كتاب عربي 21

أنا شاركت في ثورة يناير.. وفي إفشالها!

محمد طلبة رضوان
1300x600
1300x600
أنا شاركت في ثورة يناير، منذ 2004 إلى 2011، ومنذ 2011 إلى الآن، الكثيرون، لا يعرفون أن يناير ثورة بدأت جهودها التحضيرية مع بداية الحركات الاحتجاجية، كفاية، وما تلاها، أول اجتماع لكفاية كان في بيت أبو العلا ماضي إلى أن وصلنا للبرادعي والجمعية الوطنية للتغيير، كنا نهتف في ميادين الحرية "بكرة الثورة تشيل ما تخلي" قبل الثورة الفعلية بـ 7 سنوات، 50 نفرا أمام دار القضاء العالي، أقل منهم أمام نقابة الصحفيين، أول مظاهرة نصل إلى الألف كانت في شبرا، يسقط حسني مبارك، كانت الأولى التي يتم استئجار بلطجية فيها للمتظاهرين، لا ليضربوهم، ولكن ليهتفوا ضدهم، "بنحبك يا مبارك"، عضو المجلس المحلي لدائرة المعهد الفني وقتها، استأجرهم، بـ20 جنيها للنفر، كانوا "غلابة"، النائب المحلي المحترم، تحول بعدها إلى مرشح للبرلمان، ولا أذكر إن كانوا قد أنجحوه أم لا، لكنه رحل إلى جوار ربه على كل الأحوال، رحمة الله عليه.

أنا شاركت، واشتغلت مع الجميع، أعرفهم جميعا، قلبا قلبا، فيهم المخلص، وفيهم الانتهازي، فيهم الحقيقي وفيهم المدعي، فيهم البر وفيهم الفاجر، بشر، لا نقاء ثوري ولا يحزنون، لكنه الحلم الذي كان يصل إلى حد الجنون في 2004، ثم أصبح حقيقة بعدها بسنوات قليلة، 7 سنوات، ما أقصرهم في عمر الأمم والشعوب!

نعم.. نحن فعلنا، قلنا وقت أن سكت الناس، هتفنا وقت أن انخرسوا، تمادينا وقت أن كانوا جميعا والحائط سواء، وتحملنا كلاما فارغا كثيرا يصفنا بالمثالية والطوباوية ومفارقة الواقع، وتنظيرات بلهاء تؤصل سياسيا وسوسيولوجيا لهذا كله بما يعني استحالة الثورة، بل وتأتي بحجج تاريخية صماء لتثبت يقينا أن أهلنا لن ينضموا إلينا كما كنا نناديهم، وأننا سنظل في الشوارع نصرخ وحدنا دون صدى، ذهب الواقعيون بهرائهم، وامتلأت الميادين بأحلامنا، كسبنا، وخسرنا، وها نحن نقف أمام هزيمتنا لنفخر بما مضى!!!

#أنا_شاركت_في_ثورة_يناير 
نعم شاركت .. شاركنا.. ولكن ماذا بعد؟!
أنا شاركت في ثورة يناير، وأنا شاركت في افشالها .. 
شاركت في إفشالها حين تصورت أن الفعل الثوري يجب أن يستمر ثوريا خالصا، وأنه لا مكان للسياسة أو الموائمات أو التحالفات، أو التفاهمات، كأن الدنيا قد خلقت في يوم وليلة!!

شاركت، منذ البداية، في اغتيال مفهوم السياسة لصالح الغوغائية والمزايدات الرخيصة على صاحب كل رأي عاقل، نفي السياسة، ورجمها،كان أول "جرائمي" التي أعاني منها الآن، بعد أن التقفها العساكر، أو لعلهم دفعوا إليها منذالبداية ليحولوها إلى قانون الحياة السياسية الوحيد... لا سياسة!!!

أنا شاركت في إفشال ثورة يناير، حين سمحت لخصومها بعزل فصائلها عن بعضهم البعض، والتعامل مع تجربتهم في الاشتغال معا، بوصفهاوهما، وإحياء مرارات التاريخ والأيدولوجية والاستثمار فيهما لتسميم الواقع، وابتذاله، بحيث يبدو كل شيء بلا معنى، لم يكن مجديا أن "أفرح"، أتحدث عن نفسي، (حرفيا: أفرح)، بغباء الإخوان، وتفضيلهم للمسار الإصلاحي التدرجي في معالجة علاقة عساكر مبارك بالدولة، وأن أنتهز الفرصة للحط منهم، وعليهم، متناسيا، عن عمد، أنهم الفصيل الأكثر قوة وتنظيما أمام العساكر، وأن استيعابهم، والتعامل مع غرورهم وسوء تقديرهم للموقف، يجب أن يكون مهمتي أنا، وليس العساكر، ليتخلصوا منهم، ويفرغوا لنا وقد تجردنا من أخطر أسلحتنا، كان علي، أن أرعى مصالح ثورة صنعتها على عيني، وأن أتصرف بشكل مسئول، وأن تسعني مائدة تفاوض مع شركاء، بدلا من أن تحتويني موائد اللئام، ونوافذهم، لتحريك خطاب ظاهره النقد وباطنه الكراهية ضد الإخوان، فيخسرونني، وأخسرهم، ويكسب العساكر وحدهم!!

أنا شاركت في إفشال يناير، حين شاركت في ترميز "مراهقين" لمجرد أن إعلام أجهزة الدولة اختارهم، قاصدا، وبعناية، ليكونوا رموزا لثورة عرفوها بعد أن صارت قاب "تغريدتين" أو أدنى، شاركت حين استسلمت لمشاعر تعفف واستعلاء على الظهور والتصدر، ولم ألتفت إلى خطورة أن يتحول الساذج، وإن كان مخلصا، إلى رمز، وأن يتحول "الدرويش"، إلى عضو برلمان، وأن يتحول الدعي إلى وزير، في مؤسسات كان لها أن تحمل، في هذا التوقيت، هم ثورة ومسئولياتها.

أنا شاركت في الإفشال حين أثنيت كل من أعرف من المخلصين على الترشح لكرسي، أو قبوله، أو مجرد التطلع إلى مسئولية، فنحن ثوار أطهار، لن تدنسنا السياسة!!!

يا نهار أزرق، إلى هذه الدرجة من الغباء كنت، وإلى هذه الدرجة من الفشل وصلت، ذهبت الثورة من بين أيدينا لأننا لم نمدد لها يدا، واكتفينا بالمزايدة على من مدوا أياديهم، والهتاف ضد الجميع، حتى الهتاف لم يعد مكفولا، نحن شاركنا في الوصول إلى هذا المنحدر، بالأحرى "أنا شاركت"!

أنا شاركت في إفشال ثورة يناير، حين شاركت في "الخناقة"، التي وصلت حد التناحر وتكسير العظام والاتهامات بالخيانة، والتمويل الأجنبي، بين فريقي أبو الفتوح وحمدين، وكان الأولى أن تنصرف كل هذه الجهود إلى تجاوزهما معا طالما لم يتفقا، والاستقرار على من يمثلنا، في معركة لم نكن قد حسمناها بعد، كان الأولى بنا أن نتصرف بمسؤولية أكبر، لكننا لم نفعل، "أنا" لم أفعل أنا شاركت في إفشال ثورة يناير حين شاركت في حملة التصيد والتربص وترويج ما كنت أظنه "حقائق" من أكاذيب وضيعة، حول مرسي وجماعته الذين سيضيعون البلد، ويخربون اقتصادها، ويتنازلون عن حدودها، للسودان وغزة، وعن مائها لإثيوبيا، وعن آثارها لقطر... كأنهم كانوا يحكمونها لكي يبيعوها!!

أنا شاركت في إفشال الثورة، حين لم أفرق بين الخصم السياسي، وبين العدو، التاريخي، بين من يريد أن يفرض ثقافته وأيديولوجيته، وفق قواعد اللعبة التي تسعنا معا، وبين من يريد أن يفرض سطوته ومصالحه بقوة السلاح، ساويت بينهما، بل وتجاوزت المساواة المجحفة لأضع الخصم في موقع العدو، وأضع العدو في منزلة الحليف من أجل المصالح المشتركة في القضاء على الإسلاميين!!!

أنا شاركت في إفشال يناير، حين شاركت، دون وعي بالمآلات في 30/ 6، حين سكت عن 3/ 7، حين ركنت في بيتي أشاهد التفويض، والفض، وأكتفي بالشجب والإدانة، دون أن أتجاوز كل خلاف، مهما بدا حجمه، وأنضم إلى هؤلاء الذين يذبحون بدم بارد في الشوارع، بل وظللت أبحث في دفاتري عن حجج تبرر عدم المشاركة، وتجعل من دمائهم ثمنا لأخطائهم عليهم أن يتحملوه.. (وأنا مالي!)

أنا شاركت في إفشال يناير حين تصورت أن المسؤولية تقف عند حدود من يحكم، أو من يتصور أنه يحكم، ولم أفهم، حينها، أن كل من شارك عليه أن يحكم من موقعه، وأن يتحلى بالصبر، والتخطيط، والذكاء في إدارة شأن الثورة السياسي، كي نكسب، أو نقلل الخسائر، ونخوضها مرحلة مرحلة، كما خاضها من سبقنا، أنا شاركت في الإفشال حين أردت كل شيء، "الآن وهنا"!!

اندفعنا، بغير حساب، فدفعنا بغير حساب.. 
وأنا في كل ما سبق، بكل أسف، شاركت!!
***

لا أتصور أن يناير الآن تستوعب فخرا زائفا بها، يناير مهزومة، هذه ليست الكلمة الأخيرة، ولا هي نهاية التاريخ، كما يروج أصدقاؤنا العدميون، من فرط إحباطاتهم وإخلاصهم!! لكننا حرفيا "هُزمنا"، ولا يسعنا الآن أن نفخر، ولو على سبيل المقاومة، المقاومة أن "نفكر"، المقاومة أن "نسيس" هذه الثورة "العبيطة"، كما وصفتها مرة دكتور دينا الخواجة، تحفظت يومها، لكنها كانت محقة، المقاومة أن نفهم طبيعة خصمنا، وحجم سيطرته الحقيقي على الأرض، وهشاشته التي لا تنفي قوة تحالفاته، وسذاجته التي لا تتعارض مع ذكاء من يخططون له، وقدرته على البقاء والتمدد التي لا تنفي أبدا قدرتنا على إيقافه، فقط لو فهمناه، وقدرناه حق قدره، ولم نندفع ثانية في خطابات التفكير بالتمنى من أنه ضعيف، وغبي، ومتوتر، ومتشنج، أو أنه يترنح، ويتأرجح، ويتدحرج، إلى آخر هذا الهم الأزلي، الذي يروجه عدميون آخرون، على الطرف الآخر من الدائرة!!

أنا شاركت في إفشال ثورة يناير، وأريد أن أشارك في إنجاحها، ومستعد لتجرع السم من أجل ذلك، مستعد للتعاون مع الإخوان، لأنهم بالأخير شركاء، وإن أخطأوا، مستعد للتعاون مع من تراجعوا عن تأييد السيسي، لأنهم بالأخير تراجعوا، وإن تأخروا، مستعد للتعاون مع أي صوت عاقل داخل مؤسسات الدولة لإنقاذ مصر من هذا المعتوه الذي يجرها إلى الخراب والدمار، لأنهم بالأخير انحازوا لصوت العقل والمصلحة، وإن بدا من نواياهم غير ذلك!!

مستعد للتعاون: مع من سكتوا، لأنهم بالأخير تكلموا، مع من برروا لأنهم بالأخير تعلموا، مع من شمتوا وتشفوا لأنهم بالأخير ذاقوا وعرفوا، بل إنني مستعد للتعاون مع من تعاونوا يوما مع الأنظمة السابقة، وكانوا من رجالها، تحت ضغط الواقع، ثم هم اليوم يدركون خطورة استمرار هذه الدولة البائسة، ويريدون حلا، بصدق، والأمور تقدر بقدرها .. 

أنا شاركت، وأشارك، وسأشارك، ما استطعت، في كل جهد، سياسي وحقوقي، وإعلامي، وفني، في كل محاولة، وفاعلية، ووقفة، وتظاهرة سلمية، سأشارك مع الجميع، لن أحتقر جهد أحد، ولن أثبط من عزيمة أحد، ولن أتهم أحدا في نواياه، ما وسعني، ولن أخون أحدا يشارك، وإن اختلفنا حد التضاد!!

قد يحتمل هذا فشلا، لكنه أيضا يحتمل النجاح، وأنا سأنجح، على الأقل، في أن أحاول!
 
للتواصل مع الكاتب عبر موقع فيس بوك:
https://www.facebook.com/mohamed.t.radwan
14
التعليقات (14)
حسن البنا
الجمعة، 22-01-2016 11:14 م
لم يوجز ولكنه اصاب الحقيقة التي يتهرب منها الكثيرون خجلا من أن يقال أخطاوا .. أصاب لب الحقيقة ووضع اصبعه في مكان الألم بلا مرواوغة أو مداهنة .. افلح ان صدق وأفلحنا ان مشينا على نفس المسار
وبشر الصابرين
الجمعة، 22-01-2016 11:13 م
مقال رائع يستحق التأمل
ايمان
الجمعة، 22-01-2016 09:27 ص
لست اول او اخر الاغبياء....ضيعتونا يا فشلة....لن يكفى اعترافك..ماذا ستفعل امام الله وانت تسال عن الدماء
ابو عبده
الجمعة، 22-01-2016 09:04 ص
كلام فى وقته الا هل من مجيب افيقوا يرحمكم الله
محمد
الجمعة، 22-01-2016 07:30 ص
ها قدبدأت مرحلة الوعى تبرز على يد أمثالك كل التحية لك

خبر عاجل