كتاب عربي 21

ماذا وراء الدبلوماسية الشعبية لرئيس حركة النهضة؟

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600
كلما قام رئيس حركة النهضة بزيارة ما إلى أحد الدول القريبة أو البعيدة من تونس، خلف وراءه وفي كل مرة أسئلة وشكوكا لدى خصومه وأيضا لدى وسائل الإعلام.

هناك ريبة لدى الكثيرين تجاه كل ما يفعله أو يقوم به، كما توجد اتهامات مبطنة لراشد الغنوشي تحوم حول احتمال أن يكون الرجل يقوم بنوع من الدبلوماسية الموازية للدبلوماسية الرسمية رغم نفيه لذلك في عديد المناسبات.

وكان آخر زيارتين قاما بهما الغنوشي تعلقت الأولى بالجزائر لتكون الزيارة الرسمية السابعة التي يلتقي فيها بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كما شارك رئيس حركة النهضة من جهة أخرى في فعاليات مؤتمر دافوس الشهير وكانت له مداخلة وعديد اللقاءات بشخصيات سياسية هامة.

ويعتبر الشيخ الغنوشي من أكثر رؤساء الأحزاب التونسية نشاطا على مستوى العلاقات الخارجية، إذ لا يكاد يمر شهر إلا وتكون له جولة يلتقي خلالها برؤساء دول أو حكومات أو برلمانات.

وعندما يسأل عن نشاطه هذا يصفه بكونه جزءا من الدبلوماسية الشعبية، ويؤكد بأن ما يقوم به ليس عملا يتم من وراء أجهزة الدولة وانما يحصل بعلم رئيس الجمهورية وبالتنسيق معه.

يقول ذلك حتى يسكت الذين يشككون في نوايا حركة النهضة، ويسعون إلى إثارة الغبار حول علاقاتها الدولية.
لقد شرع الغنوشي منذ فترة طويلة في نسج هذه العلاقات التي تغيرت أهدافها حسب الأوضاع والظروف.

في البداية، وعندما كانت حركة النهضة تمثل جزءا من المعارضة المحاربة من قبل السلطة خاصة في عهد الرئيس بن علي، كان الغنوشي ومن معه حريصين على فك الحصار المفروض عليهم، وذلك من خلال بذل جهودهم الخارجية لإقناع الحكومات الغربية بالخصوص بكونهم يمثلون حركة سياسية سلمية لا علاقة لها بالإرهاب كما كان نظام بن علي يزعم ويروج.

أما عندما وقعت الثورة كثفت الحركة من رسائلها الموجهة إلى تلك الحكومات الغربية والعربية أيضا حتى تهيئها وتجعلها قابلة باحتمال أن يكون الإسلاميون في الحكم في بلد علماني مثل تونس. ثم بعد نجاحهم في امتصاص الرجة التي حدثت داخل الأوساط السياسية الغربية وخاصة الفرنسية عندما كشفت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عن فوز النهضة، تحول الهدف الى طمأنة الغربيين على مصالحهم وترويضهم على القبول بحكومة ائتلافية في تونس بقيادة نهضوية.

تجد حركة النهضة نفسها اليوم في مواجهة تحد جديد. فتولي دونالد ترامب رئاسة الجمهورية في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب المتغيرات السياسية التي يمكن أن تشهدها أوروبا وفرنسا تحديدا اذا ما تعززت مواقع الأحزاب اليمينية.

فالمؤشرات المتسارعة على الصعيد الدولي يمكن أن تهدد ما حققته حركة النهضة من مكاسب على صعيد سياستها الخارجية إذ لا يزال ينظر اليها بكونها جزءا من خارطة الاسلام السياسي رغم تصريحات الغنوشي القائلة بأن " النهضة " قد انتقلت الى دائرة الاسلام الديمقرطي.

ولهذا يحاول الغنوشي اليوم أن يجعل من تونس ومن حركته استثناء قد يجعلهما بعيدين إلى حد ما عن الرياح القادمة التي يمكن أن تعصف بأشياء كثيرة خلال المرحلة القادمة. ولن يتحقق ذلك إلا بتجنب الاصطدام بالإدارة الأمريكية الجديدة، واقتناع الأطراف الغربية الرئيسية بكون حركة النهضة مفيدة للجميع على الأقل في الوقت الراهن، ولا تشكل أي خطر جدي أو محتمل على المصالح الحيوية لهذه الدول سواء أكانت هذه المصالح داخل تونس أو خارجها.

ولعل ذلك قد كان من الدوافع الرئيسية التي جعلت الغنوشي يسعى هذه الأيام إلى أن يبذل جهودا إضافية لتقديم المساعدة على معالجة الملف الليبي الذي يثير حاليا قلق الكثير من الدول وفي مقدتها امريكا والجزائر.

ومن هذا المنطلق تتنزل مساعيه لجعل حركة الاخوان المسلمين وفصائل إسلامية أخرى جزءا من الحل في ليبيا بما في ذلك قبولهم بتسوية قد تكون صعبة ومؤلمة مع حفتر وحلفائه. وإذا ما تحقق ذلك فإن تداعياته ستكون مفيدة لأكثر من طرف وعلى أكثر من صعيد.  
0
التعليقات (0)