سياسة عربية

أزمة الحزب الحاكم "نداء تونس" لا ضوء لها في آخر النفق

تشكل جبهة الإنقاذ والتقدم بشكل رسمي في العاصمة- أرشيفية
تشكل جبهة الإنقاذ والتقدم بشكل رسمي في العاصمة- أرشيفية
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء على الأزمة التي يعيشها الحزب المهيمن على الائتلاف الحاكم في تونس في ظل رئاسة نجل الباجي قائد السبسي، في الوقت الذي يعمل فيه حزب حركة النهضة للاستفادة من هذه الصراعات الداخلية.
 
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن التقلبات التي طرأت على المشهد السياسي التونسي في الأشهر الأخيرة تعزى إلى المعركة المحتدمة بين مختلف الأطراف قبيل الانتخابات البلدية المقرر تاريخها في 17 ديسمبر/كانون الأول، تاريخ الذكرى السابعة لاندلاع الثورة. فبعد سنوات عديدة من الانتظار، سيُطبق الانتقال الديمقراطي، أخيرا، على المستوى المحلي. فضلا عن ذلك، بلغ الاحتقان ذروته في تونس نظرا للأزمة العميقة التي يمر بها حزب نداء تونس المهيمن على الائتلاف الحاكم. وقد أثارت هذه الأزمة مطامع منافسي نداء تونس. 
 
وذكرت الصحيفة أنه في اليوم الثاني من الشهر الجاري، تشكلت، رسميا، جبهة الإنقاذ والتقدم في العاصمة. وتمثل هذه الجبهة تجمعا بين بعض الأحزاب أو الفصائل الحزبية، التي تسعى إلى إسقاط الائتلاف الحاكم الحالي بين نداء تونس وحزب حركة النهضة الإسلامي. وفي الأثناء، عمد المشاركون في هذه الجبهة إلى توظيف خوف الرأي العام من تأثير الإسلاميين على أجهزة الدولة لخدمة أهدافهم. ووفقا للمبادرين بخلق هذه الجبهة، أصبح حزب نداء تونس أضعف من أن يواجه أو يحد من نفوذ حزب حركة النهضة.
 
والجدير بالذكر أنه، ومنذ فوزه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية لسنة 2014، شهد حزب نداء تونس عدة نزاعات داخلية فضلا عن العديد من الاستقالات في صفوف مديريه التنفيذيين. ومن المرجح أن ينعكس ذلك سلبا على مدى مصداقية عملية الانتقال الديمقراطي في تونس التي تلقى ثناء كبيرا في الخارج.
 
ونقلت الصحيفة تصريحات النائبة عن حزب نداء تونس، ليلى الشتاوي، التي أقرت بأن "الأوضاع على مشارف الهاوية". ووفقا لما أكدته هذه الشخصية السياسية، أخذت وضعية الحزب في التقهقر إبان مؤتمره الذي عقده في يناير/كانون الثاني سنة 2016، في سوسة، وتحديدا إثر تولي، حافظ قائد السبسي، نجل رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، مقاليد الحزب. فقد قام حافظ قائد السبسي باحتكار وظيفتين استراتيجيتين في صلب الحزب، وهما المدير التنفيذي والممثل القانوني له.
 
كما أشارت ليلى الشتاوي إلى أن المؤتمر قد كرس قطيعة مع منافس الحزب الأبرز حينها محسن مرزوق، المستشار الخاص السابق للرئيس، الذي شكل حزبا جديدا أطلق عليه اسم حركة مشروع تونس. وقد مثل ذلك ضربة قاضية لحزب النداء في مجلس النواب، حيث غادره أكثر من 20 نائبا وخسر بذلك مكانته كتجمع برلماني صاحب أغلبية لصالح حزب حركة النهضة.
 
وأفادت الصحيفة أن أسباب تراجع الحزب تعود إلى تخليه عن توجهاته الأيديولوجية المعادية للإسلام والدخول في حكومة ائتلافية مع حزب حركة النهضة في أوائل سنة 2015. فضلا عن ذلك، تعمقت الأزمة أكثر في صلب الحزب على خلفية الجدل القائم حول "الخلافة الأسرية"، نظرا لأن الابن قد أخذ منصب والده في خطة رئيس الحزب.
 
وأوضحت الصحيفة أنه وعلى إثر هذا القرار تنامت الانشقاقات داخل الحزب. وقد طال الأمر شخصيات كان لها دور في تولي حافظ قائد السبسي رئاسة الحزب أثناء مؤتمر سوسة. ومن بين هؤلاء الحلفاء السابقين الذين تحولوا فيما بعد إلى منشقين، المدير السابق لمكتب رئيس الجمهورية رضا بلحاج الذي يعتبر صحبة حسن مرزوق من أهم المبادرين بتشكيل جبهة الإنقاذ. وفي هذا الإطار، حاولت العديد من الأطراف بزعامة السيد بلحاج في أواخر يناير/كانون الثاني استبعاد حافظ قائد السبسي من قيادة الحزب.
 
وأوردت الصحيفة أن الحزب قد خسر التواصل مع المواطنين، على حد تعبير ليلى الشتاوي. وقد انجر عن ذلك، تراجعت مكانة حكومة يوسف الشاهد المسؤولة عن تطبيق إصلاحات جوهرية تحت ضغط مانحي تونس، وعلى رأسهم صندوق النقد الدولي. وفي الأثناء، لم يعد بإمكان الحكومة الاعتماد على الدعم الحزبي الحيوي.
 
وأشارت الصحيفة إلى أنه وعلى ضوء هذه المستجدات، اتسع نفوذ حزب حركة النهضة؛ الشريك الأساسي في الائتلاف. وفي هذا الصدد، بينت ليلى الشتاوي أن "حزب حركة النهضة استغل الوضع بشكل جيد. في الوقت الراهن، يبدو الحزب مستقرا ومتوازنا ليحكم الدولة بطريقة شرعية". والجدير بالذكر أن هذا الأمر أثار مخاوف العديد من الناشطين القدامى في حزب نداء تونس، مع العلم أنهم انضموا لهذا الحزب لمواجهة "المشروع الإسلامي" الذي يعتبر مناقضا "للنموذج التونسي".
 
وفي الختام، نقلت الصحيفة تصريحا سابقا أورده بلحاج، زعيم معارضي حافظ قائد السبسي، نبه فيه من "إمكانية محاولة حزب حركة النهضة تغيير النموذج التونسي إذا لم تكن هناك قوة حزبية تقف في وجهه. وفي الوقت ذاته، سيكون التحول الديمقراطي في تونس في خطر". ونتيجة لكل هذه التجاذبات، استولى الخوف على جزء كبير من الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في يوم ما لصالح حزب نداء تونس.
التعليقات (0)