مقالات مختارة

لماذا لا يفكر السيسي في السيناريو البديل؟!

جمال سلطان
1300x600
1300x600
في نهايات عصر مبارك لم يكن الاقتصاد في حالة انهيار، ولم تكن الأزمات الاقتصادية خانقة للناس بالصورة الوحشية التي نراها اليوم، والتي يمهد أهل الحكم نفسياتنا للأسوأ منها في قادم الأيام مطالبين بالصبر والتحمل، ومع ذلك قامت ثورة يناير وأطاحت بمبارك ونظامه وحكمه ودستوره وبرلمانه ومؤسسته الأمنية، وصحيح أن ثورة يناير لم تكن لتنجح لولا الدور الذي قام به الجيش ووجود تعاطف سياسي لقطاع مهم في القيادة العسكرية مع مبررات الثورة الشعبية، وخاصة في مسألة تجهيز الدولة للتوريث، ولكن ـ مع كل ذلك ـ أعتقد أن أخطاء مبارك ونظامه ومحدثي النعمة السياسية فيه، كانت هي السبب الأهم في نجاح الثورة وفي تمهيد الأرضية السياسية لطي صفحة مبارك، وأنا هنا سأطرح سيناريو بديلا لما جرى في نهايات عصر مبارك، بل في العام الأخير وحده، ونقارن ونفترض.

في العام الأخير بدا أن مبارك ونظامه ومؤسسته الأمنية، وخاصة داخلية حبيب العادلي، قد وصلت بهم الثقة المطلقة لسيطرتهم على الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية بصورة تامة في البلد، وأنهم جاهزون لكل الاحتمالات والسيطرة على الأوضاع، ولديهم خطط وسيناريوهات بديلة للسيطرة والانتشار، ووصلت الثقة والاسترخاء السياسي إلى حد أنهم أجروا انتخابات هزلية في مجلس الشعب، لم يكونوا بحاجة إلى هزليتها بذلك المستوى المتدني، ولكنه "الضلال السياسي" الذي ينتهي ببعض القادة إلى أن يصنعوا قبور أنظمتهم بأيديهم، فكان أن قرر أحمد عز ومجموعة لجنة السياسات أن يصنعوا برلمانا مواليا بالكامل، وأسقطوا كل رموز المعارضة ومارسوا التزوير بكل فجاجة، واستخف مبارك بالغضب من ذلك وسخر من تفكير البعض في برلمان شعبي، وقال قولته الشهيرة: "خليهم يتسلوا". وهناك إجماع على أن أمرين كانا المحرك والمفجر الأساس لثورة يناير، وكل ما عداهما كان فرعا عنهما، الأول ما جرى في انتخابات برلمان 2010 والتزوير الفج والواسع والهيمنة المطلقة على البرلمان والسخرية من المعارضة بكاملها، وسد كل الطرق أمام "تنفس" المجتمع ضد السلطة تحت القبة، والثاني هو استفحال الممارسات الأمنية الوحشية واستهتارها بحياة الإنسان وكرامته و"طرمخة" التحريات والملفات والقضايا على النحو الذي حدث في واقعة خالد سعيد، ثم في واقعة كنيسة القديسين، وهنا دعونا نتصور سيناريو بديلا لمعالجة سلطة مبارك للأمرين ونتوقع النتائج.

تصور معي مثلا أن "مهندسي" لجنة السياسات وداعمي مشروع التوريث نفسه، كانوا قد خططوا لميلاد برلمان متوازن بصورة معقولة، وسمحوا لمائة وخمسين عضو أو أكثر من قادة المعارضة ورموزها في أن يفوزوا ويحققوا حضورا برلمانيا، وقللوا من التدخل الأمني والإداري في تزوير الانتخابات، وأبدوا احتراما كاملا لأحكام القضاء في تصحيح بعض الوقائع، ورفعوا القيود المفروضة على الإعلام والصحافة، ودعوا الأحزاب لمؤتمر وطني للنظر في تشكيل حكومة جديدة واقتراح أسماء، ولو من باب جبر الخواطر، ثم صدور قرارات بوقف بعض الضباط ورجال الشرطة عن العمل لحين انتهاء التحقيقات في واقعة خالد سعيد، وإلزام الداخلية بتقديم تحريات صحيحة غير مزورة، حتى لو انتهى الأمر بإقالة وزير الداخلية والتضحية به.

إذا كانت السلطة حينها قد اتسمت بشيء من الذكاء السياسي وفعلت ذلك، هل يمكن لأحد تخيل أن ثورة يناير كانت قد تفجرت على هذا النحو ؟ حتى لو كان نجم جمال مبارك نفسه قد علا أكثر وأصبح مطروحا بشكل علني كمرشح جديد لرئاسة الجمهورية، هل كان حجم الاعتراض عليه سيكون بتلك الصرامة الشعبية، وجميعنا يذكر أن بداية الغضب في يناير 2011 كان من ممارسات الداخلية، وكان مطلب المتظاهرين في البداية ينحصر في إقالة وزير الداخلية، فلما تعنت النظام الأحمق والمتعجرف، فتح المجال أمام تصاعد الغضب وتصاعد المطالب، ونفخ آخرين فيها، حتى انتهت إلى شعار الثورة الأكبر: ارحل.

لماذا لا يتعلمون من الدروس، القريبة وليست البعيدة، هذا هو السؤال الذي جال بخاطري وأنا أستمع لكلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو يلوح بنزول الجيش وسيطرته على الأوضاع في البلد خلال ست ساعات، وأيا كانت "الهواجس" التي دفعته لهذا الكلام، فإنها تكشف عن وجود قلق من الغضب، وأن لديه إدراكا بأن هناك من يتربص به وبسياساته وبنظامه ويهدد استمراره، فتكون سياساته في مواجهة ذلك التفكير في المزيد من السيطرة الأمنية والعسكرية على الأمور، والمزيد من القبضة الحديدية، والمزيد من التضييق على الإعلام والتفكير في خنق أي صوت معارضة حتى شبكات الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي تحديدا يفكر في غلقها، ويطربه بعض "المعاتية" والمخرفين، الذين ينافقونه ابتغاء مصالح شخصية خالصة، فيصفونه بالنبي الذي ينكره قومه، وأن الشعب مدلل وجاهل ومحتاج إلى تربية، وأنه لو كان في شعب آخر لنجح، ولكن هذا الشعب المتخلف لا يعرف قيمته، ومفهوم بالتالي أنه يكون شعبا جاهلا وناكرا للجميل ولا يصح أن يعبأ به الرئيس أو يوليه أي اهتمام، بل عليه أن يؤدبه ويهمشه أكثر، وآخرون يصورون له أنه يواجه مؤامرة كونية ولكنه قادر على إلحاق الهزيمة التامة بهؤلاء الخونة في العالم كله، على طريقة حروب "الزومبي" في لعب الأطفال الشهيرة.  

لماذا ينجذب السيسي بكل تلك القوة والسرعة إلى نموذج مبارك في أسوأ حالاته، لماذا يفكر بنفس المنطق والعقلية التي كان يفكر بها مبارك وأحمد عز وحبيب العادلي، لماذا لا يفكر السيسي في السيناريو البديل، سيناريو الانفتاح السياسي والمصالحة الوطنية ومنح الشعب مساحة واسعة من الشراكة في بناء الوطن، من خلال أحزاب حقيقية وإعلام حر ومنظمات أهلية قوية وفاعلة وحرة وجامعات مستقلة بإدارات منتخبة وبرلمان حقيقي يمثل الشارع، وينقل الغضب الشعبي إلى قبة مؤسساتية فاعلة وناضجة، وإصلاح أمني يخفف توتر المؤسسة الأمنية ويخضع تجاوزاتها للحساب العسير، ويطهرها من الانحرافات أولا بأول وبصورة حاسمة وصارمة، ويحول نصوص الدستور إلى مظلة عملية حقيقية حاكمة للوطن ومؤسساته وليس مجرد ديكور مهمل ومعطل، لماذا لا يفعل وهو قادر على ذلك، هل هو الخوف من المخاطرة، رغم أن ما يفعله الآن هو مخاطرة أسوأ ونتائجها ـ إن فلتت ـ أكثر سوءا بكثير؟ هل هو غياب البطانة العاقلة المستنيرة التي تحدثه بأمانة كاملة حتى لو كانت صادمة، فبقي حوله المطبلون والمزمرون والمشهلاتية؟ هل هي قلة الخبرة بحكم الانتقال المفاجئ من الإدارة العسكرية إلى الإدارة المدنية بكل خبراتها وحكمتها وتشعباتها وخصوصيتها وتراكمات مشكلاتها، ودون مرحلة وسيطة من التدريب والتأهيل السياسي؟

 ألا يوجد حول السيسي من يسأله هذا السؤال : لماذا لا تفكر ـ لنفسك ولنظامك ولوطنك ـ في السيناريو البديل ؟


 المصريون المصرية
0
التعليقات (0)