مقالات مختارة

القضاء يهزم الرئيس

محمد قيراط
1300x600
1300x600
أثار الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب ولا يزال يثير الكثير من الجدل والنقاش، كما شغلت أخباره وتصريحاته ومواقفه مساحات كبيرة على صفحات الجرائد ونشرات الأخبار، وهذا منذ بداية حملته الانتخابية إلى يومنا هذا. ومن أهم الانتقادات التي وجهت للرئيس الجديد مواقفه العدوانية من الصحفيين ووسائل الإعلام، وهذا خروج صريح على تقاليد وأعراف الرئاسة الأمريكية مع المنظومة الإعلامية التي تعتبر العمود الفقري وأساس الديمقراطية.

فالأمريكيون يتغنون دائما بالإعلام كسلطة رابعة وككلب الحراسة والمؤسسة التي تراقب وتخبر وتنتقد وتكشف عيوب النظام. كما يفتخر الأمريكيون بالتعديل الأول في دستورهم؛ حيث إنه يحمي الصحافة من تدخل الحكومة في مهامها وعملها، ولهذا نلاحظ أن معظم الرؤساء الأمريكيين يحسبون ألف حساب عند تعاملهم مع وسائل الإعلام، خاصة الصحفيين المعتمدين لدى البيت الأبيض. فمعظم الرؤساء السابقين كانوا ينادون الصحفيين بأسمائهم ويعاملونهم بلطف ولباقة واستحسان. بالنسبة لدونالد ترامب ومنذ حملته الانتخابية اختلف الأمر تماما، ولوحظ أن الرجل بغطرسته يعامل الصحفيين بعداء واستفزاز ويتهم المؤسسات الإعلامية بالكذب والنفاق، وغير ذلك من الصفات والنعوت التي تخرج عن الكياسة والأخلاق.

وأخطر من هذا أصبحت صور الرئيس الأمريكي في الصحافة الصفراء ومجلات الإثارة وشبكات التواصل الاجتماعي تنتشر بسرعة فائقة. وتقدم الرئيس في حالات ومواقع أقل ما يقال عنها أنها لا تليق برئيس دولة وأي دولة! الولايات المتحدة الأمريكية؟

من جهة أخرى يلاحظ على الرئيس الأمريكي الجديد اختراقه وعدم احترامه للمبادئ الأساسية التي تقوم عليها أمريكا، وهي البلد الذي اشتهر باحترام الأقليات وحقوق الإنسان وحرية الرأي والفكر والتدين واحترام الأجناس والأعراق. فقرار ترامب بمنع رعايا سبع دول عربية ومسلمة من دخول أراضي الولايات المتحدة الأمريكية بطريقة تعسفية وغير شرعية وغير قانونية أذهل الأمريكيين قيل شعوب العالم قاطبة؛فالقرار غير دستوري وغير قانوني ولا أدلة دامغة للرئيس المثير للجدل لحرمان ملايين البشر من دخول أمريكا، وقانون أمريكا يخوّل لهم ذلك.

لكن القضاء الأمريكي جاء أقوى من الرئيس المتجبر ووقف له بالمرصاد. رفضت محكمة الاستئناف الأمريكية طلبا تقدمت به إدارة الرئيس دونالد ترامب لإعادة تفعيل حظر السفر، وذلك بعد أيام من إصدار القضاء الفيدرالي حكما بوقف تنفيذ الحظر بشكل مؤقت. وكانت وزارة العدل الأمريكية طعنت على حكم أصدره القضاء الفيدرالي، في فترة سابقة، بوقف العمل مؤقتا بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حظر دخول اللاجئين ومواطني 7 دول ذات غالبية مسلمة للولايات المتحدة. وقالت وسائل إعلام أمريكية إن وزارة العدل قدمت طعنا في الحكم الذي أصدره القاضي الفيدرالي في مدينة سياتل بولاية واشنطن جيمس روبرت. بحسب وكالة «أسوشييتد برس» الأمريكية.

وقد طلبت دائرة محكمة الاستئناف التاسعة في سان فرانسيسكو، من ولاية واشنطن وإدارة ترامب تقديم مزيد من الحجج، ومن شأن هذا الرفض أن يسبب معارك قانونية تستمر حتى الأسبوع المقبل على الأقل، بحسب الوكالة. وفي الوقت الذي تطعن فيه وزارة العدل على الحكم، بدأت وزارتا الأمن الداخلي والخارجية بتنفيذه، وعلقتا العمل بقرار ترامب.

 تتميز السياسات والقرارات التي يتخذها الرئيس الأمريكي الجديد، بعد حملة انتخابية سيطرت عليها الخطابات العنصرية المتغطرسة والمتعجرفة التي تتسم بالتمييز والتفرقة والعنصرية، بكونها بعيدة عن المهنية والحرفية؛ حيث تنم عن جهل بأعراف وتقاليد ودستور البلاد. الرئيس الجديد دخل مباشرة بعد توليه الحكم في صراعات داخلية مع المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية للولايات المتحدة الأمريكية، فهو يحكم البلاد ولا فرق بينه وبين أي دكتاتور أو حاكم متسلط ومتجبر من الدول السلطوية وجمهوريات الموز. الرئيس الجديد يتخذ موقفا من المهاجرين والمهجّرين، وصولا إلى تحديد دولٍ بعينها يوقف دخول أي من أبنائها إلى الولايات المتحدة، مهما كان له سند قانوني في الوجود وفي الإقامة وفي الاستقرار داخلها. قرار الحظر الذي جاء به ترامب يتناقض جملة وتفصيلا مع التقاليد الأمريكية التي تؤكد أصالة المجتمع الأمريكي، باعتباره مجتمع أقليات ومجتمع الفرص والأجناس والأقليات المختلفة في العالم، المجتمع الأمريكي يعتبر بوتقة لصهر التنوع والاختلاف، في نظام فيدرالي. نظام يمثل نموذجا للاستيعاب، لا للإقصاء والاستبعاد.

على خلاف كل هذه المعطيات. يأتي ترامب ليقدم نموذجا مختلفا تماما ضمن خطابه العنصري، الاستفزازي والمثير للجدل ليس على مستوى النظام الدولي، وإنما داخل أمريكا نفسها. سلوك ترامب غير الواعي وغير المسؤول يشجع على صعود اليمين الديني في الغرب، ومرشحة اليمين للرئاسيات الفرنسية مارين لوبان لخير دليل على ذلك. تصرف ترامب يتسم بمزيد من العنصرية والمعاملة التمييزية، بل وصد كل الأبواب في وجه المهاجرين، من دون أي اعتبار لأحوالهم الإنسانية. ظل هذا الخطاب يشكل حالة تهدّد المنظومة العالمية بأسرها. ومن هنا، كانت تلك المفارقة في كتابات، يتحدث بعضها عن انتقاد للديمقراطية في أساسها، والنظام الانتخابي في الولايات المتحدة الأمريكية الذي جلب لهم، في النهاية، شخصا مثل ترامب، لا يقيم وزنا للأصول والمبادئ التي يقوم عليها النظام، ولا حتى لاتفاقات دولية.

ومن هنا، كان الوجه الآخر للديمقراطية قيام حالة احتجاجية واسعة في مظاهرات منتشرة في بلاد الغرب، وفي ميادين الولايات المتحدة الأمريكية، لتؤكد جانبا آخر من الممارسة الديمقراطية، وتناوبت ممارسة التشكيك في الديمقراطية، ليس فقط في قيمها، ولكن في قيمتها وإجراءاتها، والنتائج التي يمكن أن تتمخض عنها، حيث إنها تهدّد كيان الدول، بل يمكن أن تهدد أسس تلك المجتمعات أو تنقضها.

ورغم أن الدول العربية والإسلامية هي المستهدفة ضمن خطابات عنصرية تتعلق بـ«الإرهاب الإسلامي»، وبقرارات تخص منع مواطني سبع دول عربية وإسلامية من دخول الأراضي الأمريكية، إلا أن ردود الأفعال كانت منعدمة، وكأن الأمر لا يخص تلك الدول، ولا يضر بمواطنيها، والحقوق التي تترتب على ذلك، في حركة الأشخاص من وإلى الولايات المتحدة الأمريكية، بل إن بعض قيادات تلك الدول تحدّث، بشكل أو بآخر، عن تفهم قرارات ترامب! احتجاجات شعبية واسعة في الغرب، وتظاهرات تدافع عن حقوق العرب والمسلمين، بينما في دول الاستبداد العربي تمارس هذه الدول أقصى درجات تواطؤ الصمت. حيث صرح البعض أنه «لا يحق للسوريين إفساد أمريكا بعد ما أفسدوا بلدهم». بعض الدول العربية تعبر في خطاباتها، عن تفهمها تلك السياسات وتتعاطف مع ترامب وتدافع عن قراراته ومواقفه، في حين نلاحظ المجتمع المدني الأمريكي يتظاهر في مختلف المدن ويستنكر القرارات غير المسؤولة والعنصرية لرئيسهم.

الشرق القطرية
0
التعليقات (0)