قضايا وآراء

الدولة العميقة بين مصر وأمريكا

هاني بشر
1300x600
1300x600
نشرت صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية قبل بضعة أيام تقريرا عن مخاوف من إمكانية وجود دولة عميقة في الولايات المتحدة الأمريكية في ظل تعدد التسريبات التي تخص أشخاصا يعملون في إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب. 

اللافت في التقرير أنه لم يجد وجها للمقارنة في تعريف دور الدولة العميقة سوى في مصر وتركيا. فقد ذكر أن الدولة العميقة في مصر ممثلة في الجيش والشرطة قوضت نشاط الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي وساهمت في الاضطرابات التي بلغت ذروتها في عام 2013 حيث الانقلاب عليه. أما عن تركيا فقال إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يخوض معركة ضد الدولة العميقة هناك عبر إعطاء نفسه سلطات كبيرة وإجراء عمليات تطهير واسعة.

هذا النوع من المقارنات التي أجراها التقرير يأخذنا إلى مساحة أخرى من النقاش لا تتعلق بالضرورة بشرعية الحاكم المنتخب أو نوعية سياساته ولكن بالعلاقة بين الرئيس المنتخب والمؤسسات التي تمثل السلطة التنفيذية كأجهزة الأمن والاستخبارات والسلطتين القضائية والتشريعية ويمكن إضافة الصحافة كسلطة رابعة. فأحد التعريفات المتعلقة بالدولة العميقة ليس بالضرورة مرتبطا بمؤامرات، كما يذكر التقرير، بقدر ارتباطه بصراع الحاكم مع هذه المؤسسات. عندها يمكن أن تستخدم هذه المؤسسات الصلاحيات الممنوحة لها في حربها ضد بعضها البعض في إطار حرب بيروقراطية داخلية.

في الحالة الأمريكية ساهم شكل إدارة ترامب في تعميق هذا التباين بينه وبين البيروقراطية الأمريكية. 

وهو تباين موجود دائما في كل العصور بين الجهات صاحبة القرار السياسي الأمريكي مثل البيت الأبيض والكونغرس ووزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والبنتاغون. لكن كان يمكن حسم الخلافات بينهم بطريقة التدافع الداخلي المبني على بوصلة المصالح الأمريكية عبر الوصول لحلول وسط طبقا للمعلومات والاقتراحات التي تقدمها كل جهة. 

وربما يكون البيت الأبيض ممثلا في الرئيس المنتخب هو المايسترو الذي يقود فرقة العازفين هذه. أما بعد مجيء ترامب، وبدلا من إدارة علاقات تناغم بين كل هذه الأطراف، اعتبر أن أي مقاومة لسياساته من هذه المؤسسات هجوما سياسيا عليه وتقويضا له. الأمر الذي جعل كثيرين في الولايات المتحدة يدقون ناقوس الخطر على النظام الديموقراطي المعمول به في البلاد بسبب سوء العلاقة الذي طفا للسطح بين البيت الأبيض كمؤسسة والعديد من المؤسسات والسلطات.

الوضع هنا مختلف في كثير من الوجوه عن الدولة العميقة في مصر سواء من ناحية الأطراف الفاعلة أو الاتفاق على محددات وثوابت الأمن القومي ومصلحة البلاد رغم بعض التشابهات التي ساقها التقرير. فالديموقراطية الكاملة وأي دور للإسلاميين في السياسة لا يزال يمثل في عقيدة الأمن القومي المصري خطرا على الدولة وسلامة مواطنيها بغض النظر عن منطقية هذه العقيدة. وقد استغرق الأمر عقودا ومراحل عديدة حتى أصبحت فكرة الحرب نفسها خارج نطاق عقيدة الأمن القومي المصري فيما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل مهما حدث من متغيرات.

وحين نتحدث عن عقيدة الأمن القومي هنا نتحدث عن العقيدة القتالية للجيش مثلا والعقيدة العسكرية للشرطة ومناط عمل واهتمامات وزارة الخارجية. لذلك نرى أن ملف العلاقات المصرية الفلسطينية كمثال آخر ينقسم إلى عدة جوانب، وأي جزء فيه متعلق بحركات المقاومة فهو ملف أمني بالضرورة لا علاقة لوزارة الخارجية به، مهما شكلت حماس من حكومات أو حتى شاركت في حكومات وفاق وطني تضم فصائل أخرى.

وعلى غرار هذه التقسيمة كان التعامل دائما مع السياسيين ذوي التوجهات الإسلامية كملف أمني وليس سياسي، باستثناء ثلاث سنوات بعد الثورة من 2011 وحتى 2013. ولهذا فإن النظام الحاكم في مصر الآن بمختلف أجهزته يلتف دائما حول هذه المسألة ويريد القفز من 2010 إلى 2014 كي يضع الإسلاميين كقوة سياسية في خانة الإرهاب ليكون التعامل معهم أمنيا فقط. ولم يفطن كثيرون لهذه الحيلة وسط زحام الأحداث. وبالتالي لم تحدث محاولات عملية جادة، سواء من المعارضة أو الإسلاميين، لإعادة هذا الملف للمربع السياسي بدلا من إبقاء الصراع داخل المربعات الأمنية.
0
التعليقات (0)