مقالات مختارة

صورة طبق الأصل

فهمي هويدي
1300x600
1300x600
غَضَبُ المصريين لما جرى في محافظة المنيا فرض عين يأثم كل من قصر في التعبير عنه، إذ ليس معقولا ولا مقبولا أن تتسبب شائعة عن علاقة عاطفية بين قبطي ومسلمة متزوجة في هتك عرض أم الأول، وإحراق 7 منازل لمواطنين من الأقباط.

أتحدث عن الفتنة التي أطلت برأسها في قرية الكرم التابعة لمحافظة المنيا، وهزت وقائعها ضمائر المصريين، خصوصا ما تعلق منها بما أصاب الأم المسنة، التي جردت من ثيابها وفضحت أمام الملأ جراء ما نسب لابنها، وهي الجريمة التي تعددت أصداؤها المستحقة والمشروعة، إلا أننا ينبغي ألا نكتفي بتسجيل الغضب أو إشهاره بأعلى صوت، لأن الخلفيات والدلالات فيما جرى تستحق رصدا وانتباها.

صحيح أن ضبط النفس مطلوب كما ذكر الأنبا تواضروس بطريرك الكنيسة الأرثوذوكسية، إلا أن تلك الرسالة موجهة إلى الأطراف المباشرة، في حين أن الباحثين وأهل النظر لهم دورهم في تعميق النظر وترشيد الغضب، في الوقت ذاته فإنني لا أوافق محافظ المنيا الذي هون من الأمر واعتبره أزمة عارضة، سيرا على نهج وزارة الداخلية التي دأبت على وصف انتهاكات المنتسبين إليها باعتبارها حالات فردية.

لقد استبق المدونون الجميع، وملؤوا مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات الذكية والغاضبة، فمن قائل إن ضبط النفس لا يكفي لأن ضبط الجناة مطلوب أيضا، وقائل إن الشرطة تقاعست عن إطفاء نار الفتنة، ولو كان الغاضبون قد هتفوا ضد الرئيس السيسي لسارعت إلى قمعهم وردعهم. كما تعددت كتابات «المغردين» الذين ذكروا أن هتك عرض الأم المسنة ليس مفاجئا ولا مستغربا، لأن الشرطة وجناح البلطجية التابع لها أعطوا المجتمع دروسا عديدة في التحرش وهتك أعراض النساء، سواء ممن اشتركن في المظاهرات أو كن من زوجات المتهمين في بعض القضايا السياسية.

وذكرنا آخر بالمقولة التي انتقدت المبالغة في الغيرة على عرض المرأة في مجتمعاتنا العربية، مع السكوت وعدم الاكتراث بما يصيب عرض الأوطان من انتهاكات.. إلخ.

لا تخلو تعليقات المغردين من وجاهة وصواب، وهو ما يشجعني على إضافة بعض الملاحظات، أولها أن ما جرى ينبغي أن يكون شأن الدولة وليس شأن الكنيسة، أعني أن للكنيسة أن تتضامن مع رعاياها، لكن السلطة هي التي ينبغي أن تدافع عن مواطنيها بقوة القانون وحزمه، ثانية الملاحظات أننا يجب ألا ندفن رؤوسنا في الرمال، وندعي تارة بأن ما جرى جزء من المؤامرة الكونية ضدنا، أو أن الإخوان هم الذين أشعلوا نار الفتنة، لأن ثمة مشكلة مجتمعية يتعين الاعتراف بها والتعامل معها، فنحن الجناة ونحن المجني عليهم، وذلك يقودنا إلى الملاحظة الثالثة والأهم التي خلاصتها أن قيام مجموعة من الناس بتوقيع العقاب على آخرين تأديبا لهم أو انتقاما منهم، يكشف عن ظاهرة مؤرقة تحتاج إلى دراسة وعلاج، ولأنها تكررت سواء بالنسبة للأقباط أو رموز الشيعة المصريين، كما أنها تمثلت في حالات قيام الأهالي بقتل أو صلب بعض اللصوص، فأزعم بأنه لا تفسير لها سوى أنها تعكس تراجعا ملحوظا في احترام القانون والثقة في جدواه، وهذه الظاهرة من الخطورة بمكان لأنها تنذر بإشاعة الفوضى وتتنبأ بانحسار دور السلطة، إذ حين يتصور البعض بأن بوسعهم أن يحصلوا على حقوقهم بأيديهم، فإن ذلك يلغي دور القانون والسلطة بصورة تدريجية، وإهدار قيمة القانون لا ينال من هيبة الدولة فحسب، وإنما هو خطوة باتجاه تفكيكها.

ومن المفارقات أننا نكثر من توجيه تهمة إهانة المؤسسات والرموز والعمل على إسقاط الدولة للناقدين والمعارضين، دون أن تنتبه إلى أن إهانة الإنسان والعبث بالقانون هو ما ينال من هيبة الدولة ويهدد بإسقاطها، معنويا وأخلاقيا على الأقل، وحين قال بعض المغردين إن التحرش بالنساء وهتك أعراضهن من بين الانتهاكات التي سمحت بها الشرطة ومارستها، وكان ذلك من الدروس التي تلقاها المجتمع خلال السنوات الأخيرة، فإنهم وضعوا أيديهم على بعض جذور الأزمة التي نواجهها، ذلك أن من يتابع تقارير المنظمات الحقوقية المستقلة، يدرك أن ما حدث في المنيا للمرأة المسكينة وجيرانها هو صورة طبق الأصل لممارسات بعض رجال الشرطة مع الأهالي.

كنت قد تطرقت إلى هذه المسألة في كتاب لي صدر قبل نحو ثلاثة عقود عن «التدين المنقوص».

أفردت فيه فصلا كان عنوانه «الحكومة وأخلاق الناس»، خلصت فيه إلى أنك «إن وجدت بين الناس فضائل شاعت، أو رذائل ومعايب تفشت وذاعت، ففتش عن الحكومة ودقق فيما تقول وتفعل، حتما ستجد ذلك الحبل السري الذي يربط فيما بين الاثنين، حتى يتخيل إليك أنك بإزاء نهر واحد، السلطة منبعه والناس مصبه، وقد تقول مع من قال: إن المحكومين مرآة الحاكمين، وإن الناس بأمرائهم أشبه منهم بآبائهم.

أرجو ألا أكون بحاجة للتنبيه إلى أنني لست بصدد تبرير ما جرى في المنيا، لكنني فقط أحاول تفسيره، إلى جانب التسليم بضرورة محاسبة الفاعلين وردعهم، ولا أعرف كيف نسترضي الأم التي تعرضت لما تعرضت له، حيث لا يكفي أن نقدم لها اعتذارا، وأن يتناوب تقبيل رأسها التسعين مليون مصري، وذلك بعض حقها علينا ونحن ندعو الله ألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.

عن صحيفة الشروق المصرية
2
التعليقات (2)
حماصة
الأحد، 29-05-2016 01:50 ص
لست مؤيداً لما حدث لأن من تعرضت لذلك سيدة مصرية مسنة صعيدية لها تقاليدها ولها احترامها ولكن لماذا أخذنا الموضوع من زاوية اهانة السيدة المصرية ولم نأخذه من زوايا أخرى ؟ لماذا لم نأخذ الموضوع من زاوية أن ابن السيدة المسيحى هل ضاقت به الدنيا ولم يجد فى المسيحيات مرتعاً لصب شهوته ؟ لماذا ام نأخذ الموضوع من زاوية أن هذا الشاب أراد بفعلته إيقاظ الفتنة بين المسلمين والمسيحيين ولذلك يجب إحضاره هو السيدة المسلمة وينالا عقابهما أمام أعين الناس حتى لا تقع مثل هذه الأفعال ؟ لماذا لم نأخذ الموضوع من زاوية لو أن الفاعل شاباً مسلماً مع سيدة مسيحية هل كانت الكنيسة ستنتفض بمثل هذه الانتفاضة ؟ أم أنها كانت ستغض الطرف وكأن المسلمات سبايا لشبابها ؟ لماذا لم نأخذ الموضوع من زاوية أن ثمة تعاون مفضوح أو غير بائن بين الكنيسة وأذرع الانقلاب حيث أنهما فى أعظم شهور العسل بينهما ؟ لماذا لم نأخذ الموضوع من زاوية أن الكنيسة ومعظم الأقباط أيدوا الانقلاب الدموى وأيدوا مذبحة رابعة لذلك بأفعالهم تلك يغطون على فشل الانقلاب فى جميع المجالات وإلهاء الرأى العام عن قضية الطائرة التى يرجح بأنها أسقطت بفعل المناورات العسكرية الاسرائيلية فى الأجواء اليونانية ؟ أرجو من القراء الأجلاء أن يأتوا بزوايا أخرى قد تثرى الأمر وتفضح الكنيسة وأذرع الانقلاب لأن هناك سوابق مثل تلك الفعلة ثبت مع الأيام أنها من فعل الدولة العميقة القذرة بمعاونة الكنيسة
أيمن عصمان ليبيا
السبت، 28-05-2016 12:47 م
ولما لاتكون هذه الجريمة المؤسفة من تدبير أذرع الإنقلاب العفن للتغطية على كوارثه المتتابعة من بيع تيران وصنافير لإقتحامه نقابة الصحفيين لمقتل جوليو ريجيني لسقوط الطائرة المصرية وصولا لخروج السد العالي من الخدمة و"السلام الدافئ" مع الصهاينة؟!!!!