قضايا وآراء

أسئلة من دفتر جزر تيران وصنافير

عبد الله الأشعل
1300x600
1300x600
فاجأت الحكومة المصرية المجتمع المصري بإعلانها أن جزيرتي تيران وصنافير قد وقعتا في المياه الإقليمية السعودية بعد ترسيم الحدود بين البلدين، بل أكدت أن الجزيرتين لم تكونا يوما مصريتين، وأن علاقة مصر بالجزر كانت في عهدتها أمانة واجبة الرد، وأن هذه الحكومة بسبب سموها الأخلاقي، دون سائر حكومات مصر عبر التاريخ، لا يسعها إلا أن ترد الجزر حتى لو لم تطلبها السعودية الآن حياء.

ولكن الحكومة السعودية فاجأت الحكومة المصرية بتأكيدها على لسان الملك سلمان وسفيره فى القاهرة بأن الجزر هدية لقاء ما تقدمه السعودية من دعم واستثمار، وليست الجزر سعودية.

كان واضحا أن قرار التبرع بالجزيرتين سياسي أملته مشاعر الامتنان للشقيقة الأكبر؛ للشقيقة التي صارت الأصغر في المنطقة. وكان المدهش الثالث في الملحمة هو استماتة الحكومة ومناصريها وإعلامها وأذرعها في أن ترغم الناس قهرا بأن الجزر سعودية دون أن تقدم السعودية نفسها شيئا، بل إن كتبها وأطالسها تشير إلى أن الجزر مصرية، لأن المسألة تتعلق بمصداقية السلطة وتأكيدها عدم التفريط في ذرة من تراب الوطن، ولذلك فإن عدم التصديق تشكيك في ذمة السلطة ومصداقيتها لا تتجزأ، وهذا هو السبب في منع أي رأي بمصرية الجزر رغم أن كل شيء في مصر يقول إنها مصرية، وأبرزها اعتبار الجزيرتين محميات طبيعية بقرار مجلس الوزراء عام 1996، أي بعد ست سنوات من تاريخ المراسلات بين وزيري خارجية البلدين التي أشارت إليها الحكومة.

ورغم تهافت حجج الحكومة وانكشافها، لا تمل من التمسك بذلك ما دام القرار السياسي قائما، ولما صدر حكم محكمة القضاء الإدارى يوم 21 حزيران/ يونيو عام 2016 حاسما بتبعية الجزر لمصر وانعدام علاقة السعودية بها، وأن قرار الحكومة تنازل عن أرض مصرية، وهو تصرف باطل، وتوقيعها على الاتفاق الناقل للجزر إلى السعودية توقيع على جسد ميت، فيبطل التوقيع لبطلان التصرف، فإن الحكومة طعنت على الحكم أمام الإدارية العليا. وفي تلك الأثناء انطلق دعاة سعودية الجزر بحرية كاملة وبدعم كامل من الحكومة ووزاراتها، بينما منع المؤكدون لمصريتها، وراح دعاة الحكومة يبالغون في موقفهم العجيب، وبلغ الهوان أن حرّفوا القانون الدولي.

ويبدو أن الحكومة التي تصر على إغفال القانون والقضاء وإحداث الإرباك بين السلطات سارعت إلى استباق قرار الإدارية العليا، فأحالت الاتفاق على مجلس النواب والدعاوى القضائية تلاحق انتهاكات الحكومة.

في هذه المقالة نريد أن نلخص الموقف حول تيران وصنافير في أسئلة وأجوبة حتى نجلي الموضوع لغير المتخصصين.

السؤال الأول: هل الجزر سعودية أم مصرية؟ ولماذا أعلنت سعوديتها فجأة في أبريل بمناسبة زيارة الملك لمصر؟

الجواب: الجزر مصرية خالصة بالتاريخ والجغرافيا والقانون وممارسة السيادة، أما الإعلان عن سعودية الجزر فقد أكد الجانب السعودية أنه لاعلاقة لها بالجزر، وأنها مقابل الدعم السعودي.

السؤال الثاني: هل قدمت السعودية ما يثبت ملكيتها للجزر وأنها أمانة لدى مصر؟

الجواب: لم تقدم ولم تدّعي أنها سعودية.

السؤال الثالث: قال وزير الخارجية إن القرار الجمهوري الخاص بتحديد خطوط الأساس رقم 27 لعام 1990 لم يشمل الجزر.

الجواب: هذا غير صحيح، وهو تلبيس على الشعب، لأن خطوط الأساس لا تذكر أماكن، ولكن تصلح فقط للتطبيق، والتطبيق هو الذي يحدد الأماكن الداخلية فيها. وقال وزير الخارجية إن خطوط الأساس لسيناء وخليج العقبة ولم تشمل الجزر، والصحيح أن خطوط الأساس لسواحل سيناء وخليج العقبة ويدخل فيها بالطبع الجزر (أرجو مراجعة تفنيدي لأوراق مجلس الوزارء في هذا الصدد في كتابي "الحقائق والأساطير فى مصرية تيران وصنافير" الصادر في تشرين الأول/ أكتوبر 2016 في القاهرة).

السؤال الرابع: لماذا لم ينص الاتفاق مع السعودية على الجزر؟

الجواب: الاتفاق حدد خطوط الأساس المتفق عليها بشكل اتفاقي، بحيث تضع الجزر ضمن الأراضي السعودية خلافا للحقيقة، ولكن الحكومة المصرية أعلنت أن الجزر وقعت في الترسيم الجديد في المياه السعودية، وهذا تنازل صريح عن أرض مصرية بلا مقابل واضح للوطن المصري، فكأن الحكومة تعمل في بيع الأعضاء الإقليمية للأصدقاء وكأنها تملك الأرض والبحر.

السؤال الخامس: تقول الحكومة وحلفاؤها إن علاقة مصر بالجزر بدأت عام 1950، ويقول د. مفيد شهاب إنها علاقة إدارة وليست سيادة.

الجواب: هل معنى ذلك أن الجزر قبل 1950 كانت سعودية أم أرضا لا مالك لها؟ وهل كانت مصر تديرها مطاعم وفنادق، ومن أين كانت السيادة للسعودية والإدارة لمصر؟ وهل يعتبر د. مفيد أن ممارسة مصر أعلى درجات السيادة بفرض آثار حالة الحرب مع إسرائيل على جميع الدول بالقوة من قبيل أعمال الإدارة، فما هي الأعمال التي تعد ممارسة للسيادة عنده؟

السؤال السادس: هل سبق للدكتور مفيد شهاب، أستاذ القانون الدولي، أن كتب أو حاضر وأقر بأن الجزر سعودية قبل نيسان/ أبريل 2016؟

الجواب: سبق لسيادته أن أشرف على رسالة المرحوم الدكتور فكري سنجر عام 1978، وحضرت المناقشة، وكانت حول الوضع القانونى للجزر من زاوية حق مصر في ممارسة حالة الحرب ضد إسرائيل عليها بصفتها مضيقا مصريا داخليا بين شاطئي أرض مصرية، ولم يعترض سيادته، بل إنه أكد مصريتها وحق مصر في إغلاق المضيق، في ندوة الجمعية المصرية للقانون الدولي في أيار/ مايو 1967، وكانت الندوة دعما لقرار عبد الناصر يوم 22 أيار/ مايو بإغلاق المضيق، وهو الذي اتخذ ذريعة للعدوان على مصر. ولم يسبق لسيادته أن أثار هذا الموضوع فى أية مناسبة، ولكن لم ينشط حول سعودية الجزر إلا بعد قرار السيسي بأنها سعودية. وقد فندت ما جاء بمذكرته التي نشرها موقع مجلس الوزراء بكتابي السالف الإشارة إليه.

السؤال السابع: يقول د. مفيد شهاب إن القانون الدولي لا يعرف ملكية الأقاليم لأن الملكية من مفاهيم القانون الخاص لكي يخلص إلى أن السعودية "تملك الأرض ومصر تديرها". وبالإضافة إلى التناقض في أقوله، هل السعودية تمارس الملكية أم السيادة؟

الجواب: يؤسفنى أن أقرر أن القانون الدولي يعرف منذ القانون الروماني ملكية الأقاليم بالإضافة إلى حيازة الأقاليم، وأحيل إلى مؤلف حديث بهذا العنوان صادر عن مطبقة جامعة أوكسفورد عام 2012 لمؤلفيهAlexandra&others  ص342.

كما أن القانون الدولي يميز بين السيادة الإقليمية وبين مظاهرها، وهو الاختصاص، فلا تمارس الدولة سيادتها واختصاصاتها خارج أراضيها، لأن الإقليم هو الوعاء الذى تمارس عليه السيادة فلا معنى لحجة الإدارة والسيادة في حالة تيران، بالإضافة إلى خطئها فى القانون الدولي العام.

السؤال الثامن: يقول د. مفيد شهاب إن القانون الدولي لا يعرف التقادم.. فهل هذا صحيح؟

الجواب: اخترت حجتين يعرفهما أساتذة القانون الدولي مثل Oppenheim – Charle Rousseau- Brownlie-Hackworth,Digest of inernaional law ، حيث أن التقادم فصل أصيل في القانون الدولي، وهناك تقادم مكسب وتقادم مسقط للحق.

وممارسة مصر لسيادتها على تيران، وليس مجرد إدارتها غير المتصورة، مستمرة ومتصلة وفي أعلى صورها في الصراع الإقليمي، ولذلك ليس هذا تقادما، لأن التقادم يرد على إقليم دولة أخرى ويشترط فيه طول المدة والممارسة غير المتقطعة لمظاهر السيادة الهادئة، ولا بد من موافقة دولة الإقليم على الحيازة بنية التملك، وفي هذه الحالة ينقلب التقادم إلى تنازل cession، أما عدم الرضا والاحتجاج فإنه يمنع التقادم، فعلاقة مصر بالجزر هي حيازة وملكية وإدارة وسيادة ولا علاقة للسعودية مطلقا - كما أكد سفيرها- بهذه الجزر.

ولولا أن د. مفيد شهاب أستاذ معروف تخرج عليه آلاف الطلبة في مصر والعالم العربي، وشغل مناصب علمية وسياسية مرموقة، ما علقنا على أقواله، ومعاذ الله أن تكون مراجعة له، فهو مرجع للجميع، ولكن خشيت من تقديم معلومات قانونية مشوشة دعما لقرار سياسي خاطئ لن يُكتب له النجاح، خاصة وأن القانون كان أضعف أرجله ويفضح من يتصدى له.

السؤال التاسع: هل يجوز دستوريا التوقيع على اتفاق يتضمن مخالفة الدستور ويؤدي إلى التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة؟

الجواب: الاتفاق في هذه الحالة محله باطل والموقع لاسلطة له، ولذلك إن مجرد التفاوض والتوقيع مع العلم بالبطلان يعرض المسؤول للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى، وتبطل ولايته حتى لو كان منتخبا، لأن الشعب لم ينتخبه لكي يتنازل عن أرض الأجيال لأي سبب، بل إن من يتمسك بأن هذا التصرف من أعمال السيادة لكي يفلته من رقابة القضاء وهو مدرك لذلك، وأن أعمال السيادة حصانة للأعمال المشروعة تلاحقه هو الآخر تهمة الخيانة خاصة بعد حكم محكمة القضاء الإداري التي أزالت الجهل بهذه الحقيقة.

السؤال العاشر: هل يجوز دستوريا إحالة الاتفاق المعدوم إلى البرلمان أو الاستفتاء لإجازته بحكم العلاقة بين الحكومة والبرلمان؟

الجواب: التوقيع على اتفاق باطل جريمة، وتحريك الاتفاق المنعدم في أي اتجاه مخالفة أخرى واغتصاب لسلطة الشعب في الاتفاق، وقد أجاد حكم محكمة القضاء الإداري في شرح هذه النقطة.

السؤال الحادي عشر: ما مصير الجزر إذا تمكن النظام من تمرير الاتفاق؟

الجواب: الحل هنا في القانون الدولي، حيث يصبح النظام المنتهك للدستور عدة مرات فاقدا للشرعية وتصرفه منعدما، ويصبح الاتفاق باطلا، كما لا يلزم الشعب المصري الذي قهره النظام وتلاعب بالمؤسسات لتمرير تعاقد شخصي ممن لا يملك لمن لايستحق، وكل اتفاق لا يعود على الوطن بالمنعة لا تلتزم به النظم اللاحقة، وتصبح تيران وصنافير في حكم الأراضي المصرية المحتلة.

السؤال الثاني عشر: ماذا لو تغير النظام أو ساءت علاقته بالسعودية؟ هل يجوز للسعودية أن تلجأ إلى التحكيم الدولي كما أشار بعض كبار القانونيين في مصر؟

الجواب: ما دام النظام قد أعطى الجزر للسعودية باتفاق فاسد وباطل بطلانا مطلقا، وأن السعودية اعترفت أن الجزر مصرية يكون الاتفاق في هذه الحالة من عقود التبرع أو الهبة أو البيع بمقابل خاص فيسقط أي ادعاء للسعودية، لأن النزاع في قضية الجزر هو بين الدستور والشعب المصري وبين حكومته، فلا تصلح الحكومة للمحاججة بأن الجزر مصرية إلا إذا تغير النظام بالكامل، كما يجوز للسعودية أن تطالب بما دفعته للحكومة المصرية بصفة شخصية لأنها تعاقدت مع غير ذي صفة، ولا تتمتع السعودية بحماية القانون المصري الذي انتهكته حكومته، ولا تستطيع أن تحتمي بنظرية حماية حق الطرف حسن النية لأنها عندما تعاقدت على محل غير مشروع لم تكن حسنة النية.

السؤال الثالث عشر: لماذا لا يجوز الاستفتاء على اتفاق الجزر ما دام الشعب هو المرجع وهو مصدر السلطات؟

الجواب: لا يجوز الاستفتاء، لأن الرئيس والبرلمان لا يملكان سلطة إحالة الاتفاق إلى الاستفتاء بسبب بطلان الاتفاق لبطلان محله، أي موضوعه، وهو التنازل، كما أن الاستفتاء يعني رأي الشعب الموجود على أرض مصر في هذه الفترة، ولا يجوز لهذا الشعب أن يتنازل عن أرض ملك للأجيال السابقة واللاحقة، وذلك حماية للأرض من بطش نظام على الشعب في فترة معينة، ولو سمح بذلك لتصرف كل شعب في أرض تسبقه وتمتد في الزمن بعده ما دام وعي الشعب وإرادته مغيبة، وإلا لأمكن للمحتل أن يرغم الشعب المحتل على التنازل للمحتل عن أرضه.

السؤال الخامس عشر: هل معنى ذلك أن الدولة لا تستطيع أن ترهن قطعة من أرضها أو تتنازل عنها مقابل معونة أو مساعدة أو رهن؟

الجواب: لا تخضع الأقاليم لنزوات الحكام والضيق الذي تسببت مفاسد الإدارة في خلقه، وإلا لباعت مصر معظم أراضيها لسداد لديون إسماعيل الاستثمارية دفعا للرقابة الأجنبية التي فرضتها الدول الكبرى على مصر، رغم عدم وجود نصوص في دستور إسماعيل 1866. وتقتصر السوابق التاريخية في الرهن والبيع والتنازل على المستعمرات وليس أقاليم الدول المستعمرة. وقد تدخل القانون الدولي لحماية حق الشعوب في التحكم في أقاليمها، فأبطل كل اتفاق يؤدي إلى التصرف في الأقاليم دون رضا الشعب الذي يسكنه، وهو جوهر حق تقرير المصير.
التعليقات (1)
ناصح قومه
الأربعاء، 11-01-2017 12:45 ص
اولا | عندنا كلا من نظامي أل سعود و السيسي في القطرين فاقدين للشرعية و للمشروعية وفقا لكل من المرجعية الاصيلة(نظام في الإسلام) و المرجعية الغرب الحديث(النظام الديمقراطي)؛ خذ عندك هذا مسبقا يا استاذ حتى لا تتفاجأ. ثانيا| مقالك هذا نسف كل مصداقيتك السابقة لدينا؛ لانه كله اغاليط و تعامي عن الحقائق؛ تيران و صنافير حتى قبل اكتشاف المسح البحري المحدد للمجالات كانتا جيولوجيا جزئا من اقليم الحجاز الذي هو غرب الجزيرة العربية قبل ان تظهر كلمة أل سعود و سعودية

خبر عاجل