كتاب عربي 21

الدينار الليبي عرضة للتدهور: لماذا.. وما السبيل لوقف انهياره؟

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600
تخطى سعر صرف الدينار الليبي مقابل الدولار في السوق الموازي الأسبوع المنصرم 9 دنانير، في مقابل سعر صرف رسمي في حدود 1.4 دينار للدولار. ويبدو أن القفزة الكبيرة في سعره والتي وقعت خلال يومين كانت استجابة لارتفاع الطلب على الدولار مقابل عروض سخية بفارق كبير عن السعر التوازني في السوق الموازي باستخدام صكوك مصدقة صادرة عن أشخاص عاديين واعتباريين في الشرق الليبي.

ما لفت انتباهي هو الصدمة التي عبر عنها الجميع من هذا الارتفاع الكبير، حتى إن البعض اعتبره مؤشرا مباشرا على انهيار الاقتصاد وضياع البلد.

لا أقلل من مخاطر تراجع قيمة الدينار أمام الدولار بهذا الشكل غير المسبوق، لكني أقول إنه بناء على تعقيدات الوضع في البلاد وطبيعة الأزمة التي تعصف بها من المفترض أن يكون الدينار الليبي في وضع أسوأ مما هو عليه اليوم. فالانقسام السياسي والفوضى الأمنية وعدم التحكم في الموارد المالية، وتعرض مصادر الدخل الرئيسية للنهب وللابتزاز في الشرق والغرب والجنوب، إضافة إلى العجز في إدارة المالية العامة والصراع على المؤسسات السيادية وفي مقدمتها المصرف المركزي، والخلافات الحادة حول سبل إدارة السياسات الاقتصادية، خاصة المالية والنقدية، يجعل من الطبيعي أن يواجه الدينار الليبي مصاعب جمة.

جل من يتحفظون على الوضع المتردي للدينار الليبي يعبرون عن استغرابهم من هذا التدني في ظل عودة تدفق النفط وارتفاع عوائده بالدولار.

والحقيقة أنه في ظل استحكام الأزمات فإن معادلة التوجيه والتحكم لا تصبح فقط الموارد الاقتصادية والعوائد المالية بالعملات الصعبة وحجم الاحتياطي في خزائن المصرف المركزي.

ها هي العراق تنتج ما يزيد على 4 ملايين برميل من النفط يوميا، لكن الدولار تخطى حاجز الـ 1200 دينار عراقي، وقد بلغ في فترة سابقة نحو 3 آلاف دينار وذلك بعد فرض "النفط مقابل الغذاء" في تسعينيات القرن المنصرم. ولأن الأزمة السياسية والأمنية العراقية قائمة وأخذت أشكالا أخرى بعد الاحتلال الأمريكي، لم تفلح تدفقات النفط إلى الأسواق العالمية في استرجاع هيبة الدينار العراقي الذي كان يوما ما يعادل الدينار الكويتي.

ومن الدروس التي ينبغي النظر إليها في التجربة العراقية لمجابهة التضخم وانهيار العملة المحلية أنه تم تطبيق كل الإجراءات الصارمة التي يطالب بها البعض في ليبيا والتي منها الرقابة الشديدة على تداول الدولار وفرض عقوبات مشددة على المضاربين عليه، ومراقبة أسعار السلع. فقد بلغت الشدة أن نُفذ الإعدام في عدد من التجار والمضاربين في بغداد. أيضا تم تبديل العملة، وتغيير سعر الصرف الرسمي، لكن كل الإجراءات باءت بالفشل.

كان من السياسات التي اتبعها المركزي العراقي هو ما أطلق عليه "مزادات البنك المركزي" حيث يتم تمرير ملايين الدولارات يوميا إلى السوق عبر قنوات رسمية عدة بعضها مستحدث وخارج عن القوالب التقليدية، لكن ظل الأثر الإيجابي لهذه السياسة ضعيف في ظل الأزمة متعددة المظاهر التي تغرق فيها البلاد.

لهذا من المهم القول إن وقف تصدير النفط في ليبيا كان العامل الرئيسي والمباشر لاستفحال الأزمة المالية، لكنه لم يصبح السبب الرئيسي بعد الجمود السياسي والانقسام المؤسساتي، وتدهور الوضع الأمني. فالانقسام السياسي الحاد والاضطراب الأمني الشديد بررا للمجتمع الدولي عدم تسييل عوائد النفط بشكل مباشر للسلطات الليبيية.

أيضا الفساد المتفشي والمواجهات المسلحة والصراع السياسي وضعف الرقابة وخلل الجهاز المصرفي أفقدت التمويل قيمته، ومع توسع السوق الموازي وازدياد المضاربة على العملات مقابل الدينار الليبي، ستصبح المعالجات التقليدية لسعر الصرف محدودة الأثر، بمعنى أنها تخفف من الأزمة بين الفترة والأخرى لكنها لن توقف تراجع الدينار الليبي أمام الدولار والعملات الرئيسية وذلك إذا ظلت الأسباب المشار إليها أعلاه قائمة.

الخلاصة هي أن السعر الحالي للدينار الليبي في السوق الموازي لا يمكن أن يكون قد بلغ حده الأقصى وهو مرشح لمزيد من التراجع أمام الدولار ما لم تتضافر الجهود لملمة شعث السياسية والامن والاقتصاد معا، فالإجراءات الاقتصادية (المالية والنقدية)، بما في ذلك تغيير العملة المتداولة، لن تكفي لوقف التدهور حتى لو بدا أنها تعطي مفعولا لأن مفعولها سيكون مؤقتا، وينبغي أن تكون الإجراءات الاقتصادية الإصلاحية ضمن اتفاقات سياسية ملزمة ونافذة ومقاربات أمنية فاعلة وشاملة تضم الجميع ويحترمها بل يدافع عنها الكل.

وكلمتي الأخيرة للنافذين السياسيين والأمنيين ومن شايعهم هي أن الإصرار على المواقف وعدم التنازل لأجل تحقيق وفاق حقيقي وفعال وعادل وشامل سيعود على البلاد وعلى الليبيين بأضرار كبيرة تفوق بمراحل ماهو مشاهد اليوم خاصة على المستويين الاقتصادي والأمني، وتصبح دوافع التعنت والتصلب ليست وطنية بل نفعية ومصلحية لا تكفي نعوت الجشع والطمع والخيانة لوصفها.

0
التعليقات (0)