اقتصاد عربي

البنوك الإسلامية.. ما مدى التزامها بشرعية التعامل والأداء؟

(تعبيرية)
(تعبيرية)
كان من مظاهر الصحوة الدينية في كثير من الدول العربية والإسلامية، التوجه لإنشاء بنوك إسلامية، هيأت للمتدينين ملاذا آمنا يهربون إليه من جحيم البنوك الربوية التي تعرض أصحابها لسخط الله وغضبه/ بحسب نصوص الشريعة المحذرة من التعامل بالربا، والاقتراب منه.

وحرصا من إدارة تلك البنوك على التقيد بأحكام الشريعة في معاملاتها، فإنها خولت هيئات شرعية صلاحية مراقبة معاملاتها البنكية، وضبط مسار نشاطاتها التجارية، بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وهو ما شكل عرفا ثابتا ومستقرا عند البنوك الإسلامية، وفقا لباحثين في حقل المصارف الإسلامية.

لكن ثمة انتقادات كثيرة توجه لطبيعة المعاملات التي تقوم بها تلك البنوك الإسلامية، وثمة من يشكك في شرعية بعض تلك المعاملات، فهي في المحصلة النهائية لا تختلف كثيرا عن المعاملات البنكية التقليدية المعروفة.

وهناك من يشتد في نقده قائلا: "لقد استغلت بعض تلك البنوك صفة الإسلامية، سعيا منها لجذب رؤوس أموال كبيرة، وحرص أصحابها على سحبها من البنوك الربوية، فرارا بدينهم من إثم مواقعة الربا".

أمام تلك الانتقادات المتكاثرة الموجهة للبنوك الإسلامية، ما مدى مطابقة معاملات تلك البنوك لأحكام الشريعة؟ وما هي أبرز المخالفات التي وقعت فيها في معاملاتها المختلفة؟ وهل حققت مقاصد الشريعة في التنمية والاستثمار أم أنها كغيرها غلبت جانب الربح المادي السريع دون التقيد التام بأحكام الشريعة ومقاصدها؟

بماذا كانت البنوك الإسلامية إسلامية؟

أوضح مسؤول في أحد البنوك الإسلامية (اشترط عدم ذكر اسمه لعدم حصوله على تصريح رسمي من إدارة بنكه) أن البنوك الإسلامية تقوم في مبدئها الكلي على التجارة (بيع، مضاربة، مشاركة، إجارة، مزارعة، مرابحة، استصناع.."، أما البنوك الربوية فمبدؤها يقوم على إقراض المال واقتراضه فقط.

وجوابا عن سؤال "عربي21": "هل هي بنوك إسلامية بحق أم إنها وظفت الاسم لغايات وأغراض تجارية ومادية؟"، قال المسؤول: "تختلف البنوك الإسلامية من بنك لآخر، فمنها ما تجد في الالتزام الشديد بالضوابط الشرعية وتعطيها أولوية، ومنها ما تتساهل وتأخذ بالشبهات".
 
وأضاف: "لذلك لا يمكن الحكم على البنوك الإسلامية بشكل عام.. أما إطلاق القول بأنها شكلية وتجذب الناس بالاسم فقط، فهذا من الإجحاف، إذ بلغت الصيرفة الإسلامية مبلغا لا يستطيع كائنا من كان أن ينكره".

وعن مدى التزام البنوك الإسلامية بالأحكام والضوابط الشرعية في معاملاتها، ميّز المسؤول البنكي بين تلك في البنوك في درجة التزامها بالمعايير الشرعية الدولية، مشيرا إلى أن بعض البنوك الإسلامية تمارس التورق المنظم (الحصول على النقد بشراء سلعة من البنك وتوكيله ببيعها) في الوقت الذي تحرمه بنوك أخرى وتمتنع عن التعامل فيه.

وتابع: "أما من حيث التطبيق الشرعي، فإن لكل بنك رقابة شرعية الأصل فيها أنها تراجع العمليات التي تمت خلال العام المالي، حتى إذا ما وجدت أرباحا في معاملة مشبوهة يتم تجنيب الأرباح وتحويلها للجهات الخيرية". 

ونفى المسؤول البنكي وجود التفاف على الضوابط الشرعية، موضحا أنها إن وجدت فهي نادرة جدا، وتكون في الغالب من قبل العملاء وليس من الموظفين.

وحول ما يقال عن سوء خدمات البنوك الإسلامية، وعدم لباقة بعض موظفيه في تعاملهم مع العملاء، أرجع المسؤول البنكي ذلك إلى حالات فردية، مع تشديد إدارة البنوك الدائم على تحسين مستوى خدمة العملاء، واللباقة التامة في التعامل معهم، لافتا إلى أن موظفي البنوك الإسلامية هم من أبناء الشعب على اختلاف مستوياتهم الثقافية والسلوكية.  

ملاحظات ومخالفات

من جهته، أكد أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله في الجامعة الأردنية، الدكتور عبد الله الكيلاني، أن وجود هيئات رقابة شرعية في البنوك الإسلامية يضبط معاملاتها بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية.

وأوضح أنه من الناحية النظرية التأصيلية فثمة قواعد وقوانين تكيف تلك المعاملات تكييفا شرعيا سائغا، لكن المخالفات تقع في مجال التطبيق العملي، وتختلف من بنك لآخر.

وذكر الكيلاني استنادا إلى دراسة شملت العديد من البنوك الإسلامية أن نسبة الالتزام التام والكامل بالأحكام والضوابط الشرعية لم تتجاوز الـ15 في المئة من مجمل معاملاتها، أما الـ85 في المئة فعليها ملاحظات ومؤاخذات كثيرة.

وأرجع الكيلاني في حديثه لـ"عربي21" كثرة تلك المخالفات إلى صعوبة تطبيق المعايير التي نص عليها الفقهاء القدامى في زماننا تطبيقا دقيقا وكاملا، في ظل الأوضاع الاقتصادية والمالية المعقدة، التي لا يمكن بحال عزلها عن حركة التداول العالمي للتجارة والمال.
 
وحذّر الكيلاني من خطورة تهاون البنوك الإسلامية بالمعايير والضوابط الشرعية، كإجراء العقود الصورية، وعدم قبض البضاعة حال شرائها وبيعها، وتورط بعض البنوك بالتورق المنظم، كتلك البنوك التي تقرض العميل مالا نقديا تحت ذريعة شراء زيت نخيل وبيعه في ماليزيا أو غيرها، وهي قضية صورية تدخل في باب الاحتيال، وتتنافى مع أصول المعاملات الإسلامية الشرعية الصحيحة. 

ونقل الكيلاني عن رجل المال والأعمال السعودي، صالح كامل تحذيره الشديد من أن أكبر خطر يهدد مؤسسات الصيرفة الإسلامية من داخلها التعامل بالتورق المنظم، لأنه مع مخالفته للأحكام الشرعية لا يحفل بالتنمية المحلية في البلاد العربية.

في السياق ذاته، ذكر الباحث الشرعي المصري، الدكتور علي ونيس أن من أهم المرجعيات المعاصرة للمعاملات في البنوك الإسلامية، (هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية AAOIFI) ومقرها البحرين، والتي وضعت جملة من المعايير الشرعية والمحاسبية، ومعايير الضبط والمراجعة، بلغت ثمانين معيارا.

ونبّه ونيس إلى "أن هيئات الرقابة الشرعية المشرفة على البنوك، تتفاوت فيما بينها قوة وضعفا، وذلك من ناحيتي: القوة العلمية، وقوة التنفيذ للمعاملات بالصورة الشرعية، وهذا ما يدعو المسلم إلى التحري عن أفضل هذه البنوك للتعامل معه دون غيره من البنوك المفرطة في بعض التعاملات من الناحية الشرعية". 

وأضاف: "ومن ذلك أننا نجد بعض البنوك التي تظهر الشعار الإسلامي، تلتزم من ناحية لوائح سير العمل بها بالشريعة الإسلامية نظريا، أما من الناحية التطبيقية فنجد أنها تخالف هذا المنهج التنظيري مخالفة تخرج العمل عن كونه إسلاميا".

وردا  على سؤال "عربي21": ما هي أبرز المخالفات التي تقع فيها البنوك الإسلامية، ذكر الباحث الشرعي ونيس عدة مخالفات، منها "تطبيقهم لبيع المرابحة للآمر بالشراء، فإن الأصل فيه أن يتم شراء السلعة بعقد مستقل باسم البنك الإسلامي بثمن معجل، ثم يبيعها بعد ذلك بعقد مستقل لطالب الشراء بثمن مؤجل (مقسط)، مع الزيادة على الثمن الذي اشتراها البنك به". 

وانتقد ونيس ما يقوم به بعض موظفي تلك البنوك بتعجل الإجراءات، فيطلبون من العميل التوقيع على عقد شراء السلعة، والتوقيع على الشيكات المستحقة على العميل، وذلك قبل أن يقوم البنك أصلا بشراء السلعة، فيقعون بذلك في بيع ما لا يملكون، وهو منهي عنه شرعا". 

وكشف ونيس عن أن "بعض مجالس الإدارة في بعض المؤسسات المالية الإسلامية تقوم بالضغط على الرقابة الشرعية فيها، بأن تطلب منها التجاوز عن تدقيق بعض المعاملات التي تشتمل على بعض المخالفات، والاكتفاء بإصدار فتوى عامة في الموضوع، باشتراط خلوه من المخالفات الشرعية، وذلك دون التنبيه على نفس الخطأ الشرعي الذي تراه الهيئة الشرعية.

ولفت إلى أنه يطلب أحيانا من هيئات الرقابة الشرعية إصدار الجواز على تصور حالة افتراضية لا تنطبق على الحالة محل السؤال، ولكن يتخذ البنك من الفتوى أساسا لإجازة الحالة محل السؤال. 

وأكد ونيس بناء على معلومات متوافرة لديه، أن بعض إدارات تلك البنوك في بعض الحالات تتعمد إخفاء حقيقة ما يجري في الواقع عن هيئة الرقابة الشرعية، ورغم علمها يقينا بمخالفته لأحكام الشريعة الإسلامية غير أنها تستمرئ العمل به، وتتحمل إثم المساهمين والعملاء، وجانبا من إثم هيئة الرقابة الشرعية.

ومن الأخطاء التي تقع في معاملات البنوك الإسلامية، أنها تخالف قرارات المجامع الفقهية الإسلامية، والتي يفترض أنها بالضرورة تنظم عمل المؤسسات المالية الإسلامية، مشيرا إلى أن بعض البنوك الإسلامية لا تمارس البيع بشكل واقعي، بل صوري، وتتعامل في الأسواق الدولية على ذلك الأساس، وهو أمر حرمته مجامع فقهية كثيرة، لكن البنوك لا تزال تمارسه.

لا زالت تحديات الالتزام التام بشرعية المعاملات البنكية في البنوك التي تحمل صفة الإسلامية قائمة، فثمة مخالفات شرعية واضحة، وأخرى تدخل في باب التحايل الشرعي المكشوف، مع تفاوتها بطبيعة الحال من بنك لآخر، لكن ظاهرة البنوك الإسلامية -على ما يعتريها من خلل ومخالفات- خففت من وطأة الربا الصريح عن كاهل عامة المسلمين المتدينين وفقا لباحثين. 
التعليقات (0)