو لعب بالنار، خطير للغاية، الأزهر هو "السد العالي" الديني في هذا البلد، الذي يحميها من الطوفان، وأي محاولة للعب به أو كسره أو إضعافه أو تفريغه من قوته الروحية والعلمية واستقلاليته يعني إغراق مصر في فوضى دينية واجتماعية لن تبقي ولن تذر.
هوس القوميين العرب بالطغاة الذين تاجروا بقضية فلسطين ليتمكنوا من اغتصاب السلطة الحرام ثم خربوا بلادهم وخربوا فلسطين، وهزموا بلادهم وهزموا فلسطين، وأضاعوا بلادهم وأضاعوا فلسطين، ولم يكونوا ـ عبر السنين، سلما وحربا ـ سوى ميكروفونات للأغاني والهتافات الفارغة والضجيج.
هناك مناخ سياسي عام في مصر مربك وغامض وغير مريح هذه الأيام، والمشكلة أن هموم البلد وتحدياتها الاقتصادية والأمنية والاجتماعية لا تتحمل هذا الغموض والارتباك فضلا عن المزيد منه، فهل تشهد نهايات 2017 جلاء ذلك كله؟!.
العمل على إصلاح المنظومة القضائية لوجه الله ثم الوطن ومصالح العباد وميزان العدالة العمياء شيء، وتفصيل تعديلات قانونية لوجه السلطة التنفيذية وإضرارا بمصالح العباد وميزان العدالة شيء آخر.
واشنطن استبقت زيارة السيسي بالإعلان عن تجميد فكرة تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية، وهو الأمر الذي مثل صدمة كبيرة؛ لأن الإدارة المصرية كانت تحتفل مبكرا جدا بهذا القرار، وأنه شبه مفروغ منه، وأن ترامب هو حليف السيسي في حربه على الإخوان.
الوعي المغلوط بدور الدولة وقيمة الإنسان المواطن فيها، لم يعد وقفا على العامة والدهماء والأميين والجهلة، الذين يتصورون أن رئيس الدولة أو الحكومة هي التي تطعمهم وتسقيهم وتنفق عليهم، بل تلك الأغاليط أصبحت ساكنة في وعي المسؤول نفسه، مضافا إليها قدرا من العنجهية والغطرسة واحتقار المواطن.