قضايا وآراء

"سيكا" عميل أمريكا

عمرو عادل
1300x600
1300x600
هذا العنوان له قصة طريفة، لن استطيع أن أحكي تفاصيلها كاملة، ولكنه ظهر في حوار ما بعد الانقلاب العسكري بشهور قليله، ودخل طرفان في صراع حوله؛ حيث إنه كان موجها ضد قائد الجناح العسكري للانقلاب على الشرعية الدستورية، إلا أن بعض من يعرف معنى كلمة "سيكا" تحفظ على العنوان، حيث إنه مهين لدرجة قد تكون متهورة وتبعد قطاعات ما "شريفة" من الجيش عن الثوار.

 لم يمر أسابيع قليلة حتى اجتاح "الهاشتاج" الأشهر في مصر كل شيء أمامه، وأصبح "الهاشتاج" رمزا حصريا لكل من ينتمي لزمرة الانقلاب المسلح.

وحتى لا نفقد القارئ الذي لا يعلم معنى "سيكا" سنبدأ بتعريفها؛ فهي حصرا تطلق على ذلك العسكري الذي يقوم بخدمة أي ضابط في الوحدات، فهو العسكري الخاص به يرافقه في كل مكان وهو المسئول عن طعامه وملبسه ونظافة مكتبه أو مسكنه. وفي مقابل ذلك الوضع المهين؛ فالعسكري "سيكا" له بعض الحظوة؛ فهو لا يقوم بخدمات الحراسة أو أي عمل بالوحدة يمت للعسكرية بصلة، وهذا العسكري البائس يلاقي قدرا من الاحتقار من زملائه ولا مانع من قدر من الحسد ممن يطمعون في دور العسكري "سيكا"، كما أن "سيكا" قادر على التوسط لزملائه من الجنود عند ضابطه الأعلى، والعسكري "سيكا" الأكثر بؤسا هو الذي يتجسس على زملائه ويخبر ضابطه بما يجري في الوحدة وما يقال عنه وعن غيره؛ وهذا النموذج هو الأكثر احتقارا لدى زملائه بالوحدة.

هذا النموذج هو أحد كوارث عسكر مصر الخونة الذين اعتبروا مصر أرضا مستباحة لهم واعتبروا شعب مصر وشبابها مستعبدين على أرض مصر، وهذا نموذج مستمر منذ أن قام المستبد الأكبر في مصر محمد علي بتجنيد المصريين في جيشه الذي حاول به بناء مجده الشخصي، على أية حال هذا موضوع آخر؛ إلا أن ما يهمنا في هذا السياق هي تلك العقيدة التي يؤمن بها كل من يحمل رتبة ضابط بما يسمى الجيش المصري منذ أن كان الضباط أجانب والعساكر مصريين؛ رحل الأجانب لكن بقيت تلك الروح الاستعبادية للمصريين واستطاعت المنظومة إبعاد أو تهميش كل من يرفض مفهوم "سيكا" بالمؤسسة.

ليس العسكري البائس فقط هو "سيكا" ولكنه النموذج الذي نستطيع أن نتحدث حوله بلا قلق، فماذا سيفعل هذا الجندي البائس للاعنيه، ولكن هناك من أصحاب رابطات العنق والحقائب الوزارية ورئاسات الدول من هم أكثر قذارة من السيكا الجاسوس، فهو يحطم أمة من أجل رضا ضابطه الأعلى.

فمع الوقت لم يقتصر هذا المفهوم على الجنود فقط بل أصبح من المفاهيم المؤسسة لها، فكل ضابط أصبح" سيكا" بأشكال أكثر أناقة لضابط أعلى منه وهكذا حتى تصل إلى القمة والقمة كل منها يراها كيفما يشاء.

حادثان مهمان وقعا الأسبوع الماضي أكدا هذا المفهوم المتأصل لدى ما يسمون ضباط الجيش المصري؛ الحادث الأول ما ذكره قائد الجناح المسلح للانقلاب حول عدم قبول أي منتم للتيار الإسلامي بمؤسسته؛ فهو بهذا القول لا يؤكد فقط كرهه للدين الإسلامي وحقده الدفين غير المعلوم الدوافع حتى الآن؛ ولكنه يؤكد على إيمانه بل واتباعه لمفهوم "سيكا"؛ فهذه الثقافة لا يمكن إيقافها وتمتد في كافة المستويات حتى يصبح كل فرد داخل المنظومة هو "سيكا" لشخص ما آخر؛ وهناك السيد الكبير القابع في مكان ما والذي يريد المؤسسة خالية ممن قد يرفض أن يكون سيكا أو يعترض على هذا النموذج أو يأتي يوما ما يكون قادرا على تغييره. فالمؤسسة لا بد أن تكون "نظيفة" لهم.

والحادثة الأخرى الحوار المسرب بين ما يسمى وزير الخارجية وأحد الصهاينة، هذا الحديث الذي أظهر "سيكا" آخر بخلفية دبلوماسية ليحدثنا عن مدى خيانته المتكاملة؛ ويظهر مدى رقي العسكري الجاسوس في مقابل الجاسوس الحامل للحقيبة الوزارية الذي أصبح "سيكا" برابطة عنق.

لقد حول عسكر مصر الخونة ما يفعلونه في وحداتهم من فساد واستعباد لكل من هو دونهم إلى كل المجتمع؛ وأصبحت حدود مصر هي أسوار عالية لوحداتهم وأصبح جنود الحراسة مهمومين بحصار أهل مصر وأصبح ما يسموا ضباط الجيش هي أدوات صناعة فلسفة "سيكا" التي تتحرك إلى أسفل وإلى أعلى لتصبح مصر التي يريدونها هي دولة "سيكا".

وما يؤكد انتشار هذه الفلسفة في كل مؤسسات مصر هو الانعدام الكامل لأي تعليق أو اعتراض أو حتى امتعاض من أي مؤسسة كانت أو أي فرد كان من داخل المؤسسات المصرية التي تشبعت بمفهوم "سيكا"؛ وكل ما خرج منها هو غضب من التسريب وليس من محتوى التسريب، وهذه المأساة ليست مفاجأة فروح "سيكا" المنتشرة في كل مكان في مؤسسات مصر تطغى على أي قيمة أخري، كما أن تلك المؤسسات نجحت على مدى عقود متراكمة من انتزاع كل من تسول له نفسه أن يرفض روح "سيكا".

كان يخشي ناجي العلي أن تصبح الخيانة وجهة نظر ولم يكن يتخيل أن يتطور الأمر وتصبح الخيانة العلنية لصالح أي كيان إجراء يجب فقط عدم نشره ولا يهتم أحد بالأساس بالدفاع عنها حتى "كوجهة نظر". 
0
التعليقات (0)

خبر عاجل