سياسة عربية

معركة حاسمة في غرب الموصل "تخشاها" القوات العراقية

الجانب الغربي من مدينة الموصل يشهد اكتظاظا في السكان- أرشيفية
الجانب الغربي من مدينة الموصل يشهد اكتظاظا في السكان- أرشيفية
بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على تحريرها للجانب الشرقي من مدينة الموصل من تنظيم الدولة بعد قتال استمر ثلاثة أشهر، لا تزال الحكومة العراقية غير قادرة على إطلاق شرارة البدء في "مرحلة الحسم" لاستعادة الجانب الغربي للمدينة، رغم مساعيها في الإسراع بإنجاز المهمة.

تأخير أرجعه مسؤولون عسكريون عراقيون وخبراء، إلى الوضع الحالي في الجانب الغربي للموصل الذي وُصف بـ"المعقد"، لطبيعة الكثافة السكانية به ومعاناة المدنيين، إضافة لمحاولات التنظيم ترتيب صفوفه وتجنيد مقاتلين جدد من بين السكان، بعد خسارته التي مني بها في الشرق، ولم يعد أمامه سوى "القتال أو الموت" للحفاظ على تواجده، علاوة على اتخاذه المدنيين "دروعا بشرية".

وأعلنت الحكومة العراقية في 23 كانون الثاني/ يناير الماضي تحرير الجانب الشرقي من الموصل بشكل كامل، بعدما خاضت القوات معارك صعبة على مدار ثلاثة أشهر، تكبدت فيها خسائر في المعدات والأرواح، لكنها تمكنت من قتل عدد كبير من عناصر تنظيم الدولة وتدمير أكثر من ألف عربة مفخخة خلال المعارك.

مسؤول وحدة التخطيط العسكري في قوات جهاز مكافحة الإرهاب التابعة للجيش والمشاركة في عملية تحرير الموصل، العميد الركن، أيهم البهادلي، قال إن "الخطط الخاصة بمعركة تحرير الجانب الغربي لمدينة الموصل قد أُنجزت، وجرى توزيع المهام على جميع القطعات العسكرية المشتركة بتنفيذ هذه المهمة، وبإشراف مباشر من قبل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة".

وأضاف في تصريحات أن "القطعات باشرت بتنفيذ ضربات تعبوية دقيقة على مواقع تنظيم الدولة، الهدف منها تدمير قدراته والحد من خطورته لتسهيل مهمة القضاء عليه عند تقدم القوات البرية".

وأوضح البهادلي أن "التنظيم يتخذ من النساء والأطفال وكبار السن والرجال دروعا بشرية له لتصعيب مهمة استهدافه وتأجيلها أطول وقت ممكن".

ولفت إلى أن "المعركة لن تكون سهلة وتتطلب المزيد من الوقت والحكمة لضمان حماية المدنيين العزل والخروج بأقل الخسائر المادية والقضاء على التنظيم في الوقت ذاته".

وأشار المسؤول العسكري إلى ستة محاور تم تحديدها لعملية تحرير الجانب الغربي (الأيمن)، رافضا الإفصاح عنها خشية كشفها للتنظيم الذي توعده "بهجوم خاطف يدمر جميع مواقعه وخططه الدفاعية ويدفع به إلى تكبد هزيمة كبرى". 

لا مفر من القتال 

من جانبه، اعتبر الخبير في شؤون الجماعات المسلحة وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل، مقداد علوان الهيتي، أن "مهمة القضاء على تنظيم الدولة في الجانب الغربي ستكون بغاية التعقيد والخطورة لسببين، الأول أن التنظيم لم يعد يملك خيار سوى القتال أو الموت، والثاني أن خسارة المدينة بالكامل تعني تبخر حلم دولته الإسلامية". 

سببان يجعلان -بحسب الخبير العراقي- مهمة القوات في القضاء على التنظيم واستعادة الجانب الغربي "تصل إلى درجة المستحيل".

وخلال حديث له، أكد الهيتي أن "تنظيم الدولة سيستخدم في معركته القادمة كل الوسائل للحيلولة دون تقدم القوات"، معربا عن خشيته من "إلحاق أضرار بالغة بالمدنيين الذين أصبحوا ضحية لصراع مسلح لا يقدّر الحياة ويسعى إلى إلحاق الدمار بالحرث والنسل". 

وطالب الهيتي "القيادة العسكرية بأن تعي أنها باتت تتعامل مع جماعات مسلحة تعرف أن مصيرها الموت، وهذا ما يجعلها مستعدة لاستخدام أي شيء في سبيل زيادة الوجع والأذى لمن يحاول الوقوف في طريقها".

وبشأن إمكانية التغلب على تلك المعوقات، قال الخبير العراقي إن "تحرير الجانب الغربي للموصل يتطلب تكتيكا استراتيجيا عالي المستوى، وعمليات نوعية في عقر داره، والإفادة من الخلايا النائمة المؤيدة للقوات العسكرية، وذلك قبل الشروع بعملية عسكرية واضحة المعالم ومكشوفة الأغراض". 

تحضيرات تنظيم الدولة 

"هل قوات جهاز مكافحة الإرهاب العراقية مستعدة الآن لمعركة طويلة الأمد ضد تنظيم يراها الفيصل في وجوده في العراق من عدمه؟"، بهذا السؤال استهل العميد المتقاعد من الجيش العرقي، سالم عبد الحافظ إدريس، حديثه لـ"الأناضول" عن المعركة القادمة في الموصل.

وقال إدريس إن "القوات العراقية (الفرقة السادسة عشر والفرقة المدرعة التاسعة، وجهاز الشرطة الاتحادية) غير قادرة على خوض معركة الحسم ضد التنظيم، علاوة على أن قوات جهاز مكافحة الإرهاب، رأس الحربة للقوات العراقية، تكبدت خسائر ليست بالقليلة خلال أشهر معركة تحرير الجانب الشرقي".

وأوضح أن "البدء بالمعركة دون دراسة حقيقية للوضع وخطورته قد يؤدي إلى كارثة على غرار ما حدث في صيف عام 2014 عندما مني الجيش العراقي بتشكيلاته المختلفة بخسائر مفزعة على أيدي مسلحي التنظيم".

وشدد على ضرورة الأخذ في الاعتبار أن "الوضع بات مختلفا للتنظيم وخلاياه والمؤيدين له، ومعركة استعادة الجانب الأيمن إذا لم تكن خاطفة فهذا سيؤدي إلى نتائج سلبية على الحاضر والمستقبل بالنسبة للمواطن والقوات على حد سواء".

هذا الاتجاه دعمه أحد منتسبي القوات الأمنية سابقا، رفض الكشف عن هويته مكتفيا بالإشارة إلى اسمه بالرمز (م.أ)، وذلك خشية على حياته حيث إنه ما زال موجودا في الجانب الغربي تحت سيطرة التنظيم.

المنتسب السابق للأمن العراقي، قال إن تنظيم الدولة استعد لمعركة تحرير الجانب الغربي، بتفجير الجسور الخمسة الرابطة بين جانبي المدينة، ووضع الحواجز الأسمنتية على طول ضفاف نهر دجلة ونشر القناصة ومستخدمي الأسلحة المتوسطة أعلى المباني العالية والمراكز الهامة.

وأضاف أن "داعش" استعد أيضا بإقامة نقاط التفتيش الأمنية في الشوارع التجارية ومداخل الطرقات الرئيسة والتدقيق بالأوراق الثبوتية للمدنيين، وتنفيذ عمليات دهم وتفتيش للمنازل السكنية من أجل مصادرة أجهزة الاتصال (الهاتف النقال) واستقبال البث الإذاعي.

ولفت إلى أن "التنظيم أحكم قبضته على الجانب الغربي، وجميع عناصره يحملون السلاح على مدار الساعة والكثيرون منهم يجوبون الشوارع بعربات مفخخة لإيصال رسالة إلى المدنيين أنهم عازمون على الموت هنا".

وأكد المصدر في الوقت ذاته أن "التنظيم عاود الآن إقامة الخطب في الشوارع الهامة حيث إنه يستعرض ما يسميه (انتهاكات القوات الأمنية في المناطق المحررة)، مثل رفع الرايات الطائفية واعتقال المشتبه بهم، وذلك بهدف ضم أكبر عدد ممكن من الشباب إلى صفوفه وتدعيمها بالمزيد من المقاتلين والمؤيدين له".

ونوه إلى أن "عناصر التنظيم الأجانب يتواجدون بكثرة في الأحياء الغربية من مدينة الموصل وهم من يقومون بعمليات المرابطة الليلية في الشوارع، خشية أي هجوم تنفذه القوات أو أي عملية مسلحة تنفذها الحركات المناهضة لهم".

ووصف المصدر الوضع على الأرض بأنه "معقد، ويحتاج إلى الكثير من التخطيط لحله، وهو ليس كما تتناقله بعض وسائل الإعلام بشأن فرار جماعي للمسلحين وانهيار معنوياتهم وعدم امتلاكهم للسلاح". 

تمهيد جوي للمعركة 

في مقابل تلك الاستعدادات من قبل التنظيم، أكدت القوة الجوية العراقية أن مهمتها في عمليات تحرير الجانب الغربي لمدينة الموصل انطلقت منذ مطلع شهر شباط/ فبراير الجاري من خلال قيام مقاتلات "إف 16" بقصف مواقع تنظيم الدولة وأهدافه الثابتة والمتحركة ووحداته القتالية والاستراتيجية والتكتيكية.

وفي هذا الإطار، قال النقيب الطيار، بدر الدين مصطفى الغانمي، إن "هناك ضربات تدريبية وتعبوية تقوم بها طائرات القوة الجوية العراقية باشتراك طائرات التحالف الدولي أيضا، وفق معلومات إستخبارية دقيقة بهدف تدمير قدرات عناصر التنظيم بالجانب الغربي، واستهداف قياداته لإضعاف منظومة القيادة والسيطرة له".

وأوضح الغانمي أن "الضربات الجوية التي نفذتها الطائرات العراقية كان لها دور كبير في عمليات قطع طرق الإمداد لعناصر داعش، لا سيما القادمة من الأراضي السورية"، مؤكدا أن "الطيران العراقي أدى الواجبات المكلفة بها بشكل دقيق وهي قطع شرايين التنظيم".

الناشط والمراقب للشأن الموصلي، مؤمن الساهر، اعتبر من جانبه أن تعقيد معركة تحرير الجانب الأيمن "يكمن في تدهور الوضع الإنساني للعائلات القاطنة فيه بعد محاصرتها لأكثر من 112 يوما دون ماء أو غذاء أو خدمات، مع استمرار القصف الجوي على أهداف التنظيم"، لافتا إلى أنه "كلما تعقد الوضع الإنساني كانت عملية التحرير صعبة".

واستعرض الساهر الوضع داخل الجانب الأيمن للموصل، قائلا إن "الأسواق تعاني من شح المواد الغذائية اللازمة لديمومة الحياة، وانقطاع الماء ونفاد الأدوية وانتشار الأمراض المعدية، وكثرة حالات السرقات بسبب الحرمان والعوز".

الساهر، الذي أكد أنه يراقب الوضع الإنساني في الموصل منذ شهور عدة، حذر من أن "تفاقم المشاكل والوصول لحالة اليأس سيدفعان بالكثير من الرجال لا سيما المراهقين إلى الانضمام لتنظيم الدولة للخلاص من الوضع الراهن".

وفي الـ17 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، انطلقت معركة تحرير مدينة الموصل من أربعة محاور بمشاركة أكثر من 100 ألف عنصر أمن من الجيش وقوات مكافحة الإرهاب وقوات البيشمركة وقوات الحشد الشعبي، وبإسناد من التحالف الدولي.. وبعد معارك شرسة تمكنت القوات من استعادة الجانب الأيسر المدينة.
التعليقات (1)
Iraqi
الخميس، 16-02-2017 05:06 م
لا خطط ولا بطيخ.. السيناريو معروف ، تقوم قوات التحالف الغربي- العربي بإلقاء القنابل على السكان وتدمير المنازل والبنى التحتية ثم تقوم الميليشيات الشيعية والجيش الصفوي (العراقي سابقا) بالتغلغل يملؤهم الرعب ..!