كتاب عربي 21

نحن نزرع الشوك

تامر أبو عرب
1300x600
1300x600
1-

هذا وطن على الحافة..

يقامر حكامه بمستقبله بعدما انتهوا من تشويه حاضره، واستعادة أسوأ ما في ماضيه.

يحوّلونه تدريجيا إلى كتل متصارعة متنافرة، ويراقبون المبارزة عن بعد، دون أن يصل إلى ثيابهم تراب المعركة المقامة على شرفهم.

ما حدث في 25 أبريل مخيف..

اعتدت الشرطة على المتظاهرين. أطلقت عليهم قنابل الغاز وطاردتهم في الشوارع الجانبية. اعتقلت كثيرا منهم ومن المارة أحيانا، لكن هذا أهون ما في الموضوع.

الشرطة طرف واضح في معادلة السياسة، خصومتها مع طالبي التغيير قديمة قدم المطالبة بالتغيير، مخالفاتها وانتهاكاتها مفهومة في سياق توحدها الدائم مع أي سلطة ودفاعها الأزلي عن أي حاكم ولو كان محتلا.

الخوف هذه المرة كان من شيء آخر. الناس!

في خوض النظام معاركه بنفسه مخاطرة بمستقبله، في إسنادها بالوكالة إلى أطراف شعبية أخرى مقامرة بمستقبل الوطن.

2-

"أنا مش هسمح أن حد يقرب من بلدي تاني، ولو اتعدمت هتعدم بشرف وهبقى راضية ومبسوطة، أنا جايبة بـ300 جنيه مية نار ومعبياها في أكياس واللي عايز يعدي من تحت البيت يعدي، وأنا هروحلهم عند مسجد الاستقامة، مش هسيبهم، وأنا وهما والزمن مش طويل، كلها ساعات".

قالتها سيدة قاهرية في مداخلة على الهواء قبل ساعات من انطلاق مظاهرات 25 أبريل، أنهت مكالمتها بسلام، تداول كثيرون مكالمتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم انتهى أمر ما كان له أن ينتهي بهذا البساطة.

هذه المكالمة تتويج لسنوات طويلة من استثمار السلطة في نشر الكراهية وتحويل كل معارض إلى عدو يسعى لهدم الدولة وتحويلها إلى سوريا جديدة، وفي سبيل منع تنفيذ هذا السيناريو يجوز سب المعارضين، وضرب.. وقتلهم!

3-

كان الشاب المحمول على الأعناق مستغرقا في الهتاف وسط رفاقه، وبينما يطالب المتظاهرين برفع صوتهم أكثر انحرف الشخص الذي يحمله بعيدا عن المظاهرة وسلمه للأمن، كان الذي يحمله ببساطة.. مخبر!

لم يكن ممكنا اتخاذ أي تدابير تمنع ما حدث، شخص يقف بجانبك، يعارض مثلك، يرتدي ملابسك، يردد هتافك، ضحك الكثير على المشهد، لكن لا شيء في المشهد يدعو للضحك، بل للرعب.

أنت مضطر بعد ذلك للتشكك في كل من يقف بجوارك، من زميلك في العمل، في الحزب، جارك، لأنه قد يكون مخبرا متخفيا، أو خصما كارها، ينتظر الفرصة ليحملك على كتفه ويسلمك للأمن.

هذا مناخ مسمم للعيش.

أسوأ أنواع الحروب هي الحرب الأهلية.. لماذا؟

لأنها تجري بين شعب واحد يتشابه في كل شيء، ولا يمكن للشخص خلالها معرفة صديقه من عدوه.
في إسناد عمليات القبض والاستيقاف إلى بلطجية أو أفراد شرطة بملابس مدنية نفحة من ذلك، قد تتطور إلى ما هو أسوأ إذا لم تستفيق الدولة، وتدرك أن إدخالها المدنيين سواء كانوا بلطجية مأجورين أو مؤيدين متحمسين، أو أمناء شرطة متخفين، مخاطرة كبرى قد تصل بالوطن إلى الهاوية، إذا تم مد الخط على استقامته.

4-

في منتصف يوم جمعة الأرض، دخل المسؤول الكبير في الصحيفة الشهيرة على العاملين يعنفهم بشدة بسبب اختيارهم صورة مع أحد الأخبار بها حشود من المتظاهرين، وطالبهم بنشر صور لشوارع فارغة مع أي خبر يتحدث عن فعاليات اليوم، حتى يبدو وكأن أحدا لم ينزل للتظاهر.

في 25 أبريل، كانت قنوات أخرى تنقل على الهواء احتفالات المؤيدين بذكرى تحرير سيناء، فيما يخلو جانب الشاشة الآخر من أي مشاهد للمظاهرات المعارضة، ويخلو شريط الأخبار من أي سطر يتحدث عن مئات تم اعتقالهم لأنهم نزلوا اعتراضا، على مقربة من آخرين نزلوا تأييدا فوزعت عليهم العصائر.

يتحوّل الإعلام شيئا فشيئا إلى خصم مباشر لقطاع كبير من الناس، يروّج عنهم الشائعات، ويحرّض عليهم، ويتجاهل مآسيهم. اختار مكانه إلى جانب السلطة، وترك موقعه الافتراضي بين الناس سلطة مجتمعية تحميهم من شطط السلطة السياسية.

قد تستفيد السلطة من ذلك الوضع، لكن الإعلام يخسر الكثير، فالمجتمع الآن مقسم إلى جزئين، جزء معارض يكره الإعلام لأنه يكذب ويحرّض عليه، وجزء مؤيد يكره الإعلام أيضا، لأنه يعتقد بأنه لا يبذل الجهد الكافي لدعم السلطة.

السلطة ذاتها تعتبر الإعلام عدوا. غالبية الصحفيين المقبوض عليهم يوم 25 نيسان/ أبريل يعملون في صحف تصنف على أنها موالية للدولة، لم يتمكن الصحفيون بمؤيديهم ومعارضيهم من دخول نقابتهم في وقت كان البلطجية يعبثون على أبوابها بحرية.

موقف نقابة الصحفيين الأخير من الانتهاكات يجب أن يكون بداية لعهد جديد تعرف فيه الصحافة أنها ليست مضطرة لدفع فواتير فشل غيرها، فهي الباقية، والحكام زائلون.

5-

"بما أن منظومة العدالة فقدت سيادتها على قراراتها والحياد والتزامها بتطبيق العدالة، والسلطة التنفيذية هي اللي بتدير الدولة، وأنا حصل معايا تجربة شخصية تثبت ده وصدر ضدي حكم نهائي ظالم، واتحبست سنة وثلاثة أشهر، وفي الآخر خرجت بقرار عفو من السلطة التنفيذية، بالتالي، أنا شايفة إن التحقيق ده صوري وأرفض التعامل معاه".

ما قالته سناء سيف لعضو النيابة أثناء التحقيق معها بتهمة التظاهر في 15 أبريل، يجب أن يوضع في كتب التاريخ التي ستوثق هذه المرحلة.

لفترة طويلة، كانت النيابة العامة ملاذا آمنا للجميع، كانت في أغلب الفترات أكبر من أن يتم استخدامها في تصفية حسابات سياسية، لطالما وقف أمامها معارضون وخرجوا بعد ساعات، لأن أوراق القضية لا تحمل إدانة، وكذلك كان الأمر كان مع القضاء المدني، ولذلك كانت الإحالة إلى النيابة والقضاء العسكريين الطريق الأقصر والأسهل للأنظمة السابقة.

هذه الثقة تراجعت كثيرا في الفترة الأخيرة، وهذا من أخطر الجرائم التي تم ارتكابها في الفترة الأخيرة، لأن الثقة في منظومة العدالة إذا ضاعت، ستكون كل البدائل كارثية وفوضوية.

6-

نحن نزرع شوكا، والأكيد أننا لن نجني الورود.

القضية أخطر هذه المرة من نظام مستبد أو سلطة فاشلة، هي قضية مجتمع يتم استخدام أفراده ومؤسساته درعا وسيفا، تحمي به السلطة نفسها، وتهاجم خصومها، دون أن تظهر هي في الصورة.

هي قضية وطن يتم المقامرة بمستقبله.
التعليقات (0)