كتاب عربي 21

ماذا يعني إقامة دولة كردية الآن؟

شهيد بولسين
1300x600
1300x600
هز انفجاران مؤخرا أركان تركيا، وبعدها أعلنت الجماعات الكردية المتطرفة مسؤوليتها عنهما. الأول كان في 13 آذار/ مارس حوالي الساعة 18:35، وكان عبارة عن سيارة مفخخة انفجرت في أنقرة في محطة حافلة أتوبيسات مزدحمة، ما أسفر عن مقتل 37 شخصا وإصابة ما لا يقل عن 125 شخصا آخرين..

أما يوم السبت الماضي، فقد قام انتحاري بتفجير نفسه بعدما استهدف منطقة تسوق رئيسة في إسطنبول، شارع الاستقلال بمنطقة تقسيم. وكان هذا الانتحاري يحاول الوصول إلى منطقة مزدحمة أكثر، ولكن الشرطة اشتبهت فيه وبدأت تتبعه، ما اضطره لتفجير نفسه قبل الأوان، وكانت المحصلة هي مقتل خمسة مدنيين. وبعدها تم إخلاء المنطقة وظلت خالية طوال عطلة نهاية الأسبوع، ما أدى إلى خسارة للشركات المحلية تتمثل في الملايين من الدولارات. أما الضربة المتوقعة لصناعة السياحة في تركيا فهي في الغالب ستكون أكبر بكثير.

لا أريد أن أتحدث عن التفجيرين تحديدا، بقدر ما أريد أن أتحدث عن الأجندة التي تكمن وراءهما، فالمجموعة الانفصالية الكردية الرئيسة التي هي عبارة عن حزب العمال الكردستاني (PKK) والمجموعة التي أعلنت مسؤوليتها عن هجوم أنقرة وهي صقور حرية كردستان (TAK)، يقاتلان من أجل إقامة دولة كردية مستقلة. وهذا المفهوم يستحق بعض التمحيص، ولست أتحدث هنا عن مفهوم كردستان  نفسها، بقدر ما أتحدث عن فكرة إنشاء أرض مستقلة في خضم الدول القائمة فعليا والقوية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.

وهذا يُذَكرني كثيرا بالشيشان منذ تسعينيات القرن المنصرم حتى بدايات الألفية الثالثة (1990– 2000)، أو إقليم أتشيه في إندونيسيا، ويمكننا أيضا أن نتحدث عن إقليم كيبيك أو أسكتلندا في سعيهما للاستقلال عن كندا والمملكة المتحدة على التوالي.

الأرض التي يسعى الأكراد لجعلها دولتهم، عبارة عن قطعة غير ساحلية، محصورة بين إيران وسوريا والعراق وتركيا. من الناحية الجغرافية، نجد أنه من المشكوك فيه أن يكون لهذه الأرض أي قدر ولو قليل من الاستقلال الحقيقي. فالاقتصاد السوري دُمِر بالكامل، بينما إيران هي الدولة رقم 29 كأكبر اقتصاد في العالم، والعراق يأتي في المرتبة الـ48، أما تركيا فهي إما رقم 18 أو 17 (حسب نوع البيانات التي تتابعها). فأيا كانت الطريقة التي سننظر بها، فسنجد أن كردستان ستكون محاطة بلاعبين أكبر منها بكثير، ولاعبين لن تتمكن من تجاوزهم. تنطبق هذه الدينامية نفسها على الشيشان وعلى كيبيك وأسكتلندا وأتشيه.. ففي أحسن الأحوال يمكنهم أن يصبحوا مثل الأقمار الصناعية المستقلة لجيران أقوى منهم بكثير، وهو ما يعني في النهاية انعدام الاستقلال.

حقيقي أن منطقة كردستان لديها احتياطيات ضخمة من النفط والغاز، ولكن كدولة "مستقلة" صغيرة لن تكون في وضع يسمح لها بالتفاوض مع شركات الطاقة الكبرى. وبالفعل، فإن شركات مثل إكسون وتوتال وشيفرون وغيرها، تعمل في أراضيها، وهذه الشركات الثلاث وحدها تشكل قوة اقتصادية تعادل تقريبا ناتج القوة المشتركة لإيران وتركيا معا، فإذا تمكن الأكراد من إقامة دولتهم، فستكون هذه الدولة أكثر بقليل من أحد عبيد هذه الشركات، بل قد يكون الأوفق أن يطلقوا عليها من الآن اسم "إكسونيستان" (نسبة إلى إكسون- Exxon). 

جدير بالذكر أن الأكراد طلبوا مساعدة في الضغط السياسي من باتون بوغز للدفع بأجندتهم في واشنطن. وباتون بوغز يشتهر بممارسة الضغوط السياسية لصالح عملاء بارزين في صناعة النفط والغاز، وأبرزهم كما خمنتم الآن، هو شركة إكسون موبيل.

كما لاحظتم، فإن الشركات مشغولة بتعزيز قوتها عن طريق بلع الشركات الصغيرة، والتكتل، والنمو لأحجام أكبر وأكبر، في حين أن الدول أصبحت أصغر حجما، وراحت تتقسم وتتفكك وتتجزأ وتتباعد... فالعراق تقسم، وسوريا ذابت، وليبيا تجزأت، والأكراد يريدون الانفصال لتكون لهم دولتهم الخاصة، وكل كيان جيوسياسي صغير وجديد سيكون عليه أن يجلس على طاولة المفاوضات مع شركات متعددة الجنسيات تزداد حجما وثراء وقوة كل يوم.

والآن في خضم هذا السيناريو، ماذا يعني الاستقلال؟ أعتقد أنه قد يكون أكثر بقليل من إعطائكم الحق في أن تختاروا طوعا أن تجعلوا من أنفسكم شركة تابعة لسلطة الشركات العالمية... فهل هذا حقا شيء يستحق القتال من أجله؟
التعليقات (1)
الحضرمي
الخميس، 24-03-2016 01:38 ص
كلما قرأت عن الاكراد سواء باللغة العربية أو التركية او الكردية أو الفارسية، وجدت انهم ظلموا وهي الحقيقة و لكن من الضرورة و القول بأنه لا بد من استقلالهم و دعمهم في ذلك، فالبرغم من ان كثير منهم مسلمين إلا أن تعدد أفكارهم يمكن ان يشكل لهم أحزابا تستطيع أن تتنافس لتشكيل حكومة تدير شئون البلد .لديهم نفط و لعلهم بعائدات النفط يمكن أن يطوروا منطقتهم عند استقلالها و يكتفوا ذاتيا . لا تلوموا الاكراد ، ولا تلوموني لأني من حضرمي وأدعمهم ، بل أقول هو تقصير الحكومات التي تناوبت على الدول التي تضم أكرادا من سايكس بيكو الى الان . والله إنى أتمنى وحدة بين المسلمين و البلاد الاسلامية من أفغانستان الى المغرب و من جنوب روسيا الى كينيا ، بلا تأشيرات ولا تعطيل في الحدود او المطارات ، لكن لعل الفيدرالية أقرب الطرق لتهدئة النفوس و عودة الامور الى مجاريها .