كتاب عربي 21

الإسلاميّون .. وضرورة الحوار.. حوار الذات

وائل أبو هلال
1300x600
1300x600
يتصدّر "الإسلاميون" بشتى أطيافهم المشهد الإعلامي والسياسي والاجتماعي، وتغصّ شبكات التواصل الاجتماعي بالحديث عنهم ومنهم؛ نقدا وذمّا، ومدحا وتقديسا، ودعوة لإبادتهم، ودعوات للحوار معهم ...

يكتب عنهم محبّوهم وأتباعهم وأعداؤهم وخصومهم وشانئوهم، وتجد طيف الرأي حول الحدث الواحد المتصل بهم يتراوح من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.. 

والحقيقة أنهم وممارساتهم وسلوكهم وما يجري معهم مادة مشجعة للكتابة والحوار والنقد البناء والهدّام!! خاصّة أنّ المشهد الإسلامي العام مُربِك ومركّب ومعقّد كثيرا؛ دعك من التباين الشديد بينهم .. من تنظيم الدولة الذي يشدد النكير على مخالفيه، إلى الجاميّة التي ترى طاعة الإمام بل وعدم جواز نصيحته علنا!! ولنركّز فقط على ما يمكن أن يقال عنه التيّار الغالب (شعبيّا وليس قوّة!!)، وهو ما أطلِق عليه تيّار الإسلام السياسي أو الحركة الإسلامية، أو من يدور في فلك الإخوان المسلمين .. 

ففي مصر يبدأ مشهدها البانورامي بصور قادتهم وزعمائهم خلف القضبان في السجون والمعتقلات (الذين كانوا قبل سنتين زعماء البلد!)، وأسماؤهم تتصدّر قوائم الإعدامات، ثمّ يمرّ بالآلاف من أتباعهم يقودون الفعاليات والمسيرات الأسبوعية .. إلى أن يصل إلى مشهد غير مسبوق من الخلافات الحادّة، التي بدأت تبرز للمرة الأولى بين "الإخوان" المصريين الذين يعرفون بالانضباط و "الأدب التنظيمي"!! لتظهر على وسائل الإعلام كافّة، ويتراشقون بالاتهامات والاستقطابات حتى وصل الأمر بأن يتهم فريقٌ فريقا آخر بأنه داعش!! مع ما في هذا الاتهام من هدر للدم عند نظام لا يرحم!!

في الأردن نتيه ما بين مرخّص وغير مرخّص وحزب وزمزم وحكماء ووسط ذهبي.. وصاحب همّ وطنيّ أردني وآخر موالٍ لحماس!! ويتسّع التيه ليصل إلى شريحة واسعة من الشباب المستقطَب بين هذا وهذا وذاك وذينك!! ولا "يرطّب" هذا المشهد البائس إلاّ تجمعات "الجنائز" وزيارات التهنئة بالإفراج من المعتقل.

المشهد بائس لدرجة دفعت كاتبا مناوئا للإخوان مثل عُريب الرنتاوي، يكتب بمرارة مستجديا عقلاءهم وحكماءهم أنْ يتحاوروا فيما بينهم ليصلوا لتوافق يخدم الأردن!!

بل وصل الطّوفان لـ"حماس"؛ وهي التي كانت عصيّة على مثل هذا السلوك، فهي تنظيم مقاوم مشروعه واضح ومحدّد ضدّ الاحتلال الصهيوني، وله أدبياته وثقافته الأمنية المُحكمة إلى حدّ بعيد، والمختلفة وغير المتشابكة مع خلفيتها الفكرية الإخوانية ... فعلى سبيل المثال عاشت "حماس" (غير الرسمية) أسبوعين من الحوار والنقد المعلن عبر شبكات التواصل الاجتماعي، (التي أظنّها ليست سرية!!) مرّة حول بيان لنعي القنطار وتارة حول عدم صدور رثاء علوش، وموجة أخرى حول زيارة مشعل لطهران أو عدمها، وآخر تلك الموجات الوقوف مع السعودية في الإعدامات أم الحياد أم الإنكار والاستنكار!!

هذه الموجات النقديّة والحواريّة - كما قلنا – تمّت في الهواء الطلق، وبمستوى عال من الجرأة! وبالتالي لم تعد سرّا، حتى وإنْ كان البعض ممّن لا يزال يعيش في تابوهات السريّة يدعو لعدم الكتابة في ذلك .. وبغضّ النظر عن القناعة بهذا الرأي من عدمه، فإنّ الواقع يؤكّد أنّ طيفا واسعا من شباب وشابّات "الإخوان" أنفسهم غير مبال بذلك، ولا يعيش في شرنقات هذه التابوهات!! فهم يكتبون ويتداولون أدقّ التفاصيل والمعلومات والأسماء والهياكل والخلافات ... التي كانت في يوم من الأيام تعتبر "جريمة" قد تصل حدّ الخيانة!! إنّها الآفاق الجديدة التي فتحتها ثقافة "الثورة" على سقوف ظللتنا بظلامها طويلا! 

هذا "الحوار" (العلني وغير المنظّم) وصل إلى ما كان يُعد من "ثوابت" الفكر؛ فهذا كاتب يدعو أن عصر الإسلاميين انتهى، وآخر يدعو للحوار مع الأنظمة، وثالث يؤكّد حتميّة التغيير!  ومتسائل يسأل: ما هو المشروع الإسلامي أصلا؟ وآخر يستغرب من مفهوم "الدولة الإسلامية" أو الخلافة، فهل الأردن أو السعودية أو المغرب أو ... كل دولنا العربية مثلا غير إسلامية؟! وإذا لم تكن إسلامية فما هي إذن؟! كيف تتعايش مع الآخر؟ من هو الآخر ابتداء؟ بل كيف نتعايش مع أنفسنا قبل أن نتعايش مع الآخر (أيا كان هذا "الآخر")؟....

عشرات بل مئات المقالات والتساؤلات "العشوائية" والمتشابكة، التي تموج في الشبكة العنكبوتية (التي يبدو أن قيادات العمل الإسلامي في غياب عنها!!) ولم يصل السائلون والكاتبون لإجابات توافقية.

كل ذلك يتِم في غياب شبه كامل عن حوار واع، ينشر الوعي، ويحرّر الخلاف ويفضّ الاختلاف، ويوضح المبهم ويفكفك التشابكات ويفكّ الجدليات بين "أصحاب الأمر"! من هم أصحاب الأمر أصلا؟! 
وقبل أنْ يهدم سَدنة المعابد معابدهم فوق رؤوسهم ورؤوسنا ثم يتّهموا الشياطين والكفار بالخراب والدمار! وقبل أنْ نوغل في هذا "التّيه" .. أدعو وأناشد كلّ ذي بصيرةٍ أنْ يسعى للحوار العلني الشفّاف والمنظّم خارج الغرف المغلقة، والقريب من الشباب والشابّات أصحاب الفعل على الأرض حول كل الأسئلة المفتاحية الكبرى في المشروع الإسلامي، التي يتفرع عنها الإجابة على المواقف في الأحداث الطارئة التي أصبحت هي مادة الإشكالات والفرقة والانشقاقات ...
إنّها دعوةٌ لتوفير منصّة حوار يهدف لنشر الوعي بين الشباب، ليرسموا مستقبلهم وليعرفوا مشروعهم ومشاريعهم على نور وبصيرة ..

ولعلّي أهيب بالقائمين على موقع "عربي21" أن يبادروا لتوفير هذه المنصّة، ويستكتبوا كلّ ذي رأي، ويستنطقوا كلّ صاحب فكر مؤيّد ومعارض، موافق أم مخالف .. حتى نصل جميعا لبر الأمان...

فالإسلاميون شاء خصومهم أم أبوا، لازالوا يشكّلون النخبة الأكثر؛ تنظيما وعددا وقبولا بين الناس، ولعلّهم بحل إشكالاتهم الكبرى يقدّمون للأمة التائهة بين ركام الدمار والخراب والتهجير والتشريد والمؤامرات الداخلية والخارجية .. راية تلتفّ حولها، ليكون لها مكان بين الأمم!

"قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتّبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين" (يوسف – 108).
التعليقات (2)
قاسم قصير
الأربعاء، 13-01-2016 11:27 ص
اهنيء الكاتب على المقال المهم واتمنى ان يستفيد الاسلاميون منه وان يعقدوا لقاءات وندوات حوارية حول التجربة الاسلامية
ابو خالد
السبت، 09-01-2016 08:56 م
رائع