قضايا وآراء

مصر خارطة طريق لفتح المعبر أم لإبقائه مغلقا؟

ماجد عزام
1300x600
1300x600
أعلن القيادي الفتحاوي السابق سفيان أبو زايدة أثناء مشاركته بندوة في مدينة غزة -الثلاثاء 8 كانون أول ديسمبر- عن امتلاك القيادة المصرية لخارطة طريق من أجل فتح معبر رفح، وحل الأزمة بشكل نهائي.

 وحسب أبو زايدة المقرب من القيادي الفتحاوي السابق أيضا محمد دحلان، فإن خارطة الطريق تتضمن إجراء المصالحة الفتحاوية أولا، ثم المصالحة الوطنية بين فتح وحماس، وتشكيل حكومة توافق تتولى السيطرة وإدارة الأمور في غزة بما في ذلك المعبر والأمن على الحدود، ومن ثم إجراء انتخابات أو الحزمة الانتخابية الكاملة للرئاسة والمجلسين التشريعي والوطني.

كلام القيادي الفتحاوي يقال أول مرة، ويبدو أنه صحيح، حيث لم يصدر نفي له من أي جهة مصرية أو فلسطينية، ناهيك عن أن اعتقادي أن السيد أبو زايدة لا يمكن أن يختلق أو يفبرك في أمر كهذا يخص النظام المصري، علما أنه كرر كلامه في مناسبتين، غير أن الأغرب أن الكلام المهم واللافت مر مرور الكرام ولم يثر أي نقاش فلسطيني سياسي أو إعلامي، ولم يهتم به أحد حتى أن اللجنة الفصائلية المعنية بأزمة المعبر لم تعره أي اهتمام، ولم تتعاطى معه لا من قريب، ولا من بعيد.

خارطة الطريق المصرية تعني ببساطة أنه لن يكون هناك فتح تام للمعبر أو حل جذري للأزمة الخانقة التي يعانيها الناس في غزة، إلا بمصالحة فتحاوية داخلية أي مصالحة بين عباس ودحلان، تليها مصالحة وطنية عامة بين فتح وحماس، أو عباس وحماس ما يعني في الشكل والمضمون تجاوز أو تجاهل اتفاقية المصالحة التي رعتها مصر نفسها، والتي لم تتطرق أبدا إلى فكرة المصالحة الفتحاوية على أهمية ذلك طبعا، ولم تتحدث أبدا عن تسليم حماس للسلطة أو عودة الشرعية لغزة، كما يتحدث دائما الرئيس محمود عباس.

للتذكير فقد نصت اتفاقية المصالحة التي تم توقيعها في القاهرة شهر أيار 2011 أي زمن حكم المجلس العسكري الذي عاد الآن للسلطة ولكن بشكل محدث، عن رزمة كاملة للمصالحة تتضمن تشكيل حكومة توافق وطني وانعقاد الإطار القيادي الأعلى لمنظمة التحرير، وعودة المجلس التشريعي لممارسة مهامه وقيام لجان المصالحة الخمس بعملها، وحل أزمات القطاع بما في ذلك إعادة الإعمار، ودمج المؤسسات لتهيئة الظروف المناسبة أمام إجراء الحزمة الانتخابية الكاملة.

في السياق الأمني مثلا تحدثت الورقة نصا وروحا عن إبقاء الوضع الأمني على حاله مع دمج تدريجي لثلاثة آلاف عنصر من الأجهزة الأمنية السابقة التابعة للرئيس في المنظومة الأمنية الحالية بغزة، وتشكيل لجنة أمنية عليا بالتوافق تقوم بعد الانتخابات بإجراء الإصلاحات اللازمة، وإعادة دمج الأجهزة الأمنية بمواكبة من لجنة أمنية عربية تشكل القاهرة عمودها الفقري.
تغيرت الأمور بعد الانقلاب في مصر، حيث أغلقت القيادة المصرية الجديدة المعبر لخنق حماس وإضعافها، وظلت تطالب طوال الوقت بضرورة إشراف "السلطة الشرعية" على المعبر، كما على الحدود بين غزة ومصر، مع إشارة خجولة إلى وثيقة المصالحة وآلياتها، خاصة مع تخلي القاهرة عن مسؤولياتها كراعي للعملية بتفويض عربي رسمي، بينما نسف الرئيس محمود عباس أساس وقاعدة المصالحة بحديثه الدائم عن تسليم حماس للسلطة، أو عما يصفها بعودة الشرعية لغزة.

ببساطة وصراحة ووضوح، تم استخدام الحصار وقضية إغلاق المعبر لابتزاز حماس وإجبارها على الخضوع للشروط المصرية والعباسية والخروج من السلطة نهائيا مع التكرم أو التنازل عن مطلب تسليم سلاحها، ولو لأجل زمني محدد، وتجاهل المعادلة التي وافقت عليها الحركة الإسلامية بعد اتفاق الشاطئ نيسان/ أبريل 2014 عبر قبولها، بل وتحديثها للمعادلة التونسية الشهيرة عن الخروج من الحكومة والبقاء في الحكم أو السلطة والمؤسسات بشكل عام.

للأمانة، ورغم وجود تيار سياسي عسكري في غزة غير متحمس للمصالحة، ويبحث عن عودة صورية للسلطة، وحل مشاكل القطاع دون تقديم أي تنازل سياسي أو أمني، لكن الأغلبية في القيادة الحمساوية -خاصة في الخارج- متفتحة جديا على المصالحة، ومستعدة لإشراف الحكومة الكامل في غزة على قاعدة الشراكة وقيام المؤسسات بعملها، ودون إقصاء أو تهميش لأحد كون حماس تمتلك الشرعية ذاتها التي يمتلكها عباس مع انتهاء المدة الدستورية للرئيس والتشريعي على حد سواء.

إذن بعد موافقة عباس وانفتاحه، بل انخراطه في مشروع ابتزاز حماس في قضية المعبر والحصار للخضوع لشروطه، والتخلي عن روح اتفاقية المصالحة ومبدأ الشراكة بشكل عام، طرحت القيادة المصرية شرطا جديدا يمثل في حد ذاته ابتزاز كامل وصريح لعباس بدون أدنى شك أو مواربة.

القاهرة تعرف أن أبا مازن وتيار عريض في قيادة فتح والسلطة، يرفضون المصالحة مع دحلان شكلا ومضمونا، بل وتم الرد رسميا، وبقوة في نوفمبر الماضي على محاولة القاهرة للجمع بينهما، كما على تسريبات مصرية ودحلانية تروج للفكرة ببيان فتحاوي رسمي صادر عن اللجنة المركزية، يعتبر ملف دحلان منتهيا وجنائيا أصلا مع اتهامه باستخدام المال السياسي والاستقواء بالخارج لتحقيق أهداف سياسية شخصية وفئوية.

ورغم ذلك بادرت القاهرة أو طرحت شرط المصالحة مع دحلان للقول لعباس إذا ما أردت تحقيق انتصار سياسي اقتصادي معنوي على حماس، وإجبارها علي التنازل لحل أزمات القطاع، ورفع الحصار بما في ذلك فتح المعبر، فلا بد أن تفعل الشيء نفسه ولكن، باتجاه دحلان أي أن الطريق إلى غزة لا تمر فقط عبر مصالحة ضرورية مع حماس، وإنما عبر مصالحة إجبارية مع دحلان تعيد هذا الأخير بقوة للمشهد والواجهة، وحتي كمرشح جدي من رعاته الإقليميين-القاهرة وأبو ظبى- لخلافة الرئيس عباس نفسه.

لا يمكن إنكار حقيقة أن المصالحة الفتحاوية ضرورية ومطلوبة مع شعور تيار فتحاوي عريض بالاستضعاف والتهميش، خاصة في غزة، والحسم في الخلافات السياسية الفتحاوية يجب أن يكون حزبيا وديموقراطيا طبعا، أما الاتهامات الجنائية فمكانها بالتأكيد ساحات القضاء المستقل العادل، وغير المسيس طبعا، ولكن لا معنى ولا منطق في ربط فتح المعبر أو المصالحة الوطنية العامة بالمصالحة الحزبية وتحديدا بين عباس ودحلان.

المصالحة الوطنية أيضا مطلوبة وضرورية، بل وملحة على قاعدة الشراكة دون إقصاء أو غالب ومغلوب، مع التنفيذ الأمين والنزيه لتفاهمات واتفاقات المصالحة، وطبعا بوساطة محايدة ونزيهة، وبالتأكيد من طرف آخر غير القاهرة، التي تخلت عن دورها ووساطتها، وترفض في الوقت نفسه تدخل أي طرف آخر للقيام بالمهمة؛ ومع ذلك فإن غياب المصالحة سواء الحزبية أو الوطنية لا يجب أن يكون مبرر بأي حال من الأحوال لإغلاق المعبر أو استخدامه لابتزاز القيادات الفلسطينية في السلطة أو في فتح وحماس على حد سواء.

في الأخير وباختصار تتضمن خارطة الطريق المصرية لفتح المعبر مطالب غير واقعية، وحتى تعجيزية، علما أن فتحه بشكل منتظم ودوري للحاجات الإنسانية والطارئة، لا يتطلب سوى إرادة وقرار سياسي مصري ذاتي، ولا يجب أن يرتبط بأي حال من الأحوال بتطورات أو مآلات الحراك الفلسطيني الداخلي، أما فتحه بشكل دائم فمرتبط حتما بمصالحة وطنية ضرورية وملحة باتت عمليا ومنذ اتفاق الشاطئ بأيدي الفلسطينيين أنفسهم بعد تخلي القاهرة عن دورها ورعايتها، وعدم وجود طرف آخر مستعد أو قادر على القيام بالمهمة.
التعليقات (0)

خبر عاجل