قضايا وآراء

عودة توني بلير المرتبكة

هاني بشر
1300x600
1300x600
بثت القناة الرابعة البريطانية دراما سياسية عام 2007 بعنوان "محاكمة توني بلير"، تتنبأ فيها بمصير رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير بعد تركه للسلطة. وقد عرضت في هذا الإطار جوانب استشرافية وتخيلية عن حياته الاجتماعية والسياسية والشخصية، ومنها سكنه في منطقة قريبة من شارع إدجوار رود، حيث الوجود العربي الكثيف في العاصمة البريطانية لندن، ونظرات الازدراء التي تعترض طريق زوجته؛ بسبب ميراث بلير في حرب العراق. 

تتطور الأحداث حتى تصل إلى تقديم أدلة لمحكمة الجنايات الدولية؛ لمقاضاة توني بلير، بتهم ارتكاب جرائم حرب؛ بسبب دوره في هذه الحرب. يتم عرض الأمر في مجلس الأمن بالأمم المتحدة، فتقرر الحكومة البريطانية عدم استخدام حق النقض "الفيتو"، ليتم فعلا إلقاء القبض عليه. 

ظل الأمر في إطار الدراما الخالية المبنية على كثير من الأحداث الواقعية، ولم تصدق بعض السيناريوهات الاستشرافية فيها مثل وصول هيلاري كلينتون للرئاسة بعد فوزها في مواجهة باراك أوباما. إلا أن صعود نجم جيرمي كوربن رئيس حزب العمال البريطاني المعارض العام الماضي جعل الحصار يقترب أكثر من توني بلير عندما أدلى كوربن بتصريحات صحفية قبل عدة أشهر، ولم يستبعد فيها أن يتم التحقيق في الاتهامات الموجهة لبلير باعتباره مجرم حرب.   

رئيس الوزراء البريطاني السابق خرج عن صمته، وانتقد هذه الاتهامات، وهو يعلم يقينا أن الأمر أصبح له قدر من الجدية؛ بسبب إمكانية وصول كوربن لرئاسة وزراء البلاد، وإن بقي الأمر في إطار الاحتمالات. 

كل هذه الأحداث كانت تتم قبل تصويت البريطانيين على استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي، والذي حسم لصالح المطالبين بالخروج، في صدمة أصابت السياسيين والرأي العام البريطاني، ونجم عنها تنحي ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني من حزب المحافظين عن منصبه لتخلفه وزيرة الداخلية السابقة تريزا ماي، الأمر الذي فتح المجال واسعا أمام احتمال انتخابات برلمانية مبكرة يمكن أن تصعد برئيس حزب العمال للحكم أو تمهد الطريق أمام احتمال وصوله للحكم بعد أربع سنوات؛ بسبب الآثار السيئة المترتبة على قرار حزب المحافظين الحاكم المضي قدما في مسألة الاستفتاء وتشجيع عدد كبير من السياسيين في الحزب لخيار الخروج. 

وأمام مثل هذه الاحتمالات، ربما لم يجد توني بلير أمامه من خيار سوى القفز خطوة إلى الأمام وإعلانه العودة للسياسة البريطانية مرة أخرى بشكل غير معروف ملامحه. فرؤساء الوزراء البريطانيين السابقين عادة ما يتم تعيينهم أعضاء في مجلس اللوردات ويبتعدون عن تصدر المشهد السياسي. 

يغازل بلير الرأي العام البريطاني حاليا بطرح قضايا، مثل إمكانية عرقلة تنفيذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عن طريق خيارات أخرى. ويشير بشكل صريح إلى رغبته في العودة إلى السياسة البريطانية، مشيرا إلى أن هناك فئات غير ممثلة سياسيا في الحياة البريطانية ويريد تمثيلها، من دون توضيح كيف سيفعل ذلك. وتعد عودته للقيام بأي دور في حزبه العمال أمرا شبه مستحيل بعد إعادة انتخاب خصمه اللدود كوربن.

إن لتوني بلير بصمات غير إيجابية على الأحداث التي شكلت ملامح العالم العربي خلال العقديين الماضيين بدءا من حرب العراق ومرورا بالقضية الفلسطينية، حيث عمل كممثل للرباعية الدولية، وصولا للانقلاب في مصر الذي يعد أحد المبررين له والمدافعين عنه. 

ولا يعرف الدوافع الحقيقية من وراء عودته المرتبكة للمشهد السياسي البريطاني، وتأثيرها على علاقة بريطانيا بملفات عربية هامة. وهل لهذا الأمر علاقة مباشرة بالدفاع عن نفسه أمام أي احتمالات لتوجيه اتهامات رسمية له بارتكاب جرائم حرب، أم أن الأمر يتعدى ذلك لقضايا أخرى؟ أيا كانت الإجابة، فإن عودة بلير للساحة السياسة البريطانية لن تخرج عن نهج حكمه الذي كان محل انتقاد من قبل كثيرين في العالم العربي وحتى من داخل حزبه العمال.
0
التعليقات (0)