قضايا وآراء

في سياق البحث عن داعش والتفكير خارج الصندوق

عبد الحكيم مفيد
1300x600
1300x600
في لحظة تاريخية من اللحظات النادرة التي عاشتها البشرية، وقف الرئيس الأمريكي في حينه جورج بوش الابن، ليعلن أن تنظيم "القاعدة" الذي "فجر" برجي التجارة في نيويورك، هو تنظيم لا يمكن "تحديد حجمه ومكانه"، ولأنه كذلك، "فإن الحرب ضده ستكون مجهولة الزمان والمكان ولا يمكن تحديد معالمها".

هكذا عمليا حدد جورج بوش معالم "المعركة  القادمة"، بدون عنوان محدد، والأهم بدون زمان ولا مكان، وهو ما يمنح المعركة شيئا من القداسة والهالة، وعندما تصبح على هذا النحو، فهي تصبح مبررة بفعل هواجس إيديولوجية تسكن في وعي يعتقد أنه في حرب "بقاء"، حياة او موت.

جاء جورج بوش ذاته ليلخص الحرب على العراق احتلالها تفكيكها  ببساطة متناهية: "لقد اعتمدنا معلومات  استخبارية كاذبة لكن الحرب كانت عادلة"، كان هذا قبل حذاء نتصرىالزيدي بقليل، المسألة إذن ليس الأدلة التي تدينك، أو التي ادامك بها أحمد التشلبي، بل في كون "الحرب عادلة".

كيف من الممكن أن نقارب بين القاعدة والحرب العادلة والبحث عن داعش مؤخرا؟ وهل يجوز أن ننقل ونتناقل ما تروجه وسائل الإعلام، حول المعركة "الحاسمة" التي ستغير وجه المعركة في العراق وسوريا، فيما تدور المعركة الحقيقية والحاسمة فعلا على الأرض ومن الجو بالأساس، تدمير وإبادة سوريا؟

لم يشكك أحد مثل الأمريكيين بشكل خاص بالرواية الرسمية لتفجير الأبراج، ولم يسبق أن استعملت كلمة "مؤامرة"،امريكيا  وعالميا مثلما استعملت في قصة 11 ايلول، وهذا لم يمنع أمريكا والغرب وحلفائهم منذ اللحظة الأولى من اعلان حرب عالمية ثالثة بكل ما تحمل الكلمة من معنى على "الإرهاب"، تبين فيما بعد أنها حرب على الإسلام، والحرب المستمرة بدواعي تلك الحادثة لم تتوقف للحظة واحدة لذات الأسباب، فيما ليس من المهم إذا كانت الرواية التي بنيت عليها كل هذه الحرب، نسفت من القواعد، عند الأمريكيين وليس عند غيرهم.

ذات المسألة تكررت في العراق، وهذه المرة باعتراف أمريكي رسمي من أعلى سلطة في الولايات المتحدة الرئيس الأمريكي، "صحيح" كما قال الرئيس الأمريكي: "المعلومات الاستخبارية كانت كاذبة"، السلاح النووي الذي يهدد السلام العالمي، لكن هذا غير مهم أصلا، لأن "الحرب كانت عادلة"، كما فسر لنا.

في 11 أيلول وفي العراق لم تكن المعلومات الاستخبارية ذات اهمية، ليس ما قالته الرواية الرسمية الأمريكية حول الخاطفين الذي تبين بعد ذلك ان بعضهم كان حي، وليس جواز السفر الذي تم العثور عليه بين الركام كدليل في مكان تبخر به كل شيء، المهم هو تبني الرواية لتبرير "الحرب العادلة"، كيف تخلق أكبر قدر من التعاطف في اللحظات الأولى، بعد الصدمة،أن تتفكك دول وتدمر ويموت الناس بالصواريخ الذكية والتصريحات الغبية هذه  مسألة هامشية للغاية.

لماذا يقودنا الإعلام  العالمي والغربي بشكل خاص مرة أخرى إلى ذات المكان، التفكير بالواقع بالأدوات التي يفرض هو، المصطلحات والأحداث والصور،فتتصدر العناوين المصنوعة بعناية فائقة في غرف الاخبار ووكالات الانباء الغربية، فنتحدث عن "المعركة الحاسمة مع داعش"، ولماذا لا تكون معركة احتلال جديدة للعراق مثلا؟

مرة أخرى تدخلنا "داعش"و"الداعشية" إلى ذات المكان الذي ادخلتنا القاعدة في قصة الابراج والمعلومات  الاستخبارية حول وجود سلاح غير تقليدي في العراق، ويسوقنا الإعلام  العالمي إلى ذات المكان الذي يريد،فهو لم يعد يكتفي بتحديد الأجندة لنا، ولا بالمهم والأقل أهمية، بل أيضا، بطريقة التفكير بالأشياء التي تحيطنا، بالأحداث، المصطلحات، جوهر الصراع، لحظات الاهتمام القصوى.

يقودنا الإعلام العالمي مثل القطيع، يختار لنا ما يريد من الصور والتصريحات، يبني لنا واقعا يبرر الجريمة التي ستحدث بعد حين، يقنعنا بها، لتصبح مفهومة، عندما تكون "المعركة حاسمة"، صرنا نعرف بالسليقة والفطرة ان الجريمة ستكون كبيرة، ولا يمكن ارتكاب الجريمة الكبيرة بهدوء إلا إذا كان الرعب والتخويف وصل مدى يقنع  الضحية ان الجريمة مبررة.

سيقال بعد أو قبل "الحرب الحاسمة"، ضد داعش أنه بدون "إرهاب داعش" ما كان الأمر سيكون، بالضبط مثلنا قيل حين احتلت أفغانستان  وما زالت تدم بحثا عن "القاعدة وعناصرها". 

ألم يقل لو كان "صدام سلم السلاح ما كان شيء ليحدث"، النتيجة نعرفها، وداعش التي كان يقال إنها في كل مكان، تبين أن "المعركة الحاسمة"، ضدها ستكون بالموصل، مع أننا فهمنا مؤخرا، أنها في حلب كما وعد النظام السوري أنه "لن تقوم لها قائمة"، لكن من يدقق في التفاصيل، كلام الليل يمحوه  النهار، وموصل تمحوها "المعركة الحاسمة".

"المعركة الحاسمة" لا تتوقف

منذ 11 أيلول 2001 لم تتوقف "المعركة الحاسمة"، وليس هناك أفق أنها ستتوقف، قبل إنجاز مشروع  التفكيك، "داعش" في هذا السياق ليست إلا البوابة التي تدخل منها "المعركة الحاسمة".

تتسم "المعارك الحاسمة" بأنها تأتي إثر "حالات حاسمة"، تفجير الأبراج السلاح غير التقليدي وجرائم داعش، ولا يهم أن كان ثبت كذب الادعاء فيما بعد، هذه مسألة هامشية للغاية، حين سيتبين أن داعش لا علاقة لها بالإسلام  وأنها أداة صنعت لتبرير عمليات الإبادة والتفكيك في واشنطن، فإن هذه مسألة لن تكون مهمة، وليس من المهم ما نتج عنها من جرائم وإبادة ومحو شعوب ودول، بالضبط كما حصل في العراق وأفغانستان، "الحروب المقدسة" لا تحتاج الى أسباب مقنعة ولا حتى "معلومات استخبارية صادقة"، يكفي أنها "مقدسة" لتبرر كل أشكال الإبادة، والعالم الذي يبكي "آثار تاريخية" و"مقبرة" ولا يأبه لحرق أطفال الكيماوي هو عالم سيفهم كل جريمة ترتكب، ما زال سيحملها لغيره سلفا.

هل يدور الحديث فعلا عن "معركة حاسمة" كما يعرضها الاعلام؟، وكيف تنتقل "المعركة الحاسمة" إلى الموصل في العراق، مع ان معركة إبادة لا تتوقف تدور في حلب سوريا؟.

الإجابة على هذا السؤال مهم لفهم بعض ملامح "معركة كبيرة"، هل ما يقال عن "داعش" هو فعلا واقع المواجهة؟

ألم يأن الأوان أن نفكر "خارج صندوق "،بشأن داعش وما حولها؟.

هذا  السؤال يرتبط  بحالة التفكير التي عشناها مع  11 أيلول والعراق؟، ألم نعتمد أكاذيب روجها الإعلام  الغربي والأمريكي بشكل خاص، وتم ترويجها كحقائق في الإعلام العربي، ثم بنيت عليها مواقف وسلوكيات سياسية واجتماعية؟

هل يمكن هذه المرة أن لا نخضع لـ"الإرهاب الإعلامي " الذي يفرض  علينا عنوة و بالقوة فتكون النتيجة على النحو الذي كان في العراق وأفغانستان  (كنماذج)؟

هل مسموح لنا أن نفكر خارج  الصندوق  وضد التيار ولو مرة واحدة، للأمانة والتاريخ؟

لماذا سمح بعض الأمريكيين لأنفسهم برفض الرواية الرسمية بشأن تفجيرات 11 أيلول؟، ووجهوا تهما واضحة ومباشرة للمؤسسة الرسمية، بل واتهموها بالتأمر والقيام بالتفجيرات لتبرير احتلال أفغانستان  وإعلان الحرب على "الإرهاب"؟

هذه أسئلة ومادة للتفكير بشأن إعادة التفكير بداعش وما حولها؟
التعليقات (0)