ملفات وتقارير

ما خلفيات التوتر الحالي في العلاقات السودانية المصرية؟

التقى السيسي والبشير عدة مرات في القاهرة والخرطوم آخرها في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي - أ ف ب
التقى السيسي والبشير عدة مرات في القاهرة والخرطوم آخرها في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي - أ ف ب
تزايد التوتر بين القاهرة والخرطوم في الأيام الأخيرة، وسط تصعيد سياسي وإعلامي سوداني وانتقادات حادة لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي ونظامه، تزامنا مع استضافة السودان وفدا من جماعة الإخوان، وتقاربه مع السعودية التي تشهد علاقاتها بمصر خلافات قوية مؤخرا.
 
وفي أحدث حلقات التوتر بين البلدين، اتهم السودان مصر بالتباطؤ في إطلاق سراح معدّنين سودانيين اختطفهم الجيش المصري من أراض سودانية، ويحتجزهم مع معداتهم المقدرة قيمتها بملايين الدولارات؛ منذ أكثر من عام، كما قام الجيش المصري بالسيطرة على منجم ذهب سوداني قرب منطقة حلايب وشلاتين المتنازع عليها، وفق الاتهامات السودانية.
 
وكان وزير الخارجية السوداني، ابراهيم غندور، قد وصف هذه التصرفات بأنها "خطيرة" و"غير مقبولة"، وهدد، في شهر حزيران/ يونيو الماضي، بأنه قد يستعين بوزارة الدفاع السودانية للمساعدة في الإفراج عن ممتلكات المعدّنين السودانيين وتخليصها من قبضة الجيش المصري بالقوة.
 
وأفرجت مصر في آب/ أغسطس 2015 عن 37 من السودانيين، لكن دون معداتهم، بعد احتجازهم لمدة خمسة أشهر، وجاء الإفراج بعفو رئاسي مصري رداً على قرار مماثل من الرئيس السوداني بالإفراج عن 100 صياد مصري احتجزتهم السلطات السودانية بتهمة الصيد في مياهها الإقليمية.
 
وفي سياق ذي صلة، هاجم الرئيس السوداني عمر البشير؛ الإعلام المصري، ووصفه بـ"الرديء" و"المؤجج للصراعات والمشكلات". وأضاف، في تصريحات لقناة "سكاي نيوز عربية"، الأسبوع الماضي، أن الإعلام المصري روّج لتنظيم انتخابات برلمانية في حلايب بشكل استفز السودانيين، وما سببه ذلك له من إحراج كرئيس أمام شعبه، واضطره، وقتئذ، لاتخاذ موقف قوي لضمان حق السودان في قضية حلايب، على حد قوله.
 
وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، هاجم الإعلام السوداني النظام المصري بسبب وقائع تعذيب تعرض لها مواطنون سودانيون في مصر.
 
وفد إخواني في الخرطوم
 
في المقابل، نقلت صحيفة "الشروق" المصرية عن مصادر أمنية مصرية قولها إن السلطات المصرية مستاءة من عدم احترام الحكومة السودانية اتفاقا غير مكتوب بين البلدين؛ يقضي بعدم سماح كل منهما بممارسة أي أنشطة معارضة على أراضيه، على أن تكون المعاملة بالمثل.
 
وأوضحت أن الأجهزة الأمنية في مصر منعت معارضين سياسيين لنظام البشير مقيمين في القاهرة؛ من تنظيم ندوة تدعو لمناهضة السلطات السودانية مساء الثلاثاء الماضي، لكن في المقابل فإن السودان استضاف وفدا من الإخوان المسلمين في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي "مارس تحريضا ضد الدولة المصرية عبر مشاركاتهم في أعمال منتدى دولي"، وفق الصحيفة.
 
وتعليقا على هذه المشاركة، قال أعضاء بمجلس النواب المصري، إنه سيتم استدعاء وزير الخارجية سامح شكري؛ لمناقشته في كيفية رد الحكومة المصرية على هذا الموقف "المعادي" من الخرطوم.

دعم سعودي للسودان

من جانبه، أشار هاني رسلان، خبير الشؤون الإفريقية وملف السودان في مركز الأهرام للدرسات السياسية، إلى أن السودان اعتمد مؤخرا على التقارب مع السعودية العام الماضي بعد سنوات من القطيعة بين البلدين منذ عام 2009، حينما قاطعت الرياض الخرطوم بسبب التقارب السوداني الإيراني حينئذ.
 
وأضاف رسلان لـ"عربي21" أن السعودية أرادت منذ مطلع العام الماضي أن تكسب حشدا عربيا وإقليميا لحربها في اليمن، حيث اجتمع ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مع الرئيس السوداني عمر البشير "واتفقا على تقديم مساعدات اقتصادية للسودان، بالإضافة لمؤازرة البشير دوليا في قضية المحكمة الجنائية الدولية، مقابل أن يقدم السودان دعما سياسيا وعسكريا للسعودية في حربها باليمن".

وأشار إلى أنه "بالفعل، شارك السودان بقوات برية في عاصفة الحزم، وحتى الآن يشارك فعليا في الحرب، على عكس مصر التي تقتصر مشاركتها على القوات البحرية فقط لتأمين مضيق باب المندب".

ورأى إلى أنه "من الطبيعي أن يميل نظام البشير للسعودية أكثر من مصر بسبب دعم المملكة السياسي والاقتصادي له، وتأكده من أنها أفضل له على المستوى الإقليمي والدولي، مضيفا "كما أن السودان يعتقد أن السعودية ستقف بجانبه ضد مصر في قضيتها الأزلية، وهي حلايب وشلاتين، على غرار تيران وصنافير، وهذا ما يتسبب في الخلافات أو التوترات الدبلوماسية بين مصر والسودان"، كما قال.
 
العداء للإسلاميين
 
وهذا السياق، قال مختار غباشي، الباحث بالمركز العربي للدراسات الاستراتيجية والإفريقية، إن السبب الرئيسي في هذا التوتر مع السودان هو النزاع على مثلث حلايب وشلاتين الحدودي بين البلدين.
 
وأضاف لـ"عربي21": "هناك سبب آخر وأساسي، وهو أن نظام الرئيس السوداني عمر البشير يميل إلى فكر الإسلام السياسي بشكل عام، ومن المعروف أنه قريب من الجماعات الإسلامية، وهذا ما جعل النظام السوداني يستضيف وفدا من جماعة الإخوان المسلمين في الفترة الماضية لأنهم متقاربون فكريا وأيديولوجيا".
 
ورأى غباشي أن "هذا التوجه يؤثر بالقطع على علاقته بمصر ونظامها الحالي؛ لأن رئيسه عبد الفتاح السيسي كاره لفكر الإسلام السياسي بشكل عام، وجماعة الإخوان المسلمين بشكل خاص".
 
وحول تأثير هذا التوتر مع السودان على علاقات مصر مع دول حوض النيل، قال إنه لا يعتقد بأن هذه الخلافات بين القاهرة والخرطوم ستؤثر على وضع مصر الأفريقي أو علاقتها بدول حوض النيل، وخاصة مشكلة سد النهضة مع أثيوبيا، "فهذه الأزمة مرتبطة شكلا وموضوعا بطريقة إدارة مصر لهذا الملف وعلاقتها مع إثيوبيا في الأساس، وليس علاقتها مع السودان"، كما قال.
 
انعكاس للخلاف مع السعودية
 
أما مصطفى كامل، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية القاهرة، فرأى أن التوتر المكتوم بين مصر والسودان هو أنعكاس للخلافات القوية بين مصر والسعودية في الأسابيع الأخيرة.
  
وأضاف لـ"عربي21"؛ أنه في ظل حالة الضيق العربي والحروب السياسية التي تعيشها الدول العربية بمختلف توجهاتها، فإن هذه الخلافات تصبح واردة، خاصة وأن هناك مشكلة نزاع حدودي بين مصر والسودان على منطقة حلايب وشلاتين، لكن الخلافات تتجدد الآن بسبب السعودية وموقفها من مصر.
 
وأكد أن الرئيس السوداني عمر البشير يريد أن يظهر للسعودية وقوفه بجانبها في موقفها ضد مصر، حتى يضمن دعم الرياض له في المحافل الدولية؛ لأنه متهم بارتكاب جرائم حرب ومطلوب جنائيا في المحكمة الدولية، ويحتاج لدعم سياسي في الإقليم، وهو يتصور أن السعودية ستوفر له هذا الغطاء في ظل خلافاتها وتوتراتها مع مصر.
0
التعليقات (0)