كتاب عربي 21

الكوليرا والطاعون ما زالت في بلادنا

عمرو عادل
1300x600
1300x600
انتهى المقال السابق المعنون “كيف تنهي صراعا وجوديا” بأربعة أسئلة أري أن ما حدث في تركيا في الأيام القليلة الأخيرة أجاب عنها جميعها؛ وكما أري أنها كانت إجابات حاسمة؛ كانت إجاباتهم في الشوارع وعلي ظهور الدبابات المحررة وفوق مآذن المساجد. لقد رأينا الإجابات في خيانة العسكر التي لم ولن تنتهي في كل مكان علي أراضينا؛ فالعسكر الذين تربوا في أحضان المستعمر لن يتطهروا من قذارات الخيانة حتي ولو تعاقبت الأجيال؛ فتلك المنظومة المعادية للمجتمع تحمل جين الخيانة وهو مثل الكوليرا والطاعون قديما، وحتي ينتهي؛ لابد من عزله تماما والقضاء عليه حتي تحمي المجتمع مهما كانت الكلفة، فاستمرار وجوده معناه الموت الشامل والكامل دون رحمة لنا جميعا، فعند المواجهة مع الأعداء الحقيقيين سيديروا فوهات مدافعهم لتحصد أرواحنا نحن من نقاوم العدو.
 
 أثبت العسكر ومن خلفه مدعي العدل والقيم النبيلة من الدول الغربية التي لم تستطع تصريحات رجالهم إخفاء حقدهم الدفين علي تركيا الجديدة؛ أثبتوا أنهم معادون لكل حر ومستقل؛ معادون للأمل الذي ترجوه الشعوب التي عانت من القهر كي يعيشوا أحرارا، بل معادية للحياة نفسها، فبدت البغضاء في وجوههم وألسنتهم، أثبتوا عنصريتهم واحتقارهم لكل حر شريف في أراضينا ورغبتهم العميقة في رؤية الدماء والتعذيب والجنون علي يد المرتزقة الذين ألبسوهم ثياب الرجولة داخل المؤسسات الفاسدة المعادية للحياة وللحرية.
 
 أجابوا علي السؤال الأول؛ إنه صراع وجودي وحتي إن لم يتفق البعض كونه صراعا أيديولوجيا فانقلاب تركيا اللعين أثبت أن الجيوش المزروعة في بلادنا تكره الحياة الكريمة لشعوبها؛ فهي موجودة لحماية تدفق الثروة للغرب ولمنع الشعب من امتلاك السلطة بشكل حقيقي، علي مدي التاريخ الطويل لم نجد مؤسسة فاسدة وخائنة وملعونة مثل الجيوش التي في بلادنا. لقد أصبحت عبئا ثقيلا علي الجميع، ولا يوجد حل غير العودة إلي الأصل بأحقية امتلاك المجتمع للسلاح للدفاع عن نفسه ووجوده بعد أن تيقن الجميع من جين الخيانة المتأصل بداخل الجيوش وأنها أبدا لا تدافع عن شعبها ولا تجد أي غضاضة في التدمير الشامل حفاظا علي مصالح من ينتمون إليه. 
 
 هذه الكتلة المعادية ليس هناك أي مساحة مشتركة معها؛ فهي غير منتمية بالأساس لنا ؛ ومن ينتمون إليها انفصلوا عن المجتمع بعد ارتداء ذلك الزي الذي أعتبره بمثابة الزجاج الشفاف غير القابل للكسر. والكارثة أنهم لا يدركون ذلك ويظنون أنهم يعملون لصالح “الوطن” ولكن أي وطن يعنون؟ يعلم الله وحده. وهذه إجابة السؤال الثاني، فلا توجد مساحات مشتركة بين المجتمع وبين هؤلاء فهم كسور السجن الحديدي والعازل المسلح أمام طريق الحرية والتقدم للمجتمع.
 
 وهؤلاء ليسوا جميعا بالزي الكاكي، فلهم من الأذرع العسكرية الفاسدة الكثير، تلك الأذرع أصحاب الزي المدني يخفون تحتها مدفعا رشاشا وبذة عسكرية ومهمتهم تمهيد الأرض للدبابات بالتجهيل والإفقار؛ فالعسكر لا يستطيعون إلا حكم الفقراء والمنهكين ويستخدمون كل أدواتهم “المدنية” لفعل ذلك.
 إن ما حدث في تركيا يعطي لنا إشارات عدة عن كيفية إدارة المعارك الوجودية؛ كيف تحمي نفسك من أراذل القوم المسلحين وكيف تبني الأسوار بكل الأدوات المتاحة عندما تتعامل مع الخونة المدعين للوطنية.
 
 إن عار الجيوش الطويل لن يمحوه إلا عدم الاعتماد عليها في الدفاع عن أوطاننا ونحمي أراضينا وعرضنا وهويتنا وحريتنا بيدنا.
 
 تعلمنا في مصر من تركيا كما تعلم الأتراك منا؛ فكانوا يرفعون إشارات رابعة ليذكروا أنفسهم حتي لا يحرقهم العسكر كما فعل في رابعة؛ وأكد لنا انقلاب تركيا أن كل محاولات التعامل مع العسكر هي تمهيد لمحرقة جديدة في زمن قادم. وعلمتنا تركيا أن كل ما يقال عن الديمقراطية وتداول السلطة فقط مسموح به عندما تأتي بالخونة في رأس السلطة أما عندما يأتي الأشراف فيدير المدعون انقلابا عسكريا للإطاحة بهم، نعلمنا أن من يريد النجاح عليه أن يعرف عدوه ومعركته أولا ثم يحدد أدواته للانتصار.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل