قضايا وآراء

اصطفاف الضرورة

قطب العربي
1300x600
1300x600
مهما قيل في تشويه معنى ومبنى الاصطفاف الثوري  فلن يغني شيئا عن ضرورته لتغيير المشهد السياسي في مصر، لقد تعرض هذا المعنى النبيل إلى حملة تشويه وسخرية وتندر ولعن غير مسبوقة، بينما لم يقدم لاعنوه والساخرون منه بديلا للخلاص من حكم العسكر الذي أهلك الحرث والنسل، وباع الوطن، وأفقر المواطنين، وأغلق أبواب الأمل أمام الجميع.

لا تحمل الدعوة للاصطفاف الثوري ضمانة أكيدة لإنهاء حكم العسكر، ولكنها تقدم على الأقل طريقا واضحا ومجربا لذلك، قد يصل إلى النتيجة المرجوة إن أحسن المصطفون السير فيه وفق قواعد مروره، وقد لا يؤتي تلك النتيجة إن تدافع المصطفون أو اختلفوا أثناء السير.

لم يعد الحديث عن الاصطفاف ترفا سياسيا، لكنه واجب الوقت وضرورة من ضرورات الانتصار على الثورة المضادة وانقلابها العسكري الغاشم ، وحين نصفه باصطفاف الضرورة فهذا ليس قدحا فيه ولكنه التقدير الواقعي للحظة التي تحياها مصر، وبشكل عام فإن العمل المشترك سواء في السياسة أو الاقتصاد أو العلوم أو أي مجال آخر إما أنه يتم برغبة حقيقية في تعظيم المكاسب والنتائج، وإما بدافع الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، وفي الفقه الإسلامي قاعدة معروفة "مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، ففي التجارة أو مجال الأعمال عموما قد يكون لديك فكرة لمشروع جبار مضمون المكاسب لكنك لا تستطيع وحدك إنجازه لعدم قدرتك المالية أو الفنية  فتضطر للبحث عن شريك فإن لم يكن الشريك الواحد كافيا فإنك تبحث عن أكثر من شريك، ويتم الاتفاق مسبقا على قواعد الشراكة، واقتسام الأرباح، وحتى طريقة التخارج من المشروع، وفض النزاعات التي قد تنشأ خلال أو بعد فض الشراكة، يمكن أن يكون صاحب فكرة المشروع  قادرا على توفير 80 % من احتياجات المشروع لكنه لن يستطيع إنجازه إلا إذا تمكن عبر شركاء من توفير الـ20% المتبقية، ولا يمكن لصاحب فكرة مشروع يمتلك 20% من إمكانياته أن ينجز مشروعه إلا إذا تمكن من إدخال شركاء يغطون النسبة الباقية (80%) ، وفي العمل السياسي فإن الواقع يقول إن كل حزب أو جماعة تسعى لتحمل المسؤولية منفردة، وهذا أمر مشروع ، وهو الأفضل لتحقيق النتائج، وتجنب المشاحنات، فحين تكون هناك حكومة تنتمي لحزب أغلبية واحد تكون أكثر استقرارا وعطاء على خلاف الحكومات الائتلافية والتوافقية، ولكن في بعض الأحيان لا يستطيع حزب أن يشكل حكومة منفردا فيضطر لتجرع السم لقبول شراكة مع أحزاب أخرى كان يلعنها ويرفض التعاون معها، وفي العمل الثوري الذي يستهدف تغيير المشهد تغييرا جذريا، حبذا لو كانت هناك قوة واحدة (غير عسكرية) قادرة على إحداث هذا التغيير لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، وقد أثبتت التجربة المريرة في مصر على مدار السنوات الست التي أعقبت ثورة يناير وبشكل أخص عقب انقلاب الثالث من يوليو 2013 أنه لا توجد قوة منفردة قادرة على تحقيق أي تقدم، حتى وإن كانت قادرة على تقديم بطولات تسجل في كتب التاريخ للصمود والثبات.

وكما في التجارة يحدث أيضا في السياسة ، فحين تحتاج إلى شراكة تجارية أو سياسية فإن على كل الشركاء تقديم تنازلات وتطمينات لبعضهم حتى يمكنهم تحقيق المكاسب والنجاح المشترك، قد تكون التنازلات محرجة، قد تكون مؤلمة، ولكنها تشبه الدواء المر الذي يحتاجه المريض لعلاج مرضه، وعلى الجميع أن يدرك قيمة التنوع، وتعدد مصادر القوة التي يمتلكها معسكر الثورة، من قوة بشرية وإعلامية ودينية وفنية واتصالات دولية، وحين تجتمع عناصر هذه القوة ( التي يمتلك كل طرف بعضا منها)  تحت سقف واحد فإنها قادرة على تغيير المشهد السياسي في توقيت قصير.

ومرة أخرى فإن الاصطفاف لا يعني الذوبان في الغير أو التماهي الكامل معه، كما لا يعني تنازلا عن ثوابت شريطة أن يتم تحديد هذه الثوابت بدقه، كما أنه ينطلق بالأساس من قاعدة العمل في المجالات المشتركة"نتعاون فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه" والمشتركات بين قوى الثورة أضعاف الأمور الخلافية التي يمكن الاتفاق على العودة بشأنها للشعب لحسم أي خلاف لا يصل الفرقاء إلى صيغة توافقية بشأنه، ويمكن الرجوع للشعب -مصدر السلطات- لحسم قضية الشرعية التي تعد أكبر القضايا الخلافية بين القوى الإسلامية والقوى الليبرالية واليسارية.

لقد أثبتت خبرة التاريخ أن مصر تدور بين قوى ثلاث هي العسكرية والإسلامية والليبرالية (ومعها اليسار)  وحين تجتمع قوتان منها فإنهما يهزمان القوة الثالثة، وقد سجل التاريخ نموذج اتحاد علماء الأزهر وتلاميذهم وأرباب الحرف والتجار والمثقفين في وجه المماليك الذين كانوا يمثلون القوة العسكرية ، وفي ثورة يناير حين اتحدت القوتان الإسلامية والليبرالية تمكنتا من إسقاط رأس الحكم العسكري ( وإن لم تتمكنا من إسقاط بقية جسده) وحين اتحدت القوى الليبرالية مع العسكرية بعد ذلك تمكنتا من إسقاط القوة الإسلامية، ومعادلة يناير لا تزال قابلة للتكرار اليوم مجددا بعد ست سنوات على تلك الثورة التي أثبتت القدرة على التغيير بعد يأس طويل رسخه حكم العسكر عبر ستين عاما.
1
التعليقات (1)
م\عبد المعطى ذكى
الثلاثاء، 24-01-2017 09:51 م
مقال جيد شارح للمصطلح بطريقه مدرسيه مبسطه تقربه الى افهام غير المتخصصين أقرظ الأستاذ قطب عليه ولكن السؤال ماذا بعد - ماذا عن وثيقة المبادئ التى لم تصدر بعد بطريقه رسميه ونشرت مبادئ عامه على صفحة الأستاذ رامى لا يمكن اعتبارها وثيقه رسميه - اهمية الوثيقه أنها ستكون بمثابة خارطة طريق وارجو ألا تكون تكرارا لوثيقة الجمعيه الوطنيه للشعب المصرى التى لم تصدر رسميا ايضا - تأخير النشر يثير القلق ويوحى بعدم وجود إجماع على المبادئ التى ستجمعها الوثيقه -- لعل المانع خير