قضايا وآراء

البحث عن توافق جديد لتشكيل الحكومة المغربية

محمد مالكي
1300x600
1300x600
فَصَل العاهلُ المغربي في الجدل الخاص بتشكيل الحكومة المنتظر تنصيبها في أعقاب الإعلان عن نتائج انتخاب مجلس النواب المغربي في 07 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، باللجوء إلى تعيين شخصية ثانية من داخل الحزب المتصدِّر للنتائج، أي "العدالة والتنمية"، بعدما عجز أمينه العام السيد "عبد الإله بنكيران"، عن إيجاد صيغة توافقية لتشكيل حكومة ائتلافية، قصدَ ضمان غطاء برلماني لأدائها، عبر أغلبية متقاربة، قوية، وقادرة على إدارة الشأن العام للولاية التشريعية الحالية (2016 ـ 2021). أما الشخصية المُكلفة، بعد مرور أكثر خمسة شهور من البحث غير المجدي عن الشركاء، فهي رئيس "برلمان الحزب" (المجلس الوطني)، ووزير الخارجية السابق، السيد "سعد الدين العُثماني"، القادم من عالم الطب النفسي، والمناضل في صفوف الحزب لسنوات، والموسوم بطِباعه الهادئة، ووسطيتِه، وسعيِه الدؤوب إلى البحث عن المشترك.

لم يخرج القرار الملكي بتكليف شخصية ثانية من حزب "العدالة والتنمية" عن روح الدستور ومنطوقه، حيث لا يمنع الفصل السابع والأربعون من وثيقة 2011 الإقدام على مثل هذا الإجراء، لأن فقرته الأولى اكتفت بالنص صراحة على إسناد رئاسة الحكومة للحزب الذي يتصدر نتائج انتخاب مجلس النواب، مانِحة الملك الحق المطلق لتكليف من يتولى تشكيل الحكومة، واقتراحها على أنظاره للمصادقة النهائية على أعضائها. ولو أراد المشرع الدستوري حصر رئاسة الحكومة في الأمين العام للحزب الفائز لنص على ذلك صراحة، وحيث أنه لم يقم بذلك، فالأصل في الأشياء الإباحة، أي أن من حق الملك اللجوء إلى شخصية أخرى غير الأمين العام، وهذا ما حصل فعلا في نازلة تشكيل حكومة ما بعد اقتراع 07 أكتوبر 2016. فالشق الدستوري إذن سليم، وتأكدت سلامته أكثر حين لم يلجأ العاهل المغربي إلى بدائل أخرى، قد تكون بعيدة عن روح الدستور، أو تكون مفسرة ومؤولة  أحكامه بشكل ضار وغير سليم، وهذا ما لم يحدث فعلا. أما سياسيا، فيمكن قراءة الاستغناء عن السيد "عبد الإله بنكيران" من زوايا متعددة، لا يسمح حيز هذا العمود بالإسهاب في شرحها.

ثمة أكثر من تساؤل يتبادر إلى ذهن متابع الشأن السياسي المغربي من داخل المغرب وخارجه في أعقاب تعيين شخصية ثانية لإعادة البحث عن توافق جديد لتشكيل الحكومة، أسعى في هذا العمود إلى إثارة ما يبدو لي أكثر أهمية، ووفق ما يسمح به الحيز المسموح به.

يبدو لي سؤال مدى قدرة السيد "سعد الدين العثماني" على النجاح في ما أخفق فيه سابقه بالغ الأهمية، وفي كل الأحوال تبدو ردود فعل الأولى إيجابية وفي صالحه، سواء من قبل الأحزاب المنتظر التوافق معها حول الحكومة الائتلافية (حزب التجمع الوطني للأحرار وحلفاؤه)، أو من قبل شرائح واسعة من المواطنين وتعبيراتهم المدنية والاجتماعية، أو حتى من قبل مناضلي الحزب وأنصاره.. لكن مقابل الرضا العام على الشخص المكلف، هل سيحظى بالدعم والتيسير والتفهم الكافي من قبل حزبه لإنجاز مهمته بسلاسة؟ وهل سيبذل شركاؤه المفترضون من الأحزاب الأخرى قدرا من المرونة والبحث عن المشترك معه للخروج من أزمة تشكيل الحكومة؟ أم سيستمرون في التشديد على اشتراطاتهم، التي تجعل السيد "سعد الدين العثماني" بين "فكي كماشة"، كما يُقال، أي ما بين التزامات دفتر تحملات حزبه، وإكراهات مطالب حلفائه من الأحزاب الأخرى؟ إن الحكمة تستدعي ضرورة التخلي عن منطق "الفارس الوحيد" Cavalier Seul، أي "بعدي وليأت الطوفان"، سواء من قبل حزبه، أو من لدن الحلفاء المفترضين.. وحدها الأيام القليلة القادمة ستفك لنا حيرة هذه الأسئلة. 

يتعلق السؤال الثاني بما يمكن استخلاصه من حقبة التأخر التي تجاوز خمسة شهور، وهو حدث سياسي لم يعرفه المغرب منذ استقلاله، أي إجراء انتخاب، وعجز الحزب الفائز عن تشكيل حكومة بقيادته.

فالحاصل أن أهم خُلاصة من هذه النازلة أن ثمة عجزا واضحا من قبل الدولة (السلطة) والفاعلين الحزبيين على حد سواء على إدارة العملية السياسية، وهو عجز ينطوي في ثناياه على أكثر من ملاحظة، قياسا لحال الممارسة في الحياة السياسية في العقود السابقة. فهل كان في مكن المرء أن يتصور حصول مثل هذه الواقعة في السابق؟ وهل وصل الخطاب السياسي للأحزاب المعنية بإدارة العملية السياسية إلى ما وصل إليه، من تراجع في قيم التواصل، والتفاوض، والالتزام بمخرجات المتفق عليه؟وهل كان ممكنا في السابق أن يتراجع الشأن الداخلي إلى الخلف ليحل محله الاعتبار الخارجي أو الدولي مهما كانت أهميته؟ ثم إن روح دستور 2011 أولت أهمية قصوى بفعالية المؤسسات، وشرعية إنجازها، وآليات المساءلة والمحاسبة عن أدائها، ووفق هذه الروح دائما، هل يجوز فعلا قبول وضع شبه معطل لكل المؤسسات على مدار أكثر من خمسة أشهر، مع ما  ترتبت وتترتب عنها من كلفة باهظة للبلاد؟.. إن حالة العَطل التي أصابت المؤسسات جراء التأخر في تشكيل الحكومة تستلزم من الجميع إمعان النظر بقدر كبير من الوطنية في  فاتورة  النتائج والمضاعفات المنظورة وغير المنظورة.

وفي كل الأحوال إذا كان من درس يمكن استخلاصُه من تأخر تشكيل الحكومة المغربية الجديدة، فهو درس القطع مع الثقافة السياسية السائدة، والعمل بإرادة صادقة على مراكمة ثقافة جديدة ، تعزز المسار الديمقراطي في بلادنا، وتفتح للأجيال الجديدة من أبنائه على الاقتناع به والانخراط بطواعية ووعي في دينامياته.
التعليقات (0)