لا أعرف كيف استقر في وجداننا أن الجيش جاء لميدان التحرير في مساء يوم 28 يناير 2011، ليحرسنا ويحمينا في مواجهة الشرطة التي تذبحنا، بحسب هتاف الاستقبال، الذي ارتفعت به الحناجر، وقد دفعني هذا الإجماع الجماهيري الحاشد بعد لحظات من الريبة لأكون جزءا من هذا العزف؟!
الضوء الذي في آخر النفق، "لم يتراء لي"، ولم تكن الصورة مبشرة في يوم 25 يناير، وأنا أرى الدكتور محمد البلتاجي وأبو العلا ماضي وآخرين على سلالم دار القضاء العالي يحيط بهم كردون أمني، وهناك امرأة تحمل علم مصر تلوح به وتسبهم..
أنصار فكرة "النقاء الثوري" يريدون من "جنينة" أن يكون زعيما سياسيا، وما دام لم يكن فهو والسيسي سواء، وما بينهما هو "معركة مصارين البطن" في أخف التفسيرات، وهؤلاء في نظرتهم المتعسفة، لا يرون كيف أن السياسيين أنفسهم افتقدوا القدرة على أن يكون زعماء، فكيف نطلبها من قاض؟!
امسحي دموعك يا آمال، وتفرغي لمشروعك الوطني الكبير، في رفض الديمقراطية، وإرادة الجماهير، واحلمي بانقلاب عسكري في تونس، يشل حركة البروليتاريا "الرثة" التي تنتخب الخصوم ولا تنتخبكم!
هل كانوا ينتظرون صاعقة، كصاعقة عاد وثمود، حتى يعلموا أنهم بغباء البعض منهم، وسذاجة البعض، وانتهازية البعض الآخر، كانوا في مشاركتهم في هزيمة الثورة، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا؟!
إذا أفلس التاجر فتش في دفاتره القديمة، وذلك على العكس من عبد الفتاح السيسي الذي هو إذا أفلس فتش في دفاتر غيره، وإن كان لا يستدعي من هذه الدفاتر الأفكار بحالتها لتنقذه من فلسه، فهو يقوم "بتفعيصها"، وهو اصطلاح مشتق من "تفعيص" ثمار الطماطم!
شغلني هذا السؤال: لماذا لم يتوقف من شكلوا غطاء ثوريا للثورة المضادة في 30 يونيو 2013 وما قبل هذا اليوم، عن الهجوم على الرئيس محمد مرسي إلى الآن، رغم مرور عامين ونصف العام على عزله بقوة السلاح، واختطافه، ومحاكمته أمام دوائر قضائية غير عادلة وتفتقد الحد الأدنى للعدالة؟!
البرلمان حدد أعضاؤه جدول أعماله، وهو تأييد السيسي، والوقوف خلفه، وتمرير قوانينه دون مناقشة، وتعديل الدستور لتصبح الدورة الرئاسية ست سنوات بدلا من أربع، وتعزيز صلاحيات "السيد الرئيس"، ولا إشارة على أن موضوع سد النهضة مطروح على جدول الأعمال.
تكمن الأزمة من وجهة نظري في التصورات المغلوطة، فصديقنا الأسواني يتصور أن 30 يونيو ثورة حماها الجيش، والجيش يتعامل على أن 30 يونيو هو غطاء مفتعل لانقلابه العسكري في 3 يوليو، فالجيش ليس مستدعى لمهمة من الثوار حتى يحددوا له حدود دوره، لكن هو الذي استدعاهم لتأمين دوره هو.. وللدقة دور السيسي.
قرأت ما فعله عبد الفتاح السيسي فتذكرت ما فعله جمال عبد الناصر، وفعل السيسي فعلته في المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، فتذكرت فعلة عبد الناصر في فارس ثورته النبيل يوسف صديق!
أكدت موقعة "المايك" في السودان، أن "مصر السيسي"، "تتوحم" على دكر، ومن المتواتر، أن "المرأة الحبلى"، إذا "توحمت" على شيء ولم تنله، ظهر مطبوعا على جسد الجنين مدى الحياة.
لم يجرؤ صاحب "يعقوبيان" الدكتور علاء الأسواني على إدانة إلغاء الأمن لندوة له وسعى ليخفف من وقع الأزمة على نفسه، فأعلن أن جهاز الأمن عندما منع ندوته في محافظة الإسكندرية، فلأنه معترض على عنوانها،
وصل عبد الفتاح السيسي إلى أكاديمية الشرطة يوم الخميس الماضي، مبكرا؛ في الخامسة صباحا، وفي زيارة لم يعلن عنها، ووصفت إعلاميا بأنها "مفاجئة"، ليصب اهتمام المعلقين المحترفين والهواة، ومن الأطراف كافة، على ما قاله دون أن ينشغل أحد بدلالة الزيارة، في هذا الوقت بالذات!.