ملفات وتقارير

"السرورية" نِتاج المزاوجة بين الحركية والسلفية

التيار السروري يتمتع بحضور قوي في السعودية حسب دراسات - أرشيفية
التيار السروري يتمتع بحضور قوي في السعودية حسب دراسات - أرشيفية
تُنسب "السلفية السرورية" إلى الشيخ السوري محمد سرور زين العابدين، الذي وافته المنية مساء الجمعة الماضي، في العاصمة القطرية الدوحة، عن عمر ناهز 78 عاما.

تُظهر ترجمة الشيخ وسيرته، سلسلة تنقلاته المكانية والفكرية، فقد انتمى لجماعة الإخوان المسلمين في بدايات حياته، ثم خرج منها أواخر ستينيات القرن الماضي.

وسافر إلى السعودية، وأقام فيها عدة سنوات، ثم غادرها إلى الكويت، وبعدها استقر به المقام في بريطانيا، والتي أسس فيها المنتدى الإسلامي، بمعية الداعية السوري محمد العبدة، وعنه كانت تصدر مجلة "البيان" في مراحلها الأولى.

أسس فيما بعد مركز دراسات السنة النبوية في برمنجهام، وعنه كانت تصدر مجلة "السنة" التي كانت تتضمن أبحاثه ومقالاته الفكرية والسياسية. 

ظهر اسم "السرورية" بشكل لافت إبان حرب الخليج الثانية، على خلفية معارضة رموز الصحوة السعودية (سلمان العودة، سفر الحوالي، ناصر العمر)، لفتاوى الاستعانة بالقوات الأجنبية لتحرير الكويت من الجيش العراقي، والمحسوبة على التيار السروري بحسب باحثين.

فما هي أفكار التيار السروري؟ وما هي منهجيته الدعوية والحركية؟ وبماذا انفرد عن السلفيات الأخرى حتى اكتسب ذلك التصنيف الخاص به؟ وما الذي أضافه للحالة الإسلامية عموما والحالة السلفية خصوصا؟ وما هي طبيعة العلاقة بينه وبين السلفيات الأخرى؟

أصول سلفية وحركية إخوانية

ينتمي التيار السروري في بنيته الدينية إلى الدعوة السلفية، فأصوله العقائدية هي ذات الأصول السلفية، ومنهجيته في فهم الأدلة والاستدلال هي ذات المنهجية الأصولية المقررة عند أهل السنة، بحسب الباحث الشرعي الأردني، الدكتور عصر النصر.

إذا كان التيار السروري يلتقي مع السلفية في أصولها العقائدية، ومنهجيتها الاستدلالية، فما الذي ميزه عن الاتجاهات السلفية الأخرى؟

أجاب النصر: "لعل من أبرز الجوانب التي ميزته عن الاتجاهات السلفية الأخرى، اهتمامه بالجانب السياسي، فقد أظهر التيار وعيا مبكرا بمخاطر الرؤى الغربية للعالم الإسلامي، وفي الوقت نفسه مخاطر المشروع الإيراني على المنطقة". 

وأضاف النصر في حديثه لـ"عربي21": "كان ذلك واضحا فيما كتبه الشيخ سفر الحوالي (أحد رموز الصحوة المصنفين على  التيار)، في كتابه "وعد كيسنجر والأهداف الأمريكية في الخليج"، وفيما كتبه الشيخ سرور نفسه في كتابه "وجاء دور المجوس" والذي نشره حينذاك باسم مستعار (عبد الله الغريب)".

وتابع النصر: "لقد كان موقف الرموز المحسوبة على التيار السروري في السعودية واضحا في معارضته للتوجهات السياسية الرسمية في السعودية بالاستعانة بالقوات الأجنبية، وفي الوقت نفسه معارضا لفتاوى المؤسسة الرسمية الدينية التي أجازت تلك الاستعانة".

وجوابا عن سؤال: هل يؤمن التيار السروري بالعمل الجماعي وله تنظيم خاص به؟ أكدّ النصر أن التيار يدعو إلى العمل الجماعي، مع إيمانه بضرورة العمل التنظيمي، وهذا جانب آخر تميز به عن الاتجاهات السلفية الأخرى.

السرورية والسلفيات الأخرى

في السياق ذاته حدد الباحث في الحركات الإسلامية، حسن أبو هنية طبيعة البنية الدينية والفكرية للتيار السروري بأنها نتاج المزاوجة بين علمية السلفية وحركة الإخوان، يصح معها وصف  التيار بأنه سلفي المنهج إخواني الحركة في صيغته الخاصة به.

وردا على سؤال "عربي21": ما هي طبيعة العلاقة بين التيار وسائر الاتجاهات السلفية الأخرى؟ قال أبو هنية: لم تكن العلاقة بينه وبينها جيدة، بل ثمة خلافات شديدة، ومساجلات ساخنة.

وتابع: "من المعروف أن اتجاه السلفية العلمية لا يهتم بالسياسية ولا يشتغل بها، ولا يؤمن بالعمل الجماعي التنظيمي، بل يراه بدعة منكرة، وهو ما دفع بعض شيوخه ورموزه لمهاجمة التيار السروري، ونبز أتباعه بالخوارج، واتهامهم بتأليب العامة على أولياء الأمور".

وأشار أبو هنية إلى أن التيار السروري بعد معارضة الرموز المحسوبة عليه للاستعانة بالقوات الأجنبية في حرب الخليج الثانية، تعرض لحملة شرسة من قبل التيار السلفي المعروف بـ"الجامية"، وتمت مهاجمة رموزه والتشنيع عليهم بشدة.   

لكن ماذا عن موقف جماعات السلفية الجهادية من التيار السروري؟ أوضح أبو هنية أنها هي الأخرى لم تتسم بالإيجابية، خاصة في تجلياتها الأخيرة المتمثلة في ممارسات ومواقف تنظيم الدولة من الفصائل المحسوبة على التيار السروري.

وتفسيرا لتلك الحالة قال أبو هنية: "لم يكن موقف تنظيم الدولة من تلك الفصائل الموصوفة بأنها ذات خلفية ومرجعية سرورية، راجع إلى موقف عقائدي مسبق منها، بقدر استناده إلى تجربة التنظيم الواقعية، والتي خلصت إلى اعتبار تلك الفصائل واقعة في دائرة (الصحوات)".

وأوضح أبو هنية أن تنظيم الدولة هاجم كل الفصائل التي أدرجها تحت المسمى، سواء في الحالة العراقية، كاعتباره الجيش الإسلامي العراقي (بخلفيته السرورية حسب التصنيفات المتداولة) منها، وكذلك كان موقفه من الفصائل المصنفة على السلفية السرورية كأحرار الشام في الحالة السورية. 

التيار السروري في السعودية

تشير دراسات راصدة للحالة الدينية في السعودية إلى أن التيار السروري يتمتع بحضور قوي هناك، وله تأثير واسع على الشباب المتدين في السعودية، وفي هذا السياق ذكر الكاتب السعودي عبد الله بن بجاد أن الشيخ سرور كان "أحد المؤثرين في الساحة من حيث تأثيره التربوي، ومن حيث كتاباته".

وبدوره أكد الباحث السعودي (قيادي سروري سابق في تسعينيات القرن الماضي) عادل الهذول وجود تنظيم للتيار السروري في السعودية، وله حضوره المؤثر في المجتمع السعودي. 

وكشف الهذلول لـ"عربي21" أن فكرة "السرورية" نفسها نسبت للشيخ سرور، الذي كان ينشط بشكل فردي في مدينة أخرى خارج الرياض، لكنها في الحقيقة كانت لمجموعة ناشطين سعوديين بالرياض.

وتابع: "كانت الفكرة تتمثل في سعي أولئك الناشطين لاستثمار إيجابيات حركة الإخوان المصرية، وتجاوز سلبياتها، حيث كانوا ينتقدونها بعدم الاهتمام بالعقيدة التي يسمونها (العقيدة الصافية)، وعدم الاهتمام بالتأصيل الشرعي لأفراد تنظيمها.

وأضاف: "كما كانت لديهم انتقادات أخرى، حملتهم على التحرك والنهوض بتلك المهمة والعمل على نشرها، ولا يُعرف من يقف على رأس التنظيم حتى هذه اللحظة لشدة سريته". 

وأوضح الهذلول أن الشيخين سفر الحوالي وسلمان العودة "كانا رموزا للتنظيم.. لكن تم عزلهما بالسجن، وتم (حرف) التيار السروري باتجاه مقارب لاتجاه الجامية"، على حد قوله.

وجوابا عن سؤال: هل تم تفكيك تنظيم التيار السروري في السعودية بعد حرب الخليج الثانية؟ قال الهذلول: "لم يتم تفكيكه بل تم تحييد سلمان العودة وسفر الحوالي عنه، وتشويه صورتهم أمام التنظيم بقدر الاستطاعة، ولكن لم يكتب لهذه المحاولات النجاح".

يشار إلى أن التيار السروري يصلح نموذجا للتدليل على إمكانية المزاوجة بين اتجاهات إسلامية، مختلفة في أفكارها ورؤاها، يخرج من رحم تلك المزاوجة تيارات أخرى تحرص على الاستفادة من إيجابيات تلك الاتجاهات، والابتعاد عن سلبياتها، لإحياء فروض كفائية هامة غابت عن حياة المسلمين المعاصرة. 
التعليقات (0)