قضايا وآراء

لتختار فتح بين المصالحة والتصفية!

ماجد أبو دياك
1300x600
1300x600
تدخل القضية الفلسطينية في منعطف حساس وخطر بعد وصول عملية التسوية إلى طريق مسدود، في ظل انفكاك أو تآمر عربي؛ فالموقف الإسرائيلي يتجه نحو مزيد من التشدد، خصوصا في قضيتي الاستيطان والقدس، فيما يغيب الفعل الفلسطيني المعاكس، وتغرق الدول العربية في مشاكلها الداخلية والإقليمية، بشكل يجعلها عاجزة عن الاتفاق على عمل مشترك في مواجهة العدو الإسرائيلي.

ويمكن تلخيص الوضع في هذه الفترة بالتالي:
وضع فلسطيني منقسم بعد استمرار فشل عملية المصالحة بين فتح وحماس، وعجز الطرفين عن تنحية خلافاتهما جانبا؛ للتفرغ للمهمات الوطنية، ومواجهة حالة التغول الإسرائيلية، إلى درجة أن السلطة التي تهيمن عليها فتح عمدت إلى إلغاء الانتخابات البلدية حينما شعرت أن حماس سيكون لها دور مهم في إدارة البلديات، الأمر الذي أثار إسرائيل والرباعية العربية!

 وضع عربي عاجز عن التصدي للتحديات الإقليمية والحرب في سوريا والعراق واليمن وحتى ليبيا. وفي ظل هجمة إيران الطائفية على المنطقة، لجأت بعض الدول لإسرائيل لمحاولة تطبيع العلاقات السياسية معها للاستعانة بها في مواجهة إيران، بعد أن استنكفت الولايات المتحدة عن هذه المهمة. كما أن البعض بات يرى في إسرائيل حليفا في مواجهة الثورات العربية التي تحاول النهوض بعد الضربات التي تلقتها في المنطقة.

كما عملت الرباعية العربية على دعم المنشق دحلان لإزاحة الرئيس عباس أو استبداله في حالة موته لتأمين استجابة فلسطينية للموقف الإسرائيلي المتشدد. حيث ترى هذه الأنظمة أن جعبة عباس باتت فارغة في إبداء نوع من الليونة تجاه الموقف الإسرائيلي المتشدد، فضلا عن أنه عجز رغم كل الجهود التي بذلها عن التصدي لحماس التي تقود مشروع المقاومة في الأراضي المحتلة وشكلت ولا تزال شوكة في حلق الاحتلال في غزة وعملت على دعم الانتفاضة، ولا تزال تنفذ العديد من عمليات المقاومة ضد إسرائيل.  

استمرار التوسع والتمدد الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة والقدس، والشروع بخطوات لاستكمال تهويد المدينة بالتحالف مع اليمين المتطرف، ومواجهة انتفاضة القدس المدعومة من الفصائل المقاومة لاستهداف المستوطنين والجنود في الضفة والقدس بما يشعل الشارع الفلسطيني ضد التغول الإسرائيلي.

ولا يبدو أن حركة فتح في وارد إنجاز تفاهم يعزز عناصر القوة الفلسطينية أو حتى يحفظ للقيادة الحالية دورها ووجودها، كما أنها تغرق في خلافاتها الداخلية حول خلافة عباس فيما تستمر في تطوير وتعزيز تعاونها مع إسرائيل ضد المقاومين، معتبرة أن هذا هو الطريق الذي يحفظ بقاءها.

في خضم هذه التطورات، وفي ضوء الشلل الذي تعيشه القضية، جاءت مبادرة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان عبد الله شلح التي طالبت الرئيس الفلسطيني بأن يعلن وقف العمل باتفاقية أوسلو ومنظمة التحرير بأن تسحب الاعتراف بإسرائيل تمهيدا لإعادة بنائها لتمثل كل الشعب الفلسطيني.

وبلا شك أن هذه الدعوة تشكل سقفا مرتفعا في الساحة الفلسطينية، ولكنها تعتبر حلا أمثل لحالة الشلل في الساحة.

وهي كذلك تقفز مباشرة للب القضية، متجاوزة موضوع السلطة والانتخابات والخلاف حولهما وتتجاوز المحاصصة في الوضع الفلسطيني، وتحاول إعطاء قوة دفع للمشروع الوطني الفلسطيني عبر إلغاء الالتزامات مع العدو وتشكيل حالة مقاومة متفق عليها في الساحة الفلسطينية.

ووضعت المبادرة يدها على أساس الخلل الفلسطيني بحالة الانقسام القائمة، ودعوتها لإطلاق حوار وطني فلسطيني شامل تكون مهمته صياغة برنامج وطني لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني. ورأت أن الوضع يستدعي إعلان حالة التحرر من الاحتلال، عبر المقاومة وتطوير الانتفاضة وذلك بعد فشل عملية التسوية ووصولها لطريق مسدود.

ولتحقيق ذلك على أفضل وجه، دعت المبادرة كل الأطراف العربية لمساعدة الفلسطينيين في مواجهة إسرائيل ووقف الهرولة وراءها (التطبيع). ولكن حال الدول العربية وانشغالها في مجابهة الثورات العربية أو محاولة الحفاظ على نفسها في واجهة أي تطورات من هذا القبيل، لا يؤهلها للقيام بهذا الدور.

 فمصر والسعودية منشغلتان إما بمواجهة الثورة أو تغول إيران في المنطقة، فيما تشهد سوريا والعراق ما يشبه الحرب الأهلية. 

ومع كل هذه المعوقات البادية للعيان، دعمت حماس المبادرة باعتبارها طوق النجاة للمشروع الفلسطيني، فيما اتخذت فتح والسلطة موقفا سلبيا منها وذلك لأسباب معروفة. ومن ناحية ثانية حاول دحلان استثمارها بتأييده لها دون أن يتحدث عن الالتزامات التي وردت فيها وعلى رأسها التخلي عن أوسلو، وهو المشروع الذي يحاول من خلاله الإمساك بالسلطة وإزاحة عباس!

ولا تحظى مبادرة شلح على أهميتها بفرصة كبيرة للتطبيق على الأرض. كما أن التحديات الكبيرة التي يواجهها المشروع الوطني الفلسطيني لم تشكل رافعة لتغيير الوضع الحالي، وذلك ببساطة لأن السلطة غير مستعدة للتخلي عن أوسلو ودعم المقاومة والانتفاضة في ضوء الالتزامات التي وقعت عليها.

ورغم ذلك، يبقى التفاهم الفلسطيني على الانتفاضة والمقاومة هو السبيل الوحيد لإنقاذ القضية من الضياع، وهو ما يجب أن تعمل عليه القوى الفلسطينية، بصرف النظر عن موقف فتح الرسمي.

فلا يبدو أن السلطة الفلسطينية -لاعتبارات داخلية وخارجية- ستنتهز الفرصة السانحة بالتوصل لاتفاق ناجز مع حماس وقوى الشعب الفلسطيني الأخرى، وتلجأ إلى ترتيب البيت الفلسطيني، ودفع الخطر الداهم بتسليم السلطة لدحلان أو لشخصية أمنية أخرى (ماجد فرج)، وربما تحت جناح شخصية سياسية مثل ناصر القدوة.

 ولذاك، ستبقى فتح مهددة بالانقسام والتفتت، كما أن القضية ستظل عرضة لخطر التصفية والإنهاء، عبر مؤامرة فلسطينية-عربية –إسرائيلية مشتركة هذه المرة.
0
التعليقات (0)