كتاب عربي 21

"إسرائيل" بين الإخوان المسلمين والدكتور الريسوني

ساري عرابي
1300x600
1300x600
تضمن الحوار الأخير الذي أُجري مع الدكتور أحمد الريسوني، نقدا له على تجربة وخيارات الإخوان المسلمين في مصر من بعد الثورة، وكذلك نقدا لطبيعة الجماعة من جهة "تحوّلها إلى مذهب"، ولكن وبصرف النظر عن القدر من النقد الذي يمكن الاتفاق معه فيه، والصياغات المشكلة والملتبسة التي عبّر فيها الدكتور عن مشاعره تجاه إزاحة الدكتور مرسي؛ فإنه –أي الريسوني- وفي سياق نقده للإخوان أقحم "جمودهم" على الموقف من "إسرائيل" في جملة الموضوعات التي يأخذها عليهم.

والحق أنه لا يمكن القول، إن "إسرائيل" كانت مقحمة تماما على النّص الذي يتناول تجربة الإخوان المصريين، وذلك لأن الدكتور الريسوني، تناول الجماعة نقدا من جهة أخرى سوى جهة تجربتها السياسية من بعد الثورة المصرية، وهي تحوّل الجماعة إلى مذهب، جاعلا معيار وصفها بالمذهب اتخاذ إمام لها على غرار المذاهب الفقهية أو العقدية التي تنتسب إلى أحد الأئمة، ولكن الإخوان المسلمين –كما يرى الريسوني- مذهب ينتسب إلى حسن البنا سياسيا وفكريا.

ثمة إشكالية هنا في المعيار، من جهة تعريف المذهب، فالمذاهب الفقهية والعقدية مدارس كبرى تتجاوز مؤسسيها ويشترك في صياغتها آلاف الفقهاء والعلماء عبر التاريخ، وتخضع لعمليات تحرير وتنقيح مستمر، وقد يكون المعتمد فيها غير قول الإمام المؤسس، فضلا عن أن نصوص الإمام المؤسس لا تتسع لكل الحوادث التي يجتهد فيها فقهاء المذهب، ومما لا شكّ فيه أن هذا لا يخفى على فقيه بوزن الدكتور الريسوني.

وأيضا ثمة إشكالية من جهة تحميل وصف البنا بالإمام فوق ما يتضمّنه الوعي الإخواني، أو الحقيقة المجرّدة، إذ يبدو الريسوني وكأنه يفترض أن وصف المؤسس بالإمام يستلزم بالضرورة بنية مذهبية تابعة، وأيضا من جهة الافتراض بأن الإخوان مقلدون بالمطلق للبنا في كل اختياراته ورؤاه ومواقفه.

في سياقه، لا يخلو ترميز الإخوان للبنا من نزعة تطييف للجماعة بما يجعلها مختلفة بقدر ما عمّا كانت عليه زمن البنا، وذلك حين وضع عملية الترميز هذه في السياق نفسه إلى جانب الصياغات شديدة التسييس والأدلجة التي خضعت لها الجماعة، وبناء تصوّر يستبطن قدرا من التماهي مع الإسلام، ورؤية مُفْرِطة في تقدير الجماعة من ناحية قدراتها وممكناتها.

انتقل ذلك بالجماعة من تيار عام يتّسم بالتدين الشعبي الشبيه بتدين عامة الناس، إلى بنية تنظيمية مغلقة تكاد تقترب من صورة الطائفة التي لها هويّة خاصّة تميّزها عن عامة المسلمين، ولكنها لم تتحول إلى مذهب يقوم على محض التقليد لحسن البنا في اختياراته الفكرية والسياسية.

المشكلة هنا في تضمين الموقف من "إسرائيل" للطبيعة المذهبية المُفترضة للإخوان، بما يجرّده من مقوّماته الذاتية، أو يجرد أصحابه من الوعي به، ويجعله محض تقليد مذهبي لمؤسس الجماعة، أي أن الموقف من "إسرائيل" –كما يُفهم من مقاربة الريسوني المذهبية للإخوان- لا يستحق في ذاته الثبات عليه، ولأن الثبات الإخواني عليه ناجم عن تقليد للبنا، فإنّه خال من أي معالجة إخوانية حرّة طوال العقود الثمانين من عمر الجماعة.

 وإذًا، وكما يُفهم من كلام الريسوني، فإن الموقف الإخواني من "إسرائيل" أشبه بالتقليد الأعمى، ولا يصدر عن وعي مستمر محايث لاستمرار "إسرائيل" في بلادنا ولا ينبني عن إدراك للطبيعة الاستعمارية لهذا الكيان الغاصب، وللمقاربات السياسية التي عزّزت من هذا الوجود، وهي المقاربات التي سبق للدكتور وأن نصح حماس بها!

ولأنّ التقليد الإسلامي الفقهي الموروث قد وُصم في حقبة ما بالجمود، وحُمل ذلك على النمط المذهبي، وما اتصل به من عصبيات وطرائق تدريس وتأليف وفتوى، فإنّ الريسوني قد وصم فكر جماعة الإخوان بالجمود، فهو محض تقليد للبنا، ومن بين الموضوعات الفكرية والسياسية التي جمدت عليها الجماعة تقليدا للبنا، كان الموقف "من إسرائيل"!

ليست الفكرة هنا الدفاع عن الإخوان، والقول إن موقفهم الثابت من "إسرائيل"، (وهو أفضل ما يُحمدون عليه)، نتيجة وعي حرّ مستمر وليس تقليدا للبنا، ولا الدفاع عن الإخوان بنفي الجمود عن فكرهم، أو بنفي أن تكون جماعة طاردة للمفكرين وغير قادرة على إنتاج الفكر والمعرفة، وإنما في خطورة اعتبار الموقف من "إسرائيل" لا يستحق الثبات في ذاته، ثم وصم هذا الثبات بالجمود!

ولأن هذا الموقف موروث من زمن البنا، فلا يمكن القول بأن نقد الدكتور الريسوني يتجه للتكتيك والسياسات العاجلة والمتوسطة، وإنما للموقف من الوجود الصهيوني في بلادنا، فهو ينتقد جمودهم على موقف البنا، لا على سياساته وخياراته، لاسيما وأن الرّجل قد استشهد بعد أقل من عام على إعلان قيام "إسرائيل".

وبما أن لنا الظاهر من كلام الدكتور، وما يحتمله هذا الظاهر، فإن ما يمكن أن يفهم من ثلمه الإخوان المصريين من جهة موقفهم من "إسرائيل"؛ هو قفزة واسعة من الرجل الذي سبق له في العام 2006 أن أفتى لحماس بالصلح مع "إسرائيل" والاعتراف بها، ولكنّه حرّم ذلك على بقية العرب والمسلمين لانتفاء الضرورة التي افترضها من عنده للفلسطينيين، ولكنه ها هو هنا، يعيّر جماعة من العرب والمسلمين بثباتها على موقفها من "إسرائيل"!

لا تتسع هذه المقالة لمناقشة تلك الفتوى التي أصدرها قبل أكثر من 10 سنوات، وهي فتوى بناها على جملة من الاعتبارات من ضمنها فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في ذلك الحين، الأمر الذي يحوّل حماس وفوزها واستمرار حكمها إلى غاية في ذاتها، يُدفع في سبيلها مثل هذا التنازل المدمّر للقضية الفلسطينية.

كانت مرافعة الدكتور أوسع من ذلك، وتتضمن حججا يسهل دفعها كلها، ولكن كان مبتدؤها موضوع فوز حماس بما تمثّله من عودة قوية "للوجه الإسلامي والبعد الإسلامي".

و"تزايد الاعتماد على المرجعية الإسلامية في النظر إلى القضية واتخاذ المواقف فيها"، وهي مقاربة عجيبة جدا، إذ ما حقيقة الوجه الإسلامي في تكرار حماس لتجربة فتح الفاشلة؟! وما هو كنه هذه المرجعية الإسلامية التي يراد منها استكمال منح الفلسطينيين لـ "إسرائيل" الشرعية، مهما كانت أسمار الضرورة والحاجة، وكانت القدرة على الاعتساف في توظيف الأدلة الشرعية؟!

هذه المقاربة، تُجسّد الإسلام في حركة إسلامية، وتجعل مصلحة الإسلام هي عينها مصلحة الإسلاميين، لا مصلحة القضايا التي انطلق هؤلاء الإسلاميون في سبيلها أساسا، وإذا كان الأمر كذلك فإنّ أي تنازل في تلك القضايا هو تنازل لمصلحة الإسلام!

هذا التوثين لجماعات الإسلاميين أخطر وأسوأ من أن يكون الإخوان مذهبا جامدا، ويبدو أن اعتبار المصلحة السياسية لجماعة من النّاس مقصدا شرعيا هو المفتاح الذي يفسّر نقيض الجمود الفكري لدى الدكتور الريسوني.
التعليقات (2)
حسام
الأربعاء، 30-11-2016 09:06 م
الريسوني عليه أن يسمع لمحمد البسيوني المنشد الفلسطيني الطفل البرعم الإخواني ثم يحكم على حماس بل الإخوان ، ثم ماذا فعلت أنت على مستوى المملكة المغربية حتى تتكلم على الأسياد بهذا الأسلوب يقول الشاعر "جزى الله الأيام كل خير بينت لي عدوي من صديقي ......هل تظن أن الإخوان ثور كبير سقط حتى سللت سيف الغدر تطعن فيهم الإخوان يكفيهم فخرا أنهم كشفوا زيف الأنظمة الديموقراطية في العالم أجمع والتي صدعت رؤوسنا بالتعاليم الديموقراطية وعندما تكشف لهم الإنتخابات من يريدون أن يخدموا شعوبهم ينادون الدبابة بعقلية الذبابة التي تفضل العيش على الدم والدموع
مراقب
الثلاثاء، 29-11-2016 10:13 م
للدكتور أحمد الريسوني أن يجتهد ولنا أن نخالفه