لأول مرة، تضع الثورات العربية قدرة النخب والأحزاب والحركات "الثورية المقاومة" أمام الاختبار الحقيقي، خارج شرانق ومتاريس بعيدة عن مستقبل ومصير أمة بكاملها وُضعت على المحك، ليسطع عجز المناهضين في انسياب مرارة مواقف لا يقال عنها سوى "خيانة" للتاريخ وللحاضر، وللضحايا الذين سقطوا أثناء الدفاع عن حريتهم
نحن أمام حالة تماثل صهيوني عربي ضد المجتمعات المدنية، وضد الحركات والفصائل المقاومة للاحتلال من جهة والمقاومة للاستبداد من جهة ثانية، وهو ما اتخذته "جرأة" بعض الأنظمة المتصهينة لمحاباة المؤسسة الصهيونية في الهجوم على الهوية الفلسطينية والتشكيك بوجودها مؤخراً
لم يكتب وزير خارجية روسي مباهج علاقة موسكو مع فلسطين على سبيل المثال بهذه الروح، ولا عن علاقة موسكو بسوريا، التي تكتب فيها موسكو علاقتها بالمنطقة بصواريخ ودبابات وعصابات فاغنر واحتلال مباشر
خرج رفعت الأسد قبل أكثر من ثلاثة عقود، وهو يحمل أوزار مذابح عشرات آلاف السوريين، وعاد لحضن العائلة، بترتيب وتوافق روسي وإيراني وتساهل دولي، بعدما حصدت آلة القمع الأسدية أرواح ملايين السوريين بين قتلى وجرحى ومفقودين ومهجرين
الوعي الديمقراطي في تونس هو تدعيم للاستقلال الوطني، وتحصين للمجتمع تجاه محاولات استغلال الديمقراطية والتعددية وصولاً لتقويض أسسها ومرتكزاتها، وهو ما حدث في تجربة الرئيس قيس سعيد وانقلابه على الديمقراطية وعلى الدستور، في محاولةٍ لتكريس هيمنة حكم الفرد الواحد..
أيام الحرية القليلة التي تنعّم بها أسرى جلبوع تنطوي عليها أبعاد اجتماعية وسياسية، وأخلاقية ومعنوية، وبعض مظاهر البهجة التي رافقت تحرير الأسرى أنفسهم وسرعة إلقاء القبض عليهم؛ تكشف عمق المأساة التي يعيشها أسرى الحرية وعموم الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، مع بقاء الهشاشة الأمنية للمناطق الفلسطينية
تفاعل الشارع العربي والفلسطيني، مع بطولة أسرى فلسطين ونضالهم داخل المعتقلات الصهيونية، وتمكنهم من الفرار من أشد المعتقلات قساوةً وأمناً، في ذلك الوقت خرجت أبواق نظام الأسد ومن يدور في فلك "الممانعة" ليمتدحوا فعل أبطال فلسطين الأسرى
مع الإقرار الأولي للمؤسسة الأمنية الصهيونية، بأن ما جرى في معتقل الجلبوع هو خطير جداً، يستدعي استنفارا غير مسبوق، فإن هذا الإقرار يترافق مع حقيقة أخرى حاول الإسرائيليون إغفالها، كما حاولت سلطة رام الله، الاستخفاف بها، وهي أوضاع الأسرى والمعتقلين داخل الزنازين الإسرائيلية
اللقاء هو فقط لتمكين السلطة من استمرار عملها على الأرض بعد توجيه التحذير الأمريكي عن اقتراب وشيك لانهيار السلطة، والتركيز في كل جولة محادثات فلسطينية إسرائيلية على بلورة واقع أمني ومدني واقتصادي في الضفة وغزة جُرب منذ أوسلو حتى يومنا هذا
لا يكاد يمر أسبوع، دون وتسجيل فظاعة جديدة بطيران موسكو ونظام الأسد وأجهزته الأمنية، وتسجيل شهادات جديدة لانتهاكات فظيعة بحق المعتقلين من الاغتصاب والتعذيب والقتل، لذلك يندر أن نجد، في التاريخ الحديث، مثيلًا لجرائم الأسد..
ليست المرة الأولى التي يحاول فيها النظام مع حليفيه الإيراني والروسي فرض سيطرة مطلقة على المدينة بعد "بروفة" التسويات التي ابتكرها العقل الروسي للنظام، كمقدمة لخداع معظم المناطق في سوريا، والتي واجهت بدورها تدميرا وتحطيما وحصارا وتهجيرا
لا يمكن قراءة تلك القرارات إلا في خانة الانسجام مع الاشتراطات العربية والأمريكية لدور النظام في تونس بعد الثورة، وانصياعاً للتفريط بحقوق التونسيين الديمقراطية، وتعديا صريحا وخطيرا على أبسط الحقوق وضمانتها في الدستور المُنقلَب عليه من قيس سعيد