مقالات مختارة

استقالة مع قرار التعيين

فهمي هويدي
1300x600
1300x600
حدث خلاف بين رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس جهاز المخابرات في السلطة الفلسطينية. انتهى باستقالة الأول بعدما أمضى عشرة أشهر فقط من تعيينه في منصبه، رئيس مجلس القضاء سامي صرصور اتهم رئيس المخابرات اللواء توفيق الطيراوي بالتدخل في شؤون القضاء والاعتداء على استقلاله، في حين أن الطيراوي نسب إلى السيد صرصور أنه قام بتعديل مراسيم رئاسية بعد صدورها بالمخالفة للقوانين المعمول بها.

وهذه كلها اتهامات أدانها المجلس الأعلى للقضاء واعتبرها إساءة إلى هيبة القضاء ومساسا باختصاصات السلطة القضائية. إلى هنا والسجال كان مفهوما في أجواء العالم العربي، ذلك أنه حين يختلف أي مسؤول مهما علا مقامه مع رئيس المخابرات ويتعذر التفاهم أو إصلاح ذات البين بينهما، فإن الذي يغادر هو المسؤول في حين يظل رئيس المخابرات من «الثوابت»، طالما كان مرضيا عنه من الرئيس الأعلى.

المستشار سامي صرصور شغل في السابق مناصب قضائية رفيعة، منها أنه كان نائب رئيس المحكمة العليا، ثم أصبح نائبا لرئيس مجلس القضاء الأعلى، قبل أن يصدر مرسوم بتعيينه رئيسا لمجلس القضاء الأعلى في شهر يناير الماضي. وفي دفاعه عن نفسه قال إننا طوال 15 عاما كنا نأمل بالإصلاح وقطعنا شوطا في الفصل بين السلطتين التنفيذية والقضائية، لكن ما حدث أخيرا أعاد الأمور إلى نقطة الصفر. وانتقد موقف رئيس السلطة التنفيذية السيد محمود عباس قائلا إن تدخله لإقالة أو قبول استقالة رئيس المجلس الأعلى للقضاء إجراء غير قانوني. إذ إن المسار الطبيعي يقضي بأن يقدم القاضي استقالته إلى المجلس الأعلى للقضاء، الذي يناقشها بدوره ثم يحيلها لوزير العدل. وليس من صلاحية رئيس السلطة التنفيذية أن يصدر قرارا في هذا الشأن.

استطرد صاحبنا قائلا: عندما تم تعييني رئيسا لمجلس القضاء الأعلى أكدوا لي أن الأمر تكليف وليس تشريفا، وطلبوا مني التوقيع على كتاب استقالة غير مؤرخ، وهو ذات الكتاب الذي تم تفعيله أخيرا لإزاحتي عن المنصب، ذكر ذلك لكي يؤكد أنه لم يستقل ولكن تمت إقالته، للإتيان بأشخاص آخرين للمجلس الأعلى للقضاء «لكي يكونوا أكثر انسجاما مع النافذين في السلطة».

هذه الخلفية كانت مفاجئة للجميع. حيث لم يخطر على بال أحد أن يكون رئيس مجلس القضاء الأعلى بجلالة قدره قد وقع عند تعيينه في منصبه الرفيع على كتاب استقالته. وإذا كان ذلك قد حدث مع أكبر قاضٍ في السلطة. فلنا أن نتصور حدوثه. أو ما هو أكثر منه مع من دونه من القضاة. ثم إن ذلك يفسر كيف أن القضاء استخدم في التلاعب بالانتخابات البلدية التي كان مقررا إجراؤها في الأرض المحتلة يوم 8 أكتوبر الحالي. ذلك أن محكمة العدل العليا أصدرت حكما باستثناء غزة من تلك الانتخابات، بدعوى عدم شرعيتها. وكان ذلك قرارا سياسيا من أصداء التجاذبات والمماحكات بين قيادة السلطة في رام الله وبين الوضع القائم في غزة الذي تديره حركة حماس. ثم انتهى الأمر بتأجيل الانتخابات كلها لمدة أربعة أشهر، بسبب خشية سلطة رام الله من فوز حماس في بلديات الضفة الغربية.

حين أقيل السيد صرصور من منصبه، فإنه اعتبر القرار عدوانا على استقلال القضاء ومساسا بهيبته، وتغولا غير مشروع من جانب السلطة التنفيذية، لكنه لم ير شيئا من ذلك حين وافق عند تعيينه على التوقيع على كتاب غير مؤرخ باستقالته.

ورغم أنه نفذ للسلطة ما أرادت (في انتخابات البلديات مثلا)، هو والجهاز القضائي الذي يعمل معه، فإن ذلك لم يشفع له، وألقى به إلى عرض الطريق حين اختلف مع رئيس جهاز المخابرات. وهي قصة محزنة تسلط الضوء على الدور الحقيقي للقضاء في أي نظام غير ديمقراطي، خلاصة درسها الأهم، الذي كثيرا ما ننسى، أنه لا مكان لقضاء مستقل في مجتمع يحكمه الأمن.

الشرق القطرية
2
التعليقات (2)
محمد الدمرداش
الجمعة، 28-10-2016 03:06 م
الاستقلال و السيادة و الصلاحية .............. نظم المؤسسات في أي دولة في العالم تتأثر بحال هذه الدولة سواء أن كانت متمتعة بالاستقلال أو لا تتمتع به و واقعة تحت الاحتلال أو في دائرة تبعية لأن هيكل المؤسسات يكون واقع تحت تأثير الطبقات التي تقود الدولة داخليا و تتعامل مع العالم خارجياً فالدولة المستقلة استقلال مطلق يكون لطبقاتها الحاكمة الهيمنة و وضع تصور هيكل المؤسسات سواء أن كانت ذات صلاحية مستقلة أو منحازة لطبقة دون طبقات و هذا يلازمه درجة من التعسف و الدكتاتورية أما إذا كانت الدولة محتلة أو خاضعة لتبعية فإن التدخلات الخارجية واضحة الأثار في شأنها الداخلي و صلاحية مؤسساتها . و إذا كنا بصدد الوضع الفلسطيني و مؤسسته القضائية و العدلية و انتقال الكيان الصهيوني من احتلال الأرض و الهيمنة على الشعب الفلسطيني إلى محاربة الشعب الفلسطيني في هويته و دينه فمن البديهي أن نجد هؤلاء الذين يمثلون أهداف الصهاينة و أخرون يمثلون الهوية و الدين و سنجدهم مجردين من مؤسسات دولة معلنة تحت الاحتلال و هذا ما يتكشف لنا الأن .
محمد الدمرداش
الجمعة، 28-10-2016 03:06 م
الاستقلال و السيادة و الصلاحية .............. نظم المؤسسات في أي دولة في العالم تتأثر بحال هذه الدولة سواء أن كانت متمتعة بالاستقلال أو لا تتمتع به و واقعة تحت الاحتلال أو في دائرة تبعية لأن هيكل المؤسسات يكون واقع تحت تأثير الطبقات التي تقود الدولة داخليا و تتعامل مع العالم خارجياً فالدولة المستقلة استقلال مطلق يكون لطبقاتها الحاكمة الهيمنة و وضع تصور هيكل المؤسسات سواء أن كانت ذات صلاحية مستقلة أو منحازة لطبقة دون طبقات و هذا يلازمه درجة من التعسف و الدكتاتورية أما إذا كانت الدولة محتلة أو خاضعة لتبعية فإن التدخلات الخارجية واضحة الأثار في شأنها الداخلي و صلاحية مؤسساتها . و إذا كنا بصدد الوضع الفلسطيني و مؤسسته القضائية و العدلية و انتقال الكيان الصهيوني من احتلال الأرض و الهيمنة على الشعب الفلسطيني إلى محاربة الشعب الفلسطيني في هويته و دينه فمن البديهي أن نجد هؤلاء الذين يمثلون أهداف الصهاينة و أخرون يمثلون الهوية و الدين و سنجدهم مجردين من مؤسسات دولة معلنة تحت الاحتلال و هذا ما يتكشف لنا الأن .

خبر عاجل