كتاب عربي 21

وجه الشبه بين جابر بن حيان وبشار الأسد

أحمد عمر
1300x600
1300x600
غزاني نوري في منتصف الليل البهيم وأقضّ مضجعي.

 كنت قد وجدت كنيةً لنوري على غرار كنى الدواعش وجبهة النصرة، هو: "أبو روجا الكردستاني". قصف الباب طرقاً، ففتحته وأنا أتمرد على سلطان النوم: قال خال داخل على الله وعليك، اشرح لي لمَ يقتل "بشاركو" الشعب بالكيماوي؟ وهو دائما يصغِّر بشار تحبباً لا تحقيراً، فهو من جماعة روجافا، وخلاف روجافا هو مع أردوغان، وليس مع الرفيق بشار، قال: ولكن أنا جوعان..
 ثم اتجه إلى المطبخ، فلحقت به.

 كنت أفكر في سبب غضبة ترامب على الأسد. بقدر ما في اللوح المكتوب، أو في حسابات الجيوب، فتح الله أنف ترامب، فشمّ رائحة السارين في أعالي البحار، ورقَّ قلبه السميك على أطفال خان شيخون، أو أنه استغل الصور "المفبركة" التي برعت المعارضة في صناعتها، ولم تبرع في شيء سوى ذلك، حتى إن مخرجي هوليود سيتدربون على يد المعارضة، ويرسلون وفودا علمية إلى أكاديمياتها السينمائية لتعلّم فنون الخداع البصري، الذي غلبنا فيه الأمم كلها! 
فقلت له لما تمطّى بصلبه: الأسد ليس جابر بن حيان.. 

ثم فكرت في الاستعانة بنظريات علم النفس عن المازوشية، ومرّتْ في خاطري عشرات الآلاف من الضحايا، وكلهم من السنّة، خلا بعض الأسماء مثل عبد العزيز الخير، إلا أنه لا يخضع لتعذيب، وقد يخرج قريباً، هو لاعب احتياط، والجلادون في فروع الأمن ذات الأرقام والأعداد التي يصعب حصرها، منهمكون في القتل، يستعذبون تعذيب الأحرار حتى الموت، ويصرخون فيهم قبل القتل: قل ربي بشار الأسد.. 

وفكرت في أن أذكّره بعشرات المقاطع التلفزيونية الصريحة لإعلاميين يعبدون بشار الأسد ليس زلفى، وإنما عبادة العبيد للأرباب سجودا وركوعا. كان قد أخرج علبة البسطرمة التركية من البراد وبدأ يأكلها نيئة، ورأيت أن أذكّره بالشعارات التي كانت مكتوبة في عهد الأب على الحيطان، وصوره التي تطرِّز سماء الوطن وحيطانه وسقفه، ولم يبق في الوطن سوى المراحيض خالية من اسمه، والحق أنها كانت تحتوي على اسمه، لكن مسبوقاً بالشتائم، وأقول: إن الشعارات الوطنية كانت قتلاً وتعذيباً رمزياً حتى الموت قهراً..

وأقول له إن هذه كلها تفاعلات كيماوية في النفس البشرية، وإن الألماس ما هو إلا فحم تحول إلى ألماس بالضغط والزمان، وقد طال بنا العهد، حتى قهقه الرعد والوغد، فكيف تحوّل بشار الأسد من الشاب اللطيف الذي اخترع المعلوماتية، وهو طبيب العيون يا سهام في العين، أمل الأمة الذي نبت من تحت الصخر، الشاب الذي تداعى له مجلس الشعب، فسنّ له قانوناً تولّى فيه رقابنا، وتحوّل إلى قاتل بالبراميل والكيمياء، فلمَ الكيمياء؟

قلت لنفسي: أنا لست ماهراً بالتحليل مثل شريف شحادة، وهو كيماوي يظهر في النشرات الإخبارية، ويحوّل البحر إلى طحين.. سأحكي له حكاية يستلهم منها العبر، ويقارنها ويعصر منها الحكمة، قال: والله أنا أحبُّ الشاي الممزوج بعصير الحكمة.

 قلت: هناك شاب من عائلة الأسد الموقرة، اسمه منذر إبراهيم الأسد، وهو ابن إبراهيم الأخ غير الشقيق لحافظ من سعدة، ضرة أنيسة، نحر نفسه في أواخر التسعينات، احزر كيف مات؟
 قال نوري: مات على جبهة المقاومة والممانعة.

قلت: نوري، لا تجعلني أعضُّ عيني وأنتف ما بقي في رأسي من شعر، لم يمت أحد على الجبهة منذ حرب تشرين التي كانت حرباً للقضاء على الجيش السوري وتدميره على الجبهة.
قال: مات على مقاعد الدراسة والعلم، فمن مات وهو يسلك طريقا للعلم مات شهيداً.

 قلت: أي علم وأي أدب.. المدرسون كانوا يدخلون بالأجوبة والكتب للعائلة حتى تتفوق، عائلة غشاشة في كل شيء يا سبعي المصفّد بالسلاسل.
قال: مات وهو يخطب.. 
 قلت: الخطابة فن لم
أحد منهم، هم لا يعرفون من فصل الخطاب سوى الشتائم، انظر دريد رفعت الأسد المنشق عن العائلة نصف انشقاق لا يكتب بياناته إلا بالعامية.
 قال: خال.. عجزت.. ربما مات مثل باسل في حادث سباق مع الأبد.
 قلت: أحسنت.. كان الشاب منذر، في سن الفتوة على أعتاب الثانوية، في رحلة صيد عصافير، ومعه بنادق من كل الأنواع: ودوشكا، وآر بي جي، فخطر له أن يصيد بسلاح عجيب. 
قال: ما هو يا خال؟
 قلت: أخرج الولد قنبلة، وخلع مسمار الأمان، ورماها على الشجرة.
 قال: وبعد..
 قلت: مات، قتل نفسه، لو تجمدت القنبلة في الهواء، لعاش الغلام، لكن قوانين الحياة وسنن الكون أن تسقط القنبلة بقانون الجاذبية الأرضية، فسقطت وقتلته! هل سمعت بحياتك قصة مثل هذه في الخيال العلمي؟
قال: خبر غريبة وقصة عجيبة.. أين مصدر الخبر؟
قلت: الخبر معروف، قيل إعلاميا أنه مات بقنبلة على خصره، لكن مصدري شفاهي.. رواها لي صحفي عتيق.
سأل: وما علاقته بالكيمياء؟
 قلت: الطغيان يا أبا روجا، الطغيان هو مجاوزة الحد، ومَنْ أمِنَ العقوبة أساء الأدب والجغرافيا والكيمياء..
 وأضفت: جابر ين حيان هو الأستاذ الكبير" و"شيخ الكيميائيين" و"أبو الكيمياء" و"القديس السامي التصوف" و"ملك الهند"، نُسب علم الكيمياء إليه فسمي: "صنعة جابر". تمكَّن جابر من اختراع نوع مضيء من الحبر، ليساعد على قراءة المخطوطات والرسائل في الظلام. ونوعاً من الورق مضاداً للاحتراق، كذلك اكتشف نوعاً من الطلاء إذا طلي به الحديد لا يصدأ، وإذا دهنت به الملابس لا تبتلّ... كان اسم العلم السيمياء، وغرضه في أول بزوغه تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب، والأسد عالم كيمياء أيضاً، أكمل مسيرة جابر بن حيان ويريد تحويل معادن الشعب السوري النفيس إلى عبيد بالسارين والكلور...
كان نوري قد أتى على علبة البسطرمة التي كانت تكفيني شهراً، وطغى، وجاوز الحد، ونام على الكرسي، وظهرت تفاعلات البسطرمة الكيماوية على شكل شخير صدئ.
0
التعليقات (0)