كتاب عربي 21

بين الثورة والطلاق الشفهي.. نفحات من فلسفة قائد الانقلاب

طارق أوشن
1300x600
1300x600
في مكتب المحامي الشهير فؤاد عسكر في فيلم (محامي خلع – 2002) للمخرج محمد ياسين، يدور الحوار التالي بينه وبين إحدى المتعاملات مع مكتبة المحاماة الذي يديره.

رشا هانم: المهم حضرتك دلوقتي تعمل لي قضية خلع مستعجلة.

فؤاد عسكر: آه.. عايزة قضية خلع؟ تبقى القضية ده مش عندي .. مش اختصاصي.

رشا هانم: مش اختصاصك، يعني ايه؟

فؤاد عسكر: يظهر أنك مش واخدة بالك يا مدام رشا. بصي قدامك.. بتشوفي مين؟ أنا فؤاد عسكر المحامي، محامي كبير آوي. أنا أعجوبة المحامين في البلد. انت عارفة المكتبة ايلي قدامك ده.. في دماغي 15 مكتبه زيها وكتب كبيرة كده. أنا أترافع في قضية بس، أي قضية في البلد المحاكم كلها توقف على رجل.. بيدرسوا مرافعتي.. بيدرسوها للطلبة في الجامعة لأني بتاع القضايا الكبيرة.. أيوه قضايا الرشوة، قضايا المخدرات.. أنا بتاع الفساد. أنا ميوكلنيش أقل من وزير ونازل وفي الآخر عاوزاني أترافع في قضية خلع.. نهايتي.. أيوه نهايتي.. نهاية مأساوية لمستقبلي السياسي والأدبي.

رشا هانم: أوكي أستاذ عسكر، التوكيل ايلي مع حضرتك حيكون ملغي بكره الصبح وحألغي كمان الشيك أبو 50 ألف ايلي بيوصلك كل أول شهر وبتدفع منه مرتبات الجيش ايلي بره.

فؤاد عسكر: هههههه.. طول عمرك عصبية.. والله إنت عصبية النهارده .. ايه؟ الواحد ميعرفش يتفك معاك ولا ايه؟

رشا هانم: أنا القضية بتاعتي أهم من أي قضية عامة وأنا أهم من الوزراء ايلي بييجوا لك. 

فؤاد عسكر: اهدي.. اهدي يا رشا هانم.. ممكن ناخد واحد لمون ساقع في كبار الزوار؟

ينضم محاميات من المكتب للجلسة.

فؤاد عسكر: ودول بقا يا ستي الأستاذة مها علم الدين والأستاذ بدر النوساني المحامي.

رشا هانم: ده محامي؟

بدر النوساني: لأ.. رجل كنبة. مش مالي عينك يا مدام؟

رشا هانم: وكمان فلاح؟

بدر النوساني: هات لها محامي من السوق الحرة يا أستاذ فؤاد ولا من جروبي بالقشطة.

فؤاد عسكر: استنى يا بدر.. رشا هانم، إذا كنت سعادتك تخلعي جوزك بجد مفيش غير دِه ودَه.. هما ايلي حيخلعوك. دول يخلعوا الأسد من مراته بس أنا عايز سعادتك تشرحي لهم ظروف القضية بالظبط.

بدر النوساني: على فكرة يا مدام، مش شرط المحامي يملى عين الزبون أو الزبونة. المهم أنه يملى عين المحكمة والقاضي ايلي بيترافع قدامه.

صدق بدر النوساني في خطابه الذي ألقاه في احتفالية الذكرة الخامسة والستين لعيد الشرطة المصرية، حاول قائد الانقلاب، لسبب في نفس يعقوب، الدفاع عن قضية المطلقات باعتبار أن الأمر استفحل في السنوات الأخيرة، وهو في ذلك يحمل المسؤولية ل"ثورة" المصريين التي انقلبت غما على الفرد والمجتمع ومبرئا نفسه من التداعيات الاجتماعية والنفسية لاستيلائه القسري على الحكم ولسياساته الاقتصادية الضاربة لمكتسبات عموم الشعب خارج "الفئات الآمنة" من جيش وشرطة وقضاء وبعض من رجال الأعمال. 

القضية هامة وتستحق من يدافع عنها ويبحث لها عن حلول وآليات توفق بين الشرع وبعض من متطلبات ضبط الممارسة وتأويلها لما يحفظ الأسرة من الشتات. لكن "المحامي" الذي أنبرى لل"دفاع" عنها "مش مالي عين الزبون ولا المحكمة". كل ما يملكه أداة بطش يضرب بها وآلة إعلامية تطبل ل"إبداعاته" التي تكاد تكون "ابتداعات". مشكلة السيسي أن لا أحد يثق شخصه ومراميه بشكل يمكنه من تصديق أن "دعوته" لتوثيق الطلاق مرجعها حرص على الأسر المصرية التي شتت شملها بالقتل والاعتقال والإخفاء القسري.

عندما قال قائد الانقلاب أنه طبيب الفلاسفة لم يصدق أحد ذلك. لكنه في خطاب عيد الشرطة أثبت أن له مكانته بين الفلاسفة والأطباء والمأذونين أيضا. فاستشهاد السيسي بضرورة توثيق الطلاق أمام هيئة رسمية يوما قبل الاحتفال بالذكرى السادسة للخامس والعشرين من يناير  استعارة لم يفهمها كثيرون من قصيري النظر ومنعدمي "المفهومية".

الطلاق الشفوي عند السيسي نكاية على "الثورة" حيث تعبير "ارحل" هو الملك ولو صدر عن فئة "قليلة" صوتها ووجودها في الساحة أعلى من صوت المستكينين. السيسي خبر المفهوم جيدا وهو يعد ل"ثورته" على الرئيس المنتخب، وكل ما وصل اليه من استيلاء على الحكم كان على خلفية تفويض شفهي صدح به بعض من أنصاره فاعتبره تصويتا شعبيا وثقته كاميرات خالد يوسف وغيره قبل أن ينتهي به المطاف متهما بتهريب "مخدرات" استدعت تحليلا للدم قبل البول.

السيسي هو أعرف الناس أن "الطلقة" القادمة بائنة بعد "طلقتين" سابقتين، وفرائس نظامه ترتعد من من ثورة ثالثة لا تحل بعدها مصر لعسكر ولا يحل عسكري لمصر خصوصا وأن قائد الانقلاب لا يكف عن "دلعه" الزائد في مواجهة المطالب الشعبية بالقول أنه أتى بطلب من الشعب ويمكنه أن يرحل إن طالبه ذات الشعب بالرحيل معتقدا أن تخويف الشعب من الإرهاب واللااستقرار يضمن له سكوتا عن دلعه وتجاوزاته.
قضايا الطلاق تبدأ دوما هكذا، فيلم الشقة من (حق الزوجة – 1985) للمخرج عمر عبد العزيز، بينما يستعد سمير للنوم على الكنبة خارج غرفة الزوجية لخلافات تجمعه بزوجته كريمة، تتجه الأخيرة بحزم نحوه وتفاجئه بطلب الطلاق.

كريمة: تسمح تطلقني..

سمير: ايه؟

كريمة: طلقني..

سمير: الله الله، انت اتجننتي؟

كريمة: لأ، أنا عاقة جدا ومن فضلك متلبخشي.

سمير: لا لا، انت أكيد اتجننتي. اسمعي بقا.. أنا خلاص مليت دوشة وخناقات وخناقات طول النهار. أكيد حماتي كانت هنا ولا انت رحت ليها. أكيد هي ايلي شععلتها نار.
........

كريمة: ما دام مش طايقني ولا طايق حاجة في البيت متطلقني يا أخي.

سمير: يا كريمة.. يا كريمة.. ما بلاش تثيري أعصابي وفي ساعة الظهرية بالذات.. انت عارفاني.

كريمة: أعصابك؟ انت كل ايلي هامك تنام وبس؟ طب خلاص ما تريح نفسك وتطلقني.

سمير: اووه يا كريمة.. أنا مش في وعيي دلوقتي.. سيبيني أنام.

كريمة: طلقني الأول وبعدين روح نام.

سمير: حااااضر... أول ما أقوم من النوم حأبقى أطلقك.

كريمة: أنا مش تحت أمرك علشان أستناك.

سمير: انت عايزة ايه دلوقتي؟

كريمة:تطلقني..

سمير: وتسيبيني أنام؟

كريمة: أيوه.

سمير: كده... انت طالق يا كريمة... خلاص استريحتي؟ مبسوطة يا ست هانم؟

كريمة: (بصوت مكسور) أيوه مبسوطة.. مبسوطة جدا كمان.. اخص عليك.

لأجل ذلك، صار التوثيق الرسمي لحلات التطليق غاية عبد الفتاح السيسي على المستوى الشخصي والعام. الانتخابات صارت الفيصل فهي موثقة أمام "مأذون شرعي" هو لجنة الإشراف على العملية الانتخابية و"اكتب يا عم الشيخ.. البلد بلدنا.. والدفاتر دفاترنا" كما قال عم مبروك، شيخ البلد في فيلم (الزوجة الثانية – 1967) للمخرج صلاح أبو سيف، وبالتزوير وإرهاب الناس وتجريف الممارسة السياسية ونشر الإحباط لدى العامة ومنع الترشيحات المعارضة تحقق النتيجة التي لا تختلف في أصلها عن مفهوم "التفويض" السيساوي.

قضى النظام المصري سنوات حكمه في استعادة المنظومة الأمنية واعتقال الناشطين وتوقيف البرامج والمذيعين وتشييد السجون ونشر ثقافة التيئيس وتبخيس العمل السياسي والعام. لكنه لا يزال باحثا عن ذاك الكائن الهلامي الذي أسماه قائده ب"أهل الشر" وكله أمل في إخراجهم من الجحور. صار التظاهر برخصة والتجمع بها وكذلك ستصبح "الثورة" بإذن النظام ووفقا لل"قانون".

داخل مصلحة الشهر العقاري يقف صابر الطيب وأبناء حارته أمام موظفة.

الموظفة: ايه الهيصة ده أنا مش عارفة أشتغل.

صابر: هدي نفسك يا مدام.. احنا كلنا موضوعنا واحد.

الموظفة: اتفضل.. عايز ايه؟ بسرعة.. خلصني.

صابر:أصل الجماعة دول جايين يوكلوني أبيع حقهم في المال العام.

الموظفة: تبيع حقهم في ايه يا خويا؟

صابر: في المال العام. وده سند الملكية.

الموظفة: ايه ده؟ كتاب؟

صابر: ده الدستور يا مدام.

الموظفة: هو البانجو اشتغل هنا كمان؟

وبعد أخذ ورد استضاف مدير المصلحة المحتجين في مكتبه واستغرب أيضا طلبهم بالرغم من تأكده من "رجاحة" الطلب فكان أن كلم الوزير على انفراد وطلب بعدها من صابر وأهل حارته تسليم بطائقهم الشخصية لاستصدار التوكيلات على وعد استلامها في الغد. انتهى المطاف بصابر معتقلا لدى أمن الدولة باعتباره زعيما للتنظيم ومتهما بالخيانة وتحريض الجماهير على نفس العمل في مرافعة ممثل النيابة العامة بالمحكمة قبل أن يضيف أننا "أمام قضية إرهاب فكري وترويج الأفكار الهدامة"، والمشاهد من فيلم (عايز حقي – 2003) للمخرج أحمد نادر جلال.

عبد الفتاح السيسي يتخذ إذن من قضية "حق" سبيلا للركوب على باطل هو أساس نظامه وسياساته. وكل ما في الأمر أن الهدف كان إطلاق "كلابه" المسعورة على شيخ الأزهر الذي أتعبه كما أتعبه كثير من "الإعلاميين" الموالين لمجرد خروجهم عن النص المكتوب بين فينة وأخرى.

السيسي لم يكن يمزح حين قال يوما: "اسمعوا مني ولا تسمعوا من غيري".
التعليقات (0)