كتاب عربي 21

ضربة قاعدة الشعيرات تنهي وهم "أبو ترامب" الممانع

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
في جميع الحالات الضربة الأمريكية للقاعدة الجوية قرب مدينة حمص "الشعيرات"، التي تقول واشنطن إنها كانت منطلق الطائرات التي قصفت خان شيخون بالكيمياوي، تعني عمليا تغيرا في السياسات المعلنة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه سوريا عموما والنظام السوري تحديدا؛ إذ توجيه ضربة للنظام السوري تغيير جذري في كل الإجراءات العملية العسكرية والتصريحات الرسمية التي تميز بها ترامب في الملف السوري، وهذا يعني إنهاء حالة الهستيريا الغرامية لأنصار النظام السوري والشماتة بخصومه إثر انتخاب ترامب، الذي كانت الحفاوة به تبلغ إلى مستوى الترويج له كأنه أحد قيادي محور الممانعة، عدا ذلك علينا أن ندقق في الإجراءات العملية والتصريحات الرسمية حتى يمكن ربما أن نفهم تحديدا مغزى هذه الضربة. 

بدءا استبقت الضربة أي إجراء عبر السياق الأممي، قبل حتى الإقدام على مجهود ديبلوماسي من أجل إرساء لجنة تحقيق أممية. في هذه النقطة تحديدا يبدو ترامب أقرب لما أعلن عنه في سياسته الخارجية، أي نزعته لتهميش دور الأمم المتحدة؛ إذ يبدو من خلال المبادرة بالضربة وفي الوقت ذاته تأكيد ممثليه الرسميين، من وزير الخارجية إلى الممثلة الأمريكية في الأمم المتحدة، بالنسبة لواشنطن، "ليس هناك شك" أن النظام وراءها. هذا يعني أن ترامب غير معني بشكل جوهري بأي عمل ضمن المجموعة الأممية في الملف السوري، لكن ذلك لا يعني اأه غير معني بإقامة تحالفات خارج الإطار الأممي، مثلما وضح في كلمته عبر دعوة "كل الأمم المتحضرة للحاق بنا لعمل إنهاء المجازر وحمام الدم في سوريا". هنا يتقاطع سلوك ترامب مع سلوك بوش الابن من ناحية ترك هامش كبير لأعمال عسكرية من خلال تحالفات غربية. 

كل هذا يعني بالضرورة اتساع الهوة بين واشنطن وموسكو؛ إذ إن التحالف الدولي خارج الأمم المتحدة يعني تقاربا غربيا بالأساس مع الدول الأوروبية الغربية. هذه نقطة جوهرية تبدو على عكس الاتجاه العام لترامب قبل الانتخابات حتى الآن، حيث حرص على القيام بكل شيء للتقارب مع موسكو، وإبداء الشك تجاه دور الناتو. صحيح أن البنتاغون حرص حسب بيانه أن يبلغ موسكو بالضربة، وأشار بوضوح إلى أن الضربة لم تقصد إيقاع خسائر بشرية في صف الجيشين الروسي والسوري، لكن قصد قاعدة جوية للنظام الروسي يمكن أن يوجد فيها روس يعني عمليا تصادما في الخطط العملية العسكرية بين واشنطن وموسكو. بمعنى آخر إذ لا ترغب واشنطن في التصادم العسكري مع موسكو من خلال هذه الضربة، فإنها أيضا لم تعد ترغب في تجنب ضرب حليف موسكو الأساسية. 

الضربة الأمريكية استهدفت بشكل محدد قاعدة جوية للنظام السوري، متهمة أنها منطلق الضربة الكيمياوية في إدلب. وهذا يعني أننا بصدد رسالة عسكرية محددة وتعني أن المواجهة مع النظام السوري ليست شاملة حسب هذا الإجراء، ويخص فقط وضع خط أحمر في مستوى طبيعة العمليات العسكرية للنظام السوري. هذا يعني أنه لا يجب بناء على المؤشرات العملية المبالغة في درجة تغير موقف ترامب؛ إذ إن التغير حاصل لكن ليس إلى درجة وضع واشنطن للنظام السوري حتى الآن في موقع الخصم الرئيسي. 

يبقى أن تصريحات ترامب ووزير خارجيته تفتح أفقا جديا لأن يكون بشار الأسد هدفا مباشرا للإدارة الأمريكية من الناحية السياسية، أو حتى العسكرية في وقت لاحق؛ إذ تحدث ترامب في كلمته عن أن الضربة تعبير عن أن الأسد لا يفهم بلغة السياسة بل يفهم بلغة القوة. ودعا بشكل واضح لتحالف دولي لـ"إنهاء المجزرة وحمام الدم". وفقط بعدها ذكر "الإرهاب" وحينها ذكره في صيغة "كل أشكال الإرهاب" بما يحيل على فكرة أن "الإرهاب" ليس فقط داعش، بل أيضا إرهاب النظام. وهذا يشير إلى الكلمة الأسبق لوزير الخارجية الأمريكي التي كان واضحا بشكل غير مسبوق أثرها في إنهاء أي أفق سياسي للأسد. فالأهم من الضربة الأمريكية للقاعدة الجوية للنظام السوري في حمص هو موقف وزير الخارجية الأمريكية حول أنه "لا يوجد أي دور لبشار في حكم سوريا"، بما يعني تراجعا صريحا عن دعم وجوده في أي طبخة سياسية قادمة. وأيضا تصريحه الذي فيه تحذير لروسيا من مواصلة دعمها للنظام. 

الضربة العسكرية تحيلنا أيضا إلى أن واشنطن سواء تحت ترامب أو غيره عندما يتعلق الأمر بامتلاك واستعمال أسلحة كيمياوية على الحدود الإسرائيلية، فإن ذلك خط أحمر من وجهة نظر الأمن القومي الأمريكي. التقارب الخاص بين ترامب ونتنياهو يعمق هذا الحس المنتبه للمصالح الإسرائيلية. وللتذكير تميز موقف نتنياهو بـ"تأثر بالغ" على ما حصل في إدلب. بمعنى آخر عندما يتعلق الأمر بتحديد الأولويات بين العلاقة العضوية (والعاطفية الخاصة في حالة ترامب) بين واشنطن وتل أبيب والحسابات البراغماتية تجاه موسكو ودمشق، فإن الخيار واضح. وهنا يبدو ترامب أقرب للإجماع العام للإستبليشمانت، خاصة في سياق الحزب الجمهوري الذي شن عليه هجمة قوية؛ إثر ردود فعله الأولية على مجزرة إدلب. 

في المحصلة، من الناحية العملية العسكرية تبدو الضربة مركزة على استخدام النظام السوري لأسلحة محددة تتعارض مع رؤية الإدارة الأمريكية لمصالح الأمن القومي الأمريكي. وبالتالي لا تعني بالضرورة بدء مواجهة مفتوحة بين واشنطن والأسد ومن ورائه روسيا. يبقى أنه من ناحية التصريحات الرسمية تبدو واشنطن كأنها مستعدة لخوض حرب مفتوحة معهما، وسيتضح ما إذا كنا إزاء تغيير جذري إذا توقفت أو حصلت تغييرات كبيرة على خطط واشنطن في مواجهة داعش في الرقة. ترامب في مفترق طرق، لكن لم يعد من الممكن لأنصار النظام السوري النظر إليه بشكل رومنسي. انتهت أسطورة "أبو ترامب" الممانع. 
التعليقات (0)