قضايا وآراء

عبد الناصر.. الدعاية الكاذبة والمجد الزائف

هشام الحمامي
1300x600
1300x600
15 يناير ذكرى ميلاد من أطلق عليه الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور: (ذو الوجه الكئيب) ذو النظرة البكماء والأنفِ المقوس والندوب/ذو المشية التياهة الخيلاء تنقر في الدروب.

البكباشى جمال حسين عبد الناصر, البعض قد يتصور أن لي مشكلة شخصية مع البكباشى كأن يكون اعتقل أحد أقاربي أو أمم أملاك أحدهم أو ما إلى ذلك مما قد يصنع خصومات، لكن الأمر ليس كذلك، فلا يوجد شيء مما ذكرته أولا على الإطلاق، مشكلتي مع البكباشى أنه أسس لكل العوار الذي تحياه أمتنا الآن على كل المستويات، سياسيا أسس لدولة المخابرات, اجتماعيا أسس للفقر، تعليميا أسس للجهل، فكريا أسس للضحالة.

سنقف قليلا عند كتاب هام كتبه الحكيم البشرى (المستشار طارق البشرى) عنوانه (23 يوليو والديمقراطية) وسنرى كيف كان يرى الضباط الأحرار -وفي القلب منهم ناصر- مصر وشعبها وحكمها.

من أكثر الأمور التي ستجذب انتباهنا في الكتاب، هو سخط ناصر على الجميع ممن حوله وتنقله بين العديد من الأحزاب والحركات السياسية والجمعيات ثم استقلاله هو وزملاؤه عنها وتكوين حركة (الضباط الأحرار) متجاوزين فيها أي خلافات أيديولوجية بينهم وقصر أهداف الحركة على نقاط اتفاق عام وهو ما لم يحدث في الحقيقة فقد ظل كل منهم على ولائه الأيديولوجي والعقائدي وإن تميز عنهم (ناصر) بقصر الولاء والانتماء (للنفس) وما تحويه من عقد وصراعات لم يتصالح أبدا معها وظل يحملها في رأسه وفي قلبه أيضا. 

يرصد الحكيم البشرى بعين المؤرخ والمفكر أن (ناصر) بعد أزمة مارس 1954 وحين ينتهي من كل خصومه الحقيقيين والمحتملين, يكون قد جمع في قبضة يديه بين السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) محركا إياها بواسطة الجهاز الأهم والأخطر في (بلد بيروقراطي شديد المركزية) وهو الجهاز الإداري للدولة. 

هيمن هو ودائرته المغلقة على السلطة (التنفيذية) مباشرة بتعيين (رجاله) سواء من ضباط الجيش أو المدنيين ممن أطلق عليهم (أهل الثقة) وزراء في الحكومات المتتالية.

واستولى على السلطة (التشريعية) وهيمن عليها في السنوات (القليلة) التي تشكل فيها مجلس نيابي وذلك بإصدار قانون انتخاب يشترط لقبول أوراق المرشح في المجلس أن يكون عضوا في التنظيم السياسي الذي أنشأه النظام نفسه (الاتحاد القومي حتى عام 1962 ثم الاتحاد الاشتراكي) وليتحكم النظام في هذا التنظيم تحكما تاما من إصدار لائحته الداخلية وتعيين قياداته مع سقوط عضوية النائب بالبرلمان إذا سقطت عضويته في الاتحاد الاشتراكي!!! أما في السنوات التي مرت بدون وجود مجلس نيابي فكانت التشريعات تصدر مباشرة باسم رئيس الجمهورية الذي اختصر فيه (رمز) الدولة و(قيمتها )أولا وآخرا!!

ستتم السيطرة على السلطة (القضائية) تماما بطريق مباشر وغير مباشر (بهيمنته على السلطتين التشريعية والتنفيذية) فصار من بيده إصدار القوانين والتشريعات هو من بيده (تعيين القضاة) وعزلهم بواسطة وزير العدل فاكتملت بذلك عناصر (الهيمنة التامة) على القضاء وسيطر عليها كذلك بشكل مباشر عن طريق إنشاء (المحاكم الاستثنائية) لمحاكمة رموز المعارضة السياسية للنظام ورموز السياسة في العصر السابق بشكل عام ممن أطلق عليهم وقتها (أعداء الثورة) هذا إلى جانب الاعتداء الصارخ على (القضاء) بإعادة تشكيل (هيئات المحاكم) بقانون جديد للسلطة القضائية فيما عرف بمذبحة القضاء.

أما الأزمة الكبرى- والكلام للحكيم البشرى- فقد نشأت من البداية بإنشاء العديد من الأجهزة الأمنية لإحكام السيطرة على (حركة المجتمع) ومراقبتها. فتحولت هذه الأجهزة المخابرات الحربية والمخابرات العامة والمباحث العامة والتنظيم الطليعي الذي كان ظاهره سياسيا وباطنه أمنيا إلى مراكز قوى كبيرة داخل مؤسسة النظام تحكمت في الإدارة العامة للبلاد بشكل فاضح وفج, بل وتحاربت فيما بينها في محاولة كل منها فرض هيمنته على الأجهزة الأخرى أو مشاركتها مساحة عملها, هذا الشكل من الحكم ولكي يحقق فاعليته اعتمد بوعي شديد القسوة والشراسة والاستباحة للدم والمال والعرض على ظاهرتي الأمن والإعلام والقضاء الاستثنائي ليهيمن النظام/الدولة، هيمنة تامة على سائر الأنشطة في المجتمع باحثا عن (حماية نفسه) لم يتم ذلك عبر طرح ما هو شرعي وحقيقي -كما يقول الحكيم البشرى- متمثلا في (الحريات الخاصة) و(حقوق الشعب) فرادى ومجموعات وليس عبر (التنظيمات السياسية) و(الأحزاب) التي ستكشف حركة الاجتماع البشرى وتقيس طبقاته ومصادر قوتها وأسباب اتساعها وانحسارها .فرغم أنه كان تنظيميا بامتياز إلا أنه كان شديد الحرص على تفكيك المجتمع إلى قطيع من الأفراد يعيشون حياة خبزنا كفافنا.
                                                                       
في كتاب (الزحف المقدس أحداث 9/10 يونيو 1967) يقول د/شريف يونس -الماركسي الميول- حينما خرج المصريون إلى الشوارع مطالبين جمال عبد الناصر بالتراجع عن قرار التنحي كانت هذه الحشود تعكس شعورا ووعيا متراكمين عبر 15 سنة من حكم عبد الناصر ومن ألحقهم بنظامه من المدنيين والعسكريين الآخرين. شُكلت بالفعل أذهان الناس وعواطفهم وتوجهاتهم باستخدام تعبئة أيديولوجية متواصلة وكانت نتيجتها هي تحرك الناس على هذا النحو الفريد في تاريخ (الهزائم الكبرى) للأوطان ويعبر مفهوم الزحف المقدس عن فكرة وردت في كتاب (فلسفة الثورة) ترى الشعب المرغوب فيه شعبا (مفككا) إلى عناصره الأولية يسير أفراده ومؤسساته وراء (الضابط ) كرجل واحد كما هو الحال تماما في الاستعراضات العسكرية.

ويضيف أن شعبية عبد الناصر هي في أساسها صنيعة الدعاية التي قامت باللعب على الانتصار السياسي الزائف في معركة تأميم القناة 1956م والتضخيم من المكاسب التي حققتها في الأساس الطبقات الوسطى (لا الفقيرة) من أجل تصوير النظام باعتباره نظام الفقراء والكادحين.

عاش الناس في دولة البكباشى كما لو أنهم كالقطيع الذي يمكن سوقه بلا وعي, ويرددون ما قاله صلاح عبد الصبور على لسانهم خوفا وهلعا من ذي الوجه الكئيب، ذي المجد الزائف:

أنت الزمان

أنت المكان

أنت الذي كان

أنت الذي سيكون في آتي الأوان
0
التعليقات (0)