كتاب عربي 21

يحذر من حرب أهلية وهو صانعها

سيف الدين عبد الفتاح
1300x600
1300x600
في حديث للمنقلب إبان زيارته للبرتغال لإحدى محطات التلفزة البرتغالية، واصل بث الكثير من أكاذيبه وإفكه، في محاوله لتبرير انقلابه من جهة، وتمرير ممارساته الفاشية من جهة أخرى، والتأكيد على تحاشيه حربا أهلية من جهة ثالثة، وهو في حقيقة الأمر يحاول ضمن هذه الكلمات التي يطرحها أن يغطي ذلك العوار الفاضح وانعدام الشرعية الواضح في اغتصاب حكمه واعتلائه بانقلابه للسلطة. وهو إذ يحاول معالجة ذلك، فإنه يحاول من كل طريق ربط مساراته بالدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، في محاولة لإقناعها بإضفاء شرعنة على منظومة حكمه وتحكمه الباطل.

وغاية الأمر في شرعنة المنقلب لأركان حكمه أنه يحاول أن يرتكز في ذلك على مربع من مفاتيح خطابه في محاولة لتأكيد شرعيته؛ أول هذه المفاتيح يتمثل في إسرائيل والكيان الصهيوني، إذ يعتبر ذلك جواز مروره في عملية شرعنته الزائفة، أما المفتاح الثاني فإنه يتعلق بمقولة الإرهاب المحتمل التي اعتمدها في بدايات انقلابه، أما المفتاح الثالث فهو ما يتعلق بالهجرة غير الشرعية ومحاولته ركوب أمواج هذه المشكلة التي ترتعب منها أوروبا وتجعلها في مقدمة اهتماماتها، أما المفتاح الرابع فيتعلق بخطابه حول الإسلام تحت دعوى التجديد في ممارسته لعملية تبديد كبرى، وفي مداعبة الغرب بإبراز الإسلام كدين وثقافة في سياقات الإدانة وذلك في إطار الحديث عما يسميه زورا وبهتانا بتجديد الخطاب الديني. 

تبدو هذه المسائل كلها تتواكب ضمن مقولة يحاول من خلالها تجميع هذه الخطايا الأربع التي يحاول أن يغطي بها عوار نظامه واستبداد سلطانه وطغيان حكمه، تتعلق هذه المقولة بخطاب الحرب الأهلية الذي يحاول ترويجها من كل طريق، ويتحدث عن نفسه ونظام حكمه الفاشي كصمام أمان في المنطقة، ويحاول أن يوحي بمعنى شرعنة نظامه من خلال اكتساب شرعية دولية مروجا ومسوقا لكل ما يقوم به من أفعال وكل ما يصدر عنه من أقوال، ومن العجيب حقا أن يتحدث هو عن الحرب الأهلية، وما أدراك ما الحرب الأهلية؟!، يستدعيها بفعله ويقول أنه يتجنبها في قوله، ويصنعها بكلامه ويروج أنه يمنعها، إفك ما بعده إفك، أظن أنه رغم إصراره وتكراره لمثل هذا الخطاب لم ولن ينجح في تمريره أو تبريره. 

دعونا إذن نتحدث عن خطابه في الحرب الأهلية الذي صدره منذ البداية مدعيا أن حكم الرئيس مرسي والإخوان كان بالضرورة سيؤدي إلى حرب أهلية، وأنه قام بما قام به لتجنبها، وتجنيب الشعب المصري لويلات تلك الحرب، وفي واقع الأمر لم أعد أتبين كيف يمكن أن يشكل خيار الشعب الديمقراطي مصدرا من مصادر الحرب الأهلية؟!، إلا أن يكون ذلك محاولة منه لدعاية زائفة وصناعة كاذبة في محاولة للحفاظ على مصالح دولته العميقة وثورته المضادة، وحماية تحالف مصالحه الأنانية والدنيئة، هكذا تبدو لنا الأمور فحينما يتعلق الأمر باستحقاقات الديمقراطية وتداول سلطة فإن ذلك ينال من بعض سلطانهم وهو أمر رفض العسكر أن يقروه أو يمضوه، وآثروا إلا أن يقاوموه ويواجهوه حتى لو اقتضى الأمر الانقلاب على كل شيء. 

وغاية الأمر حينما يتحدث هذا المنقلب فيقول بملء فيه أننا لن نتركها، وإن تركناها ولم تصلح لنا، "فلن تصلح لنا أو لغيرنا"، إنها لغة التهديد والوعيد لحرب أهلية يعلنها بلا مواربة ويشعلها بلا هوادة وفق قانون العسكر "يانحكمكم يا نقتلكم"، ووفق قانونهم الآخر "نحن نحكم ونتحكم حتى لو خربناها فإننا من نحكم ونسيطر ولا معقب علينا"، هذه القوانين في الحقيقة إنما هو استدعاء خطير لحرب أهلية يُستنفر فيها الجيش في معركة ليست له وفي مواجهة شعبه، قانون يبشر بالحرب والخراب والطغيان. 
والأمر لا يقف عند هذا الحد بل إن صناعة خطاب يقوم على زراعة الكراهية بين أطياف الشعب المختلفة وبين قواه المتنوعة إنما يعبر عن استدعاء ودق لطبول حرب أهلية، شعارها "إنتو شعب وإحنا شعب"، وفي مقولة جهنمية "يا إحنا يا أنتم"، هذا الخطاب المفخخ الناسف لكل علاقات الجماعة الوطنية ولحمة تماسكها إنما يشكل زراعة ألغام في أرض تهيئة المقام لحرب أهلية طاحنة يقوم فيها الشعب بتمزيق بعضه، ويؤكد أن الأمر الذي يتعلق بطغيان المستبد لا يزال يعتمد صناعة الفوضى طريقة واصطناع الفرقة أسلوبا لتمكين حكمه وتأكيد سلطانه وطغيانه.

والأخطر من ذلك أن يقوم هذا المنقلب ومنظومة حكمه الفاجرة بحياكة خيوط شبكات فساده ومؤسسات استبداده على حساب الكثرة الغالبة من "غلابة" هذا الوطن فيلجئهم مع تدهور حالهم وإفقارهم إلى حالة من الغضب يمكن أن تشكل مصانع لما يمكن تسميته ويشير إليه كثيرون ممن يكتبون في هذا المقام "بثورة الجياع"، وما هي إلا شكل من أشكال الحرب الأهلية حينما يتبنى ذلك النظام الفاسد فاسديه وطبقة من رجال أعمال من مسانديه وسياسة اقتصادية متوحشة لا تقيم وزنا لرجل الشعب العادي الذي يمكن أن يلجأ مع حال إفقاره وتجويعه إلى قدر من العنف المنتشر والممتد وغير المحسوب.

وها هو حينما يتحدث عن أنه يمنع هجرة إلى الغرب فهو بفاشيته وفساد حكمه يُلجئ هؤلاء إلى البحث عن مخارج حتى لو كانت هجرة غير شرعية فيلقون بأنفسهم من شباب وأطفال وأسر كاملة في قوارب متهالكة إلى موارد التهلكة في بحور هائجة لا يأمن فيها أحد على حياته ولا يضمن سلامته، فليس هناك أكثر من ضيق الحال والتضييق على الناس وحرياتهم من أن تكون تلك مسارب لهجرات متتالية حتى لو قال أنه يمنع هجرة 92 مليونا هم شعب مصر. 

ورغم أن الغرب يعرف كذبه وإفكه ويتعاملون معه ليل نهار على هذا الأساس فهم لا يصدقون خطابه إلا في حال تحقيقه لمصالحهم التي لا يتوقف عن أدائها بكل إخلاص وتفان لينال رضاهم السامي، خصوصا وأن من يهاجرون بمن فيهم الأطفال يصلون إليهم ويستقبلونهم ويسعون إلى تحقيق أحلامهم التي يقضى عليها هو وأركان حكمه، (رفض سفر الشقيق المريض للمهاجر الصغير الذي وصل إلى إيطاليا في ظروف بالغة الصعوبة)، كما أن المنظمات الحقوقية الدولية التي أجبر بعضها على مغادرة القاهرة والاستقرار في عواصم إقليمية أخرى تعرض للوضع في مصر بصورة واضحة فاضحة وهم يرون الصورة كاملة، ورغم ذلك يتركونه طالما أنه لا يريد الحديث والحصول على صور فوتوغرافية يثبت بها شرعنته ويقدم في سبيل ذلك الأثمان المرتفعة (في صوة شراء أسلحة) رغم حالة البلد الاقتصادية المتدهورة التي لا تخفي على أحد، إنها حالة ابتزاز متبادل على حساب الشعوب وحياتها الكريمة. 

فمن المؤسف حقا أن يُخوّف هذا الفاشي من شعبه، يخوف شعبه ويخوف به، هذه صنعته، فما ذلك إلا أن يكون شكلا من أشكال حرب أهلية تلوح في الأفق من نظام فاشي بوليسي لا يقيم وزنا لحياة الناس، فيعدم ويعتقل ويقتل ويطارد ويختطف قسريا ويصفي جسديا، ويمنع من السفر من شاء، ويجعل من الجنسية عقوبة، ويحول الوطن إلى سجن كبير، فماذا تسمى حالة عدم الأمن التي تزرع في نفوس الناس ويصب عليها صناعة كراهية، ويحيطها بفقر وإفقار ويسقفها بمنع الرأي وقهر الحرية إلا أن تكون بدايات حرب أهلية بامتياز، ثم يقول ويتبجح ويحذر من حرب أهلية هو المحرض عليها وصانعها.
1
التعليقات (1)
محمد الدمرداش
الثلاثاء، 06-12-2016 08:28 م
هم مجرمون و لكن ...................... نعم الغرب كله مجرم و لكن " يتعاملون معه ليل نهار على هذا الأساس فهم لا يصدقون خطابه إلا في حال تحقيقه لمصالحهم التي لا يتوقف عن أدائها بكل إخلاص وتفان لينال رضاهم السامي " و هنا تكمن الجملة الجامعة التى تعبر عن مشهد الغرب مع كل الشعوب المتطلعة إلى الحريات و أمتلاك زمام أمورها و مصر ليس حالة خاصة بل جزء من كل يكرر نفسه فى بقاع كثيرة من العالم الثالث المسكين .