قضايا وآراء

يناير.. ثورة لم تفشل

طارق الزمر
1300x600
1300x600
في الذكرى السادسة لثورة يناير؛ يحاول البعض، مدفوعا بقوى الثورة المضادة ومتأثرا بالأجواء التي تسعى لإشاعتها، الترويج بأن يناير قد هزمت، وأنها فشلت في تحقيق أي من أهدافها، وذلك لإشاعة أجواء الإحباط، والوصول بشعوبنا إلى حالة من اليأس من التغيير، ومن ثمّ الاستسلام للأمر الواقع مهما كانت مرارته.

وبكل أسف، فقد انتشرت هذه الدعاية داخل بعض قطاعات الثورة، وذلك من خلال قراءات متعجلة للنتائج، وتقارير تفتقد إلى حد كبير للرؤية الشاملة لطبيعة الثورات ومراحلها وطبيعة تفاعل الشعوب معها. وفي ضوء كل ذلك تم إهمال النتائج الكبرى التي حققتها ثورة يناير والواقع الجديد الذي أنشأته، فضلا عن إهمال التقييم الاستراتيجي للتحولات التي أحدثتها والانتصارات التي حققتها والتي تجعلها بمثابة قفزة استراتيجية كبيرة، وأن نتائجها غير قابلة للعودة للخلف، وهو ما يجعلها مؤهلة للاستمرار مهما كانت العقبات.

هذا المنطق الاستسلامي الذي يجري ترويجه لا يمكن قبوله؛ لأنه يتجاهل أن يناير قد هزمت أسوأ طاغية في منطقة الشرق الأوسط، وجعلته عبرة لكل الطغاة ومضربا للأمثال، ولأنها جعلت أبناءه وأركان حكمه وقادة حزبه لا يزالون في مخابئهم، وإن خرجوا أو ظهروا فوفق إعدادات وتجهيزات خاصة تجعلهم في مأمن من غضب الجماهير، ولأنها وحدت الشعب لأول مرة حول مطالب جامعة على رأسها ضرورة إسقاط النظام وإسقاط الظلم والتخلص من الفقر.

كما أن يناير لم تفشل، لأنها نجحت في جعل الحرية والكرامة لأول مرة واقعا معاشا على أرض مصر مدة عامين ونصف رغما عن دولة الاستبداد التي اضطرت للتواري طوال هذه المدة خلف أجهزتها العميقة بل وتحت الأرض.

يناير لم تفشل، لأنها نجحت في فضح الفساد الذي عانى منه شعبنا طويلا، كما كشفت أوكاره ورصدت منابعه وحركت كوامن الغضب الشعبي ضده.

يناير لم تفشل، لأنها جعلت الطبقة السياسية تعرف بعضها بعضا في شهور الحرية القليلة، وتعرف أن الخلافات بينها ليست كبيرة وليست هي سبب فرقتها، بل هناك طرف ثالث يعمل على زرعها وتعميقها، لأنه المستفيد الوحيد من ذلك.

يناير لم تفشل، لأنها نجحت في إجبار محترفي تزوير الانتخابات على أن يديروا، لأول مرة خلال 60 عاما، انتخابات نزيهة وشفافة اكتشف فيها الشعب نفسه، واكتشف العالم كيف أن شعبنا يتلهف إلى أن يحكم نفسه بنفسه وهو يزاحم الديمقراطيات الكبرى حول صناديق الانتخاب.

يناير لم تفشل، لأنها نجحت في إجبار النظام العسكري الصارم على أن يقبل لأول مرة برئيس مدني، واضطرت قادته إلى أن يؤدوا له التحية ويتأدبوا في معاملته، رغم كراهيتهم الشديدة لذلك، بل كانوا يتمنون الموت على أن يفعلوا ذلك.. لكنهم فعلوا.

يناير لم تفشل، لأنها نجحت في تفتيت النواة الصلبة للنظام الاستبدادي، والتي فشلت كل محاولات إعادة بنائها حتى الآن، كما أنها فككت صواميل قاطرة الاستبداد، فهي تسير اليوم مضطربة مترنحة لا تعرف طريقها، وإن عرفته فقد فقدت التحكم والسيطرة.

يناير لم تفشل، لأنها نجحت في فرض منطق وأسلوب الثورة الشعبية على الساحة المصرية، وعلى ضمير كل دعاة التغيير في مصر، ولولا ذلك لخاضت البلاد في بحور من الدماء سواء في فترة المجلس العسكري أو فترة ما بعد الانقلاب العسكري.

يناير لم تفشل، لأنها نجحت في فرض احترامها على الجميع، حتى الذين تحالفوا مع العسكر ضدها، بل إن النظام الذي جاء ليهدمها لم يجرؤ على أن يواجهها، بل اضطر إلى أن يعلن احترامه لها في صدر دستوره.

يناير لم تفشل، لأنها نجحت في جعل الطغاة يخشون الشعب ويتحسبون غضبته، وذلك بعد أن كان رقما مهملا لا يأبه له الحكام، ولهذا فهي لا تزال الهاجس الأول للنظام الحالي، ولا يزال يتحسب لها ويعمل على تطويقها في كل قراراته وإجراءاته السياسية والاقتصادية والأمنية والمخابراتية، بل والعسكرية، حتى نشر الجيش في كل الشوارع والميادين.

يناير لم تُهزم، لأنها ألجأت النظام الخائف من قوة نفوذها إلى الفجور في الخصومة واستخدام أقذر الأسلحة، وهو يبث تسجيلات المكالمات الخاصة للشخصيات العامة ورموز الثورة، في محاولة لتكريس الانقسام بين صفوفها، وفرض حالة عامة من الركوع، والعمل على محاصرة شعبيتها المتوقع تمددها في كل لحظة.

يناير لم تُهزم، لأنها اضطرت النظام إلى تجاوز كل الخطوط الحمراء، وهو يبث تسجيلات خاصة لرئيس أركان القوات المسلحة، في تهديد واضح لكل قادة الجيش الشرفاء الذين تأثروا بثورة الشعب، وتحذيرهم بأن نظام السيسي يتنصت عليهم ويتعقبهم وأنه لن يسمح لهم بالإطاحة به.

يناير لم تفشل، لأنها نجحت في وضع منظومة الاستبداد، وكل أنصارها في بلادنا، في مأزق حرج ستظل تعاني منه إلى أن تزول أو ينصلح حالها.

يناير لم تفشل، لأنها نجحت في إيجاد جيل لا يزال يعمل على تحقيق كل أهدافها، كما زرعت حلما ينمو يوميا في وعي ووجدان الشعب، وأصبح مهددا لمنظومة الاستبداد بالتفكيك في كل لحظة.
التعليقات (0)