كتاب عربي 21

رسائل تركية من بحر إيجه

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600
رفضت المحكمة العليا اليونانية الأسبوع الماضي تسليم الضباط الأتراك الثمانية الذين شاركوا في محاولة الانقلاب العسكري في 15 يوليو / تموز 2016، وهربوا إلى اليونان على متن مروحية عسكرية عقب فشل المحاولة، وطلبوا اللجوء بدعوى وجود خطر يهدد حياتهم في وطنهم. واستنكرت أنقرة هذا القرار الذي يحمي الضباط المتورطين في محاولة الانقلاب الفاشلة، وقالت إنه قرار تم اتخاذه بدوافع سياسية بحتة.

رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس دافع عن قرار المحكمة العليا الذي يتعارض مع المبادئ الدولية، قائلا إن القضاء في بلاده مستقل ولا يجوز للحكومة أن تتدخل في شؤونه، إلا أن هذا التبرير لا يمكن أن يقنع الجانب التركي الذي أرسل إلى أثينا ملفا جديدا بعد قرار المحكمة العليا، وطلب مرة أخرى تسليم الضباط إلى تركيا.  

وبعد ثلاثة أيام من قرار المحكمة العليا اليونانية، قام رئيس الأركان التركي خلوصي آكار برفقة قادة قواته البرية والبحرية والجوية بتفقد السفن الحربية التابعة لأسطول تركيا بقاعدة "أقساز" في بحر إيجه، كما تفقد القادة الأتراك منطقة جزر "كارداك" الصخرية الواقعة بالقرب من الجزر اليونانية.

زيارة رئيس الأركان التركي مع قادة القوات لتلك المنطقة جاءت في ذكرى "أزمة كارداك"، وهي أزمة اندلعت بين تركيا واليونان بعد أن علقت سفينة تركية في منطقة جزر كارداك في 25 ديسمبر / كانون الأول 1995، وزعمت اليونان أن المنطقة تابعة لها، ورفع الجيش اليوناني في إحدى جزرها الشرقية علم اليونان. وعلى إثر ذلك طلبت تانسو تشيلر، رئيسة الوزراء التركية آنذاك، من اليونان إزالة علمها وسحب جنودها من جزر كارداك، معلنة أن القوات المسلحة التركية مستعدة للحرب. ثم صعد جنود من الكوماندوس التركي على جزيرة كارداك الغربية ليلة 30 يناير / كانون الثاني 1996 ورفعوا فيها العلم التركي. وانتهت الأزمة بعد تدخل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون والأمين العام لحلف الناتو خافيير سولانا، وسحبت تركيا واليونان قواتهما من المنطقة ليعود الوضع فيها إلى ما هو عليه قبل الأزمة.

الزيارة التي أقلقت اليونان جاءت أيضا في "يوم المقاومة الوطنية لأتراك تراقيا الغربية". وهو يوم تحييه الأقلية التركية المقيمة في تراقيا الغربية الواقعة بشمال شرق اليونان في 29 يناير / كانون الثاني.

وكانت الأقلية التركية خرجت في 29 يناير / كانون الثاني 1988 إلى الشوارع والساحات في المناطق ذات الأغلبية التركية للدفاع عن حقوقهم والاحتجاج على قرار محكمة التمييز اليونانية بإغلاق "اتحاد المعلمين الأتراك بتراقيا الغربية" و"اتحاد كومولجينه (كوموتيني) للشباب التركي" بحجة أنه لا يوجد أتراك في تراقيا الغربية بل فيها يونانيون مسلمون. وكان القرار القشة التي قصمت ظهر البعير، بعد أن تعرضت الأقلية التركية في اليونان لأنواع الضغوط والتمييز العنصري وإنكار هويتها التركية. 

زيارة رئيس الأركان التركي وقادة قواته البرية والبحرية والجوية لمنطقة جزر كارداك في بحر إيجه تحمل رسائل عديدة لليونان والاتحاد الأوروبي. أولى تلك الرسائل تذكر اليونان بأن العلاقات التركية اليونانية على المحك، وأن أثينا إن كانت ترغب في الحفاظ على الهدوء في بحر إيجه والعلاقات المبنية على المصالح المشتركة وحسن الجوار فعليها تسليم المجرمين المتورطين في محاولة الانقلاب العسكري إلى تركيا لينالوا عقابهم بعد محاكمة عادلة. 

الرسالة الثانية التي أرسلها القادة العسكريون الأتراك من بحر إيجه إلى اليونان في يوم المقاومة الوطنية لأتراك تراقيا الغربية، تلفت انتباه الحكومة اليونانية إلى الأقلية التركية وأن الحفاظ على العلاقات الحسنة يعني استمرار الهدوء في تراقيا الغربية.

المنطقة التي زارها رئيس الأركان التركي وقادة القوات التركية إحدى البوابات التي يدخل منها المهاجرون غير الشرعيين إلى الدول الأوروبية. وبالتالي، وُجِّهت الرسالة الثالثة إلى الاتحاد الأوروبي، ومفادها أن تركيا قد تتخلى عن الاتفاق الذي أبرمته مع الاتحاد الأوروبي للحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى الدول الأوروبية عبر بحر إيجه.

يرى محللون أتراك أن اليونان ليست بذاك الحجم الذي يمكن أن ينافس تركيا في المنطقة، وأن قرار عدم تسليم الضباط الأتراك المتورطين في محاولة الانقلاب الفاشلة تقف وراءه ألمانيا، وأن الرسالة الثالثة وُجِّهت بالتحديد إلى برلين. لأن ألمانيا لها تأثير كبير على القرار اليوناني. ولذلك، من المتوقع أن يوضع ملف الضباط الأتراك الهاربين إلى اليونان وألمانيا على طاولة المباحثات خلال الزيارة الرسمية التي ستقوم بها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل غدا الخميس للعاصمة التركية أنقرة.

* كاتب تركي
التعليقات (0)