قضايا وآراء

مصر بين تجربتي الجزائر وتونس

هاني بشر
1300x600
1300x600
يعتبر كثيرون أن التجربة السياسية المصرية الحالية هي امتداد طبيعي لتجربة تونس بعد الثورة؛ لتشابه البدايات الشعبية في الاحتجاج. لكن يبدو بعد ست سنوات أنها أقرب سياسيا لتجربة تونس والجزائر في حقبة التسعينات، وربما بشكل أسوأ؛ فهي تجمع بين العنف الذي يستهدف المدنيين على غرار الحالة الجزائرية، بغض النظر عن المسؤولين عن هذا العنف والقائمين به، وبين مستوى عنف قمع السلطة للمعارضين الذي اشتهر به نظام بن علي. 

لقد كانت حقبة التسعينات مرحلة مؤلمة في التاريخين الجزائري والتونسي. بدأ الشتاء السياسي القارص في هذين البلدين بشمس مشرقة للحريات ووعود بالديموقراطية في تونس مع قدوم زين العابدين بن علي خلفا للحبيب بورقيبة ومغازلته للنهضة وموافقة هذه الأخيرة على المشاركة في انتخابات مزورة عام 1989. بعدها شهدت الجزائر عام 1990 انتخابات محلية حرة أصر عليها الرئيس السابق الشاذلي بن جديد حصدت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ أغلبية معروفة. تدخل الجيش وألغى النتيجة بمباركة غربية وإقليمية، ثم أجريت انتخابات تشريعية عام 1991 وسط أجواء متوترة حازت فيها الجبهة على 188 مقعدا من أصل 228 في المرحلة الأولى في مفاجأة أربكت الجيش الذي تدخل وألغى هذه النتائج مرة أخرى.  

حصدت تونس حصادا مرا بعد انتخابات 1989 حيث شاركت النهضة فيها من دون ترتيب جيد وبوعود زائفة من النظام الذي كشف عن وجهه السلطوي القبيح بعدها وساق المعارضين وعلى رأسهم النهضة إلى السجون والمعتقلات والمنافي. وحكم على كثيرين بالإعدام غيابيا، ولم يستطع معارضو النهضة من اليساريين وغيرهم أن يقدموا بديلا حقيقيا يغير من المعادلة الاستبدادية التي تشكلت في العهد التونسي الجديد.

أما في الجزائر فقد دخلت البلاد في دوامة عنف يطلق عليها العشرية الحمراء أو السوداء، شهدت فرارا للإسلاميين والصحفيين وغيرهم من البلاد خوفا على حياتهم. حينها لم يستطع إخوان الجزائر المعارضون لتوجه الجبهة الإسلامية للإنقاذ أن يغيروا من الواقع الإقصائي الجديد رغم نضج الطرح الفكري والحركي الذي مثله الشيخ الراحل محفوظ نحناح الذي أسس حركة المجتمع الإسلامي (حماس) والتي غيرها إلى حركة مجتمع السلم في تلك الفترة بعد صدور قانون يحظر استخدام وصف إسلامي في أسماء الأحزاب. 

أوجه التشابه بين الوضع المصري الحالي والوضعين التونسي والجزائري كثيره. نظام المراقبة الإدارية مثلا الذي بدأت تحكم به المحاكم المصرية تجاه المعارضين السياسيين لا يفهمه كثيرون حتى الآن في مصر وستظهر نتائجه الكارثية لاحقا في حال استمر هذا النظام. وهو مستوى آخر من العقاب غير الإنساني بغطاء قضائي كان معمولا به في العهد التونسي البائد حيث لا يسمح للسجين بعد قضائه عقوبة الحبس أن يغادر المحيط الجغرافي الضيق لمنزله؛ بسبب إلزامه بالذهاب لقسم الشرطة مرتين أو ثلاثة في اليوم. وقد ظل وزير التعليم العالي التونسي الراحل الدكتور المنصف بن سالم لعشر سنوات تقريبا قبل الثورة التونسية يبيع البقدونس ليطعم أولاده بسبب حكم المراقبة الجائر قبل أن تعطيه الثورة مكانته التي يستحقها عام 2011.

ليست هناك وصفة جاهزة لحل الأزمة المصرية الحالية بالنظر للتجربتين التونسية والجزائرية. لكن جزءا كبيرا من الوصول للحل يتمثل في دقة تشخيص الوضع الحالي من دون التجمد عند لحظة ذروة الآمال في يناير 2011 أو ذروة الإحباطات في يوليو 2013. الأمر الذي يقتضي تغيير زاوية النظر قليلا، ووضع الأمور في السياق التاريخي المناسب، والاستفادة من التجربتين التونسية والجزائرية في التسعينات.

إن إنقاذ البلاد الآن من مصير سيئ تقع فيه بين مطرقة العنف المنفلت الذي يستهدف المدنيين وسندان قمع السلطة هو أولوية بالغة ينبغي أن تأخذ حقها من النقاش.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل