اقتصاد دولي

إلى أين تتجه خلافات ترامب ومجلس الاحتياطي بأسعار الفائدة؟

قد يجد المستثمرون أن رهاناتهم على وعود ترامب لن تتحقق في حال تعثر إصلاحاته الضريبية- جيتي
قد يجد المستثمرون أن رهاناتهم على وعود ترامب لن تتحقق في حال تعثر إصلاحاته الضريبية- جيتي
تتجه التوقعات إلى أن مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) سيقرر أسعار الفائدة خلال الشهر الجاري، خصوصا بعد تقرير وزارة العمل الذي أظهر زيادة الاقتصاد الأميركي 235 ألف وظيفة جديدة الشهر الماضي.

هذا إلى جانب تراجع نسبة البطالة إلى 4.7 في المائة، التي يعتبرها المجلس بمثابة "سوق عمل مكتملة"، وبعدما أظهر تقرير وزارة العمل أن نسبة الأجور ارتفعت 0.9 في المائة الشهر الماضي، و2.9 في المائة مقارنة بالعام الماضي.

قادة مجلس الاحتياط أكدوا أن التضخم اقترب من 2 في المائة، وسوق العمل في ذروتها إلى حد يدفع أرباب العمل إلى رفع أجور موظفيهم بسبب النقص في اليد العاملة، كما أن الخطوة الطبيعية تقضي برفع الفائدة تدريجيا، ولكن في شكل لا يؤدي إلى كبح نمو الناتج المحلي الإجمالي، الذي تشير التوقعات إلى أنه قد يتجاوز 3 في المائة خلال الربع الحالي.

ولكن الرفع المرتقب لأسعار الفائدة أثار جدلا بين قيادات المجلس من جهة، وإدارة الرئيس دونالد ترامب من جهة ثانية، فترامب يعتبر أن الرئيس السابق باراك أوباما عيّن رئيسة المجلس جانيت يلين، وأن كل من عيّنهم أوباما يسعون إلى إفشال رئاسته.

ووفقا لصحيفة "الحياة"، فقد ردّد ترامب علنا أنه يفضل إبقاء الفائدة منخفضة كجزء من خطته لإحداث نهضة اقتصادية ودفع النمو إلى أكثر من 4 في المائة سنويا.

وكان ترامب أعلن سابقا أن الكثير من أصدقائه يسعون إلى الاستدانة لتمويل أعمالهم، لكن رفع المجلس الفائدة يحبط خططهم، ويعيق الاستثمارات والنمو.

ويعد ترامب بإقرار سلسلة من السياسات التي يعتقد أن من شأنها دفع النمو إلى نحو 4 في المائة، منها خفض الضرائب على الشركات، والتي تصل إلى 35 في المائة في بعض الحالات، إلى 20 في المائة، وخفض ضرائب الحكومة الفيدرالية على دخل كبار المتمولين من 39 إلى 20 في المائة، بالتزامن مع رفع أدنى معدل ضريبة دخل مفروضة على أصحاب المداخيل المتدنية، من 10 إلى 12 في المائة، بهدف سد العجز الذي سيحدثه خفض الضرائب على كبار الشركات والمتمولين.

ويعتقد ترامب بأن مزيجا من خفض الضرائب وإبقاء الفائدة منخفضة يؤدي إلى رفع النمو، واعتقاده هذا أدى حتى الآن إلى تفاؤل غير مسبوق في الأسواق المالية وبين المستثمرين، فارتفعت مؤشرات النمو في معظم القطاعات المالية والاقتصادية الأميركية، بانتظار وفاء ترامب بوعوده.

ولكن مجلس الاحتياط لا يعتقد أن من الضرورة استمرار مشاركته في التيسير المالي، بل ترى يلين أن مزيدا من الحوافز سيرفع التضخم إلى نسب تؤذي النمو، وتساهم في خلق فقاعة يؤدي انفجارها إلى ركود أسوأ من الركود الدوري المتوقع حدوثه في السنوات القليلة المقبلة.

ولكن التضخم أو احتمال حدوث فقاعة، احتمالان لا يبدو أنهما يقلقان ترامب ولا فريقه الاقتصادي، بل إن جلّ ما يسعى إليه ينحصر في التركيز على ضرورة رفع نسب النمو، وهو يعتقد أن ارتفاع النمو خطوة ضرورية لرفع واردات الحكومة الفيدرالية تعويضا عن كل التخفيضات الضريبية التي سيقدمها.

ولكن على أرض الواقع السياسي، تبدو محاولات ترامب خفض الضرائب بالشكل الذي وعد به متعثرة أمام معارضة غالبية المشرعين الجمهوريين، الذين يشكلون غالبية في الكونغرس، إذ يقلق هؤلاء من احتمال أن يؤدي خفض الضرائب الذي يقترحه ترامب إلى ارتفاع غير مسبوق في العجز السنوي في الموازنة الفيدرالية، ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع كبير في الدّين العام، الذي يبلغ نحو 20 تريليون دولار.

ويعتقد المشرعون الأميركيون أن أي "إصلاح ضريبي" متعذر قبل إنجاز قانون جديد للرعاية الصحية يحل محل قانون أوباما، الذي يعتبر الجمهوريون أنه يقتل الوظائف ويعيق النمو. ولكن الجمهوريين منقسمون حول طريقة استبدال قانون أوباما في شكل ينذر بأن قانونهم الجديد سيؤدي إلى تعديلات طفيفة على القديم، أو سيغرق في الانقسامات السياسية داخل الحزب الجمهوري ويتعثر، مع ما يعني ذلك من تأخير لأي تغيرات ضريبية.

وفي حال تعثرت إصلاحات ترامب الضريبية، فقد يجد المستثمرون وأسواق المال أن رهاناتهم على وعود ترامب لن تتحقق، ما قد يفرض تراجعهم عن خطواتهم التي دفعت الأسواق الأميركية إلى معدلات مرتفعة جدا. وفي هذه الحالة، قد يؤدي تراجع المستثمرين إلى ركود حتمي، ما يعطل مشروع ترامب بأكمله. ويفترض أن يكون مجلس الاحتياط قد رفع الفائدة قبل ذلك حتى يتسنى له خفضها كإحدى أدوات مكافحة أي ركود مستقبلي.

وقد تُفضي المواجهة بين ترامب ويلين حول رفع الفوائد إلى حرب سياسية بينهما، وقد يستخدم ترامب يلين ككبش فداء في حال تعثرت خططه الاقتصادية ويتهمها بالوقوف خلف العرقلة. ولكنه قد لا ينتظر كثيرا قبل التخلص من رئيسة المجلس، التي تنتهي ولايتها في شباط/ فبراير المقبل.
التعليقات (0)