قضايا وآراء

إشتعال الجبهات متغير استراتيجي

غازي دحمان
1300x600
1300x600
ليس سرا أن الأطراف الإقليمية والدولية تملك الأسهم الأوفر في قرار الحرب والسلم، كما تعكس تمظهرات الصراع وتعبيراته مجريات العملية الصراعية بين هذه الأطراف، لدرجة باتت معها الساحة السورية مثل مؤشر سوق الأسهم الذي يعكس انخفاض وإرتفاع قوة المساهمين، بقد ما يكشف عن أرباحهم وخسائرهم.

وإستطرادا، تأتي عملية فتح الجبهات لتعكس جملة من المتغيرات الحاصلة في قلب هذا الصراع، والأهم أنها توضح اتجاهات الأحداث في سوريا في المرحلة القادمة، بما يتوقع أن يجد صداه، بشكل مباشر، في إدارة عملية السلام والتي تبدو أنها المقصودة بدرجة كبيرة من هذا الحراك الزخم في ميادين القتال، فما هي هذه المتغيرات؟

- انتهاء مرحلة السماح لروسيا بإدارة الصراع وإيصاله إلى مرحلة تتلاقى عندها مختلف الأطراف الداخلية والخارجية، على قاعدة أن الجميع رابح، بعد أن ثبت أن روسيا تأخذ الأمور بإتجاه تثبيت السيطرة الإيرانية ونظام الأسد مقابل إنزال هزيمة ساحقة بالثوار عبر دمج التكيكات العسكرية بالدبلوماسية الخبيثة، وهو ما اعتبر بنظر أطراف على علاقة بالصراع بأن ما يحصل ليس سوى مساع روسية لتكريس مصالحها في سوريا على حساب الأمن والسلم الإقليمي والدولي على المدى البعيد عبر استمرار أسباب الصراع والتطرف وعدم إيجاد حلول جوهرية تنهي أزمة المنطقة.

- تمرّد الدول الإقليمية على الصيغة الروسية، ولا شك أن اشتعال الجبهات بهذه الحدّة يؤشر بشكل واضح على عودة هذه الدول إلى إمداد الثوار بالأسلحة والتمويل اللازم الذي انقطع لأشهر خلت وكانت له نتائج كارثية على الثوار مقابل زخم الدعمين الروسي والإيراني لوكيلهما بشار الأسد، وهذا يعني أن الدول الإقليمية إما أنها شعرت بالخديعة الروسية لها وأدركت خطأها قبل فوات الأوان، أو أن هذه الدول قرّرت المجازفة بالفعل بعد اكتشافها أن الخسارة في سوريا من نوع الخسارات التي يستخيل تخمّله أو تعويضه، وبالتالي فإن هذه الدول تسعى إلى دفع روسيا للبحث عن خيارات منطقية في معالجتها للموضوع السوري، أو وضعها أمام شبح الاستنزاف في حرب لن تنجح فيها ما دام هناك شرايين دعم للثوار.

- خروج الثوار من صدمة حلب والأهم نجاة الثورة من صراع الإخوة التي كانت تخطّط له روسيا وإيران، ومن المعلوم أن رهانات موسكو وطهران على هذا الصراع هي التي وقفت بدرجة كبيرة موافقتهما على وقف إطلاق النار وإجراء مفاوضات أستانة، فما دام الثوار سيتكفلون بتصفية بعضهم البعض فلا حاجة لمواصلة الحرب، وبعد فترة وجيزة يتم الإعلان عن أنه لا وجود لمعارضة بل مجرد عصابات مسلحة تتقاتل فيما بينها، وعلى ذلك فإن عودة الروح للثورة هو رسالة موجهة لكل من روسيا وإيران أن الثورة طرف فاعل ولا يمكن تجاوزه أو الاستهتار به، كما أن الثورة لا يمكن إخضاعها وهي ما زالت قوية رغم كل الظروف.

- وجود قرار دولي بتغيير شروط اللعبة في سوريا، بما يؤشر على تموضعات جديدة في قلب الصراع وخاصة بعد عودة أمريكا طرفا فاعلا في الصراع ووجود مؤشرات عن انخراط أوروبي مكثف "بريطاني ألماني فرنسي" وخاصة في شرق سوريا، وتأتي هذه التطورات في أعقاب اكتشاف الغرب أن مقارعة روسيا في سوريا أسهل من تركها تشكّل المنطقة على راحتها، كما أن التضييق عليها في سوريا من شأنه أن يؤتي بثمار على صعيد الصراع معها في أوكرانيا، فيما العكس يعني مساعدتها على تصليب مواقفها تجاه أوروبا وتوسيع هوامش مناورتها بما يهدد الأمن الأوروبي.

هذه التطورات تلغي إلى حد بعيد المكاسب الروسية – الإيرانية، أو على الأقل محاولة لزعزعتها وعدم السماح بتصريف تلك المكاسب في السياسة، وهي بلا شك مكسب للثورة التي عانت في الفترة الأخيرة من ضغوط لا قبل لها بها وصلت إلى حد إجراء عمليات التطهير الديمغرافي في وضح النهار لسكان مدن كبيرة بحجم حمص وحلب.

سياسة الرجل المجنون التي اتبعها رئيس روسيا فلاديمير بوتين يبدو أنها في طريق الانكسار بعد أن وجدت الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الصراع بأنها بالغت في الاستجابة لها وأن الأوان لوضع روسيا أمام خيارات جديدة تدفعها إلى أخذ مصالح الأطراف بعين الاعتبار، ولا شك في أن صمود الثوار وإستعدادهم الدائم للتضحية وعجز روسيا وإيران عن هزيمتهم بشكل نهائي هي عوامل كشفت مدى تهافت قدرة موسكو وطهران ومحدوديتها وشجعت الداعمين للثورة على استعادة فعاليتهم. 
1
التعليقات (1)
حسن مالمغربي
الأحد، 26-03-2017 09:26 ص
ولماذا لا يتكلم الكاتب عن التدخلات الأميركية و الصهيونية، و لماذا لا يتكلم الكاتب عن المعارضة السنية الاسلامية الجهادية التي لم تطلق طلقة واحدة على اسرائيل بل وتتلقى المساعدات من اسرائيل وجرحاها يعالجون عندها. الجرائم التي قام بها من تسميهم بالثوار أفظع واكبر و أخطر من انتهاكات الأسد ونحن لا نبرئه من أي خطأ أو خطيئة. توقفوا عن التطبيل لأمريكا وعملائها .