مقالات مختارة

مصر.. كيف تواصل السلطوية التمكين لنفسها

عمرو حمزاوي
1300x600
1300x600
ليس في استطاعة السلطة في مصر أن تستند إلى إنجازات اقتصادية واجتماعية حقيقية لحمل الناس على تجاهل ممارسات العنف والمظالم والانتهاكات اليومية، التي باتت تحيط بالفضاء العام من كل جانب أو إلى صياغتها لرؤية سياسية مقنعة لكي تحافظ على حد مستقر من الرضاء المجتمعي. لذلك تتوالى محاولات السلطة عبر مؤسسات وأجهزة الدولة التي تسيطر عليها، من خلال النخب المتحالفة معه لصياغة مزاعم بديلة لإقناع الناس، إما بعدم التوقف عن تأييدها أو الاكتفاء بالعزوف عن الشأن العام والامتناع عن تطوير العزوف إلى معارضة يتبعها بحث عن بديل، وتلك في المجمل محاولات تلي، ولا تسبق، استخدام أدوات العنف الرسمي إن لإخضاع المواطن أو لإخافته من عواقب المعارضة.

من جهة أولى، تتسع في الخطاب الرسمي للحكم وفي الخطاب الإعلامي الموالي له دوائر «الأعداء والمتآمرين»، الذين يدفع باتجاههم بمسؤولية تعثر جهود إخراج البلاد من أزمتها المستحكمة، وتعذر تحسين الظروف المعيشية لأغلبية الناس. في صيف 2013، شكلت جماعة الإخوان المسلمين الدائرة الأساسية «لأعداء الوطن» وللمتآمرين «لنشر الفوضى» و«تخريب الاقتصاد الوطني» و«تعطيل جهود التنمية» وغيرها. تدريجيا خلال السنوات الثلاث الماضية، أعقب دائرة «الإخوان الإرهابيين» الدائرة الأصغر عددا من دعاة حقوق الإنسان والحريات والفاعلين في منظمات المجتمع المدني، الذين يحاولون لفت النظر إلى تدهور الأوضاع الحقوقية في مصر. هؤلاء صنفوا «كأعداء» وألصقت بهم (تحت مسميات مثل الطابور الخامس) اتهامات الخيانة والعمالة والتآمر والسعي لهدم الدولة المصرية، وألصقت بهم أيضا اتهامات التواطؤ لتنفيذ «مخططات الإخوان» وتلقي «تمويلات أجنبية» لنشر الفوضى وتفتيت البلاد وإنهاك المؤسسات الوطنية. أما اليوم، فتتسع دوائر «الأعداء والمتآمرين» لتشمل قطاعات أخرى كالطلاب الذين يتم فصلهم من الجامعات وتسلب حريتهم، والبعض من الشباب والعمال الذين يواصلون إما الاحتجاج السلمي على السياسات الرسمية أو يرفضون الرضوخ لأوامر الطاعة والامتثال الصادرة عن الحكم ،أو يكسرون حاجز الصمت بشأن المظالم والانتهاكات المتتالية. عبر اتهامات «العداء للوطن والتآمر على الدولة ومؤسساتها»، تمرر وتبرر الإجراءات القمعية باتجاه الطلاب والشباب والعمال ويحاصر بعنف حراكهم الراهن؛ فالسلطة لا تتحمل الحديث العلني عن مظالمها وانتهاكاتها، ولا تقوى على تحمل المسؤولية عن إخفاق سياساتها الرسمية.

من جهة ثانية، إلحاقا بدوائر الأعداء والمتآمرين المتسعة بانتظام، تضخ السلطة دماء إضافية للكراهية والإقصاء ونزع الإنسانية ليعتاش عليها وحش الاستقطاب المجتمعي ولتطلق تعويلا عليها اليد القمعية.

يخرج رسميون ومسؤولون حكوميون ليطلقوا اتهامات جزافية بشأن هوية المتورطين في أعمال الإرهاب وممارسات العنف، ويشيعوا الروح الانتقامية بين الناس، ويطالبوا بالعقاب الجماعي والفوري للمزعوم تورطهم من أعضاء جماعة الإخوان والمتعاطفين معها وغيرهم، يفعلون ذلك دون اعتبار للتداعيات الكارثية للجزافية والتعميم على نسيج المجتمع الواحد، دون تقدير لخطورة مشاعر الانتقام والتشفي وشررها المتطاير باتجاه المجتمع والدولة ومبادئ سيادة القانون والعدل.

تضخ السلطة المزيد والمزيد من دماء الكراهية والإقصاء ونزع الإنسانية وتستخدمها في سياقات متنوعة؛ كخط دفاع مبدئي عن حكم يمعن في القمع والعصف بضمانات حقوق وحريات المواطن، لتشويه ضحايا القمع ورافضيه وعموم المعارضين، وفي خطوة الجنون الأخيرة لتبرير جرائم كالقتل خارج القانون والاختفاء القسري، والتعذيب وسلب الحرية كأعمال مشروعة للحفاظ على الدولة وتماسكها، وللحيلولة دون الانزلاق إلى غياهب الانهيار والتفتت المنتشرة إقليميا. وبالتبعية، يصبح الرسميون الأشد تطرفا في تبني خطاب الكراهية هم الأوسع حضورا في الفضاء العام، ويصبح الإعلاميون أصحاب المساحات والنفوذ هم أصحاب التخصص الحصري في إلصاق الاتهامات الزائفة بضحايا السلطة وامتهان عقل المواطن بتغييب الحقائق والمعلومات.

وبالتبعية أيضا، تحال إلى خانات المسكوت عنه مسؤولية السلطة عن الأزمة المستحكمة الراهنة في مصر، وعن التداعيات الكارثية للكراهية والإقصاء ونزع الإنسانية على مؤسسات الدولة الوطنية التي ينهار رصيدها من الثقة الشعبية وعلى التضامن المجتمعي، الذى تخصم منه بقسوة المظالم والانتهاكات.

من جهة ثالثة، يعمد الخطاب الرسمي للحكم ومعه الإعلام الموالي له إلى منع غير الراضين بين المواطنات والمواطنين من تطوير موقفهم باتجاه البحث عن بديل بالتشديد (شبه اليومي) على عجز المعارضة عن إدارة شؤون مصر، وعلى احتياج «سفينة الوطن» إلى قيادة المؤسسات والأجهزة النظامية بسبب الضعف البين للمؤسسات والنخب المدنية. ومجموعة أخرى من المقولات الرومانسية عن «المؤامرات الإقليمية والدولية التي تستهدف تصفية لحظة النهوض الوطني»، وغيرها. ويستتبع ذلك إسقاط مفهوم «العجز عن إدارة شؤون البلاد» على المؤسسات والنخب المدنية في بنية الدولة المصرية، وتعريف أدوار تلك المؤسسات والنخب في سياق الالتحاق بالقائد والمؤسسات القوية التي تحمي الوطن والدولة، ويليه التداول المتواتر لمقولات التسخيف من المعارضين كمدفوعين «بغواية المصالح والعوائد الشخصية»، وكفاعلين في «كيانات مشوهة» (أحزاب ومنظمات وحركات) غير قادرة على الإلمام بمقتضيات الإنقاذ والخلاص الوطنيين.

الشروق المصرية
1
التعليقات (1)
علي الدين
السبت، 27-08-2016 03:42 م
الم تكن احد الأثافي التي استخدمت لؤاد الثورة وتمكين عصابات العسكر. الان تنتقد علي استحياء. عليك من الله ما تستحق أيها الجبان