قضايا وآراء

المجتمع الدولي والمعارضة السورية

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600
مع انعقاد مفاوضات "جنيف 4" تكون المعارضة السورية والنظام قد اجتمعا في هذه المدينة ثلاث مرات (2014، 2016، 2017)، استثني منها عام 2015 حيث كانت العملية السياسية آنذاك في سُبات تام نتيجة الانتصارات التي حققتها فصائل المعارضة (جيش الفتح) في الشمال الغربي لسوريا.
 
هذا الواقع كاف لفهم أن المجتمع الدولي وتحديدا الراعيين الرئيسيين (الولايات المتحدة، روسيا)، لم ولن ينجرا إلى عملية سلام سورية تكون فيها المعارضة في موقع قوة، بل على العكس من ذلك، فقد بدأ الحراك السياسي الدولي بعد شهرين من التدخل العسكري الروسي في سوريا (30 أيلول/ سبتمبر  2015)، حيث عقدت المجموعة الدولية الخاصة بسوريا اجتماع فيينا الأول في الثلاثين من تشرين الأول/ أكتوبر من العام ذاته، واجتماع فيينا الثاني في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر الذي أعقبه في شهر كانون الأول/ ديسمبر  القرار الدولي 2254 الذي يشكل المرجعية القانونية والسياسية للتسوية السورية.
 
وبعد الانهيارات السريعة في صفوف فصائل المعارضة في الشمال الغربي لسوريا بفعل الآلة العسكرية الروسية، بدأ التحضير لاجتماع "جنيف 3"، لكن انهزامات المعارضة العسكرية لم تترجم إلى لغة سياسية لدى عواصم الإقليم الداعمة للمعارضة، فانهار "جنيف 3" سريعا مع رفض الرياض وأنقرة إدراج فصيلي "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" في قائمة الحركات الإرهابية، ورفض الرياض تعديل وفد المفاوضات الذي تم التوافق عليه في العاصمة السعودية.
 
ومنذ "جنيف 3" وحتى "جنيف 4"، جرى انزياح في الأزمة السورية ليس في مصلحة المعارضة، فقد جرى إضعاف دور بعض الدول الإقليمية الداعمة للمعارضة، في وقت أعادت أنقرة ترتيب أوراقها من جديد بما يتواءم مع مصالحها القومية العليا، وإن حققت بعض الاختراقات لصالح المعارضة العسكرية والسياسية على السواء.
 
قد يكون وقف إطلاق النار تطورا مهما بالنسبة لفصائل المعارضة المسلحة بعد أشهر من الانكسارات، وقد يكون اعتراف إيران والنظام نتيجة الضغط الروسي بفصيلي "جيش الإسلام" و "أحرار الشام" و "الجيش الحر" تطورا مهما أيضا، وقد يكون منح تركيا دورا كبيرا في الملف السوري على حساب إيران تطورا مهم يخدم المعارضة.
 
لكن كل ذلك يأتي من أجل الاستحقاق الكبير المتمثل في إجراء هندسة جديدة لشروط التسوية السياسية.
 
وبدأت شروط التسوية الجديدة مع تحييد فصائل المعارضة المسلحة عن قوات النظام وهيئة "تحرير الشام" على السواء، الأمر الذي وضعها في نوسان عسكري غير قادرة على الخروج منه، فلا هي قادرة على مقاتلة النظام ولا هي قادرة على مقاتلة شركائها السابقين.
 
يضاف إلى ذلك أن هذه الفصائل أصبحت محكومة بالتوزيع الجغرافي القائم، فمنها من أصبح جزءا من عملية "درع الفرات" مع ما يعنيه ذلك من خضوعهم للسياسة التركية، ومنها من بقي محبوس في محافظة إدلب مع ما يعنيه ذلك من انعدام الخيارات العسكرية.
 
وعلى المستوى السياسي، بدأت شروط التسوية الجديدة مع اعتماد دي ميستورا نتائج اجتماع استانة الأول التي استبعدت صيغة الانتقال السياسي من التسوية.
 
ومع أن الأمم المتحدة قد تراجعت عن استبعاد هذه الصيغة حسب مايكل كونتت، مدير مكتب دي ميستورا، الذي أكد "أن الفقرة الإجرائية الثانية من القرار 2254 تطالب المبعوث الخاص بعقد المفاوضات الرسمية بشأن عملية الانتقال السياسي"، إلا أنها أبقت على استبعاد المهلة الزمنية للانتقال السياسي.
 
وقد يكون استبعاد المهل الزمنية لأسباب موضوعية بعدما تبين فشل هذه المهل في إنجاز اتفاق، لكن السبب الحقيقي يكمن في أن الولايات المتحدة وليس روسيا فقط يريدون تغييرا سياسيا بطيئا وعلى مراحل زمنية، على عكس ما حدده القرار الدولي 2254.
 
بعبارة أخرى، لا لإسقاط النظام عبر التسوية السياسية بعدما كان مرفوضا إسقاطه بالقوة العسكرية، وبناء عليه، فإن أقصى ما يمكن تحقيقه في ضوء المعطيات المحلية والإقليمية والدولية للأزمة السورية، البدء بحل من داخل النظام ذاته عبر إدخال أطراف من المعارضة وفرقاء مستقلين هم أقرب لدمشق من المعارضة.
 
هنا لا مجال للحديث عن مصير الأسد في هذه المرحلة، ولا مجال للحديث عن صيغة الحكم الواردة في بيان جنيف لعام 2012 (هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة)، وفي المرحلة المقبلة لا مجال للحديث عن احتكار الهيئة العليا في تمثيل المعارضة السورية.
 
وأمام هذا الواضع الجديد تضيق خيارات المعارضة السياسية بعدما ضاقت خيارات المعارضة العسكرية، ويخشى أن يدفع المجتمع الدولي المعارضة من التفاوض حول الشأن السياسي إلى التفاوض حول الشأن الإنساني.
التعليقات (0)