كتاب عربي 21

في أنّ داعش كاوبوي المسلمين

أحمد عمر
1300x600
1300x600
يمكن القول إنّ تنظيم داعش، مصنوع بحسب الطلب الغربي التنميطي، فهو متوحش، وديليفري أيضا هذه المرة.. لا يحتاج الأمر إلى أن يكون البغدادي عميلاً، يكفي أن يكون غبيا، أو متهورا، أو حاقدا، كما يقول الداعية المعروف محمد الغزالي. في مقياس الدين والسياسة نحن خاسرون خسارة كبرى بهذا المولود الشائه. المهاجرون في فرنسا حذفوا حساباتهم على الفيسبوك خوفا من هجمة البغدادي المرتدة، فأبو فرانكشتاين البغدادي يظنّ أنّ النصر يتم بالرعب، لا بالعدل.

ضرب البرجين كان جرما واحدا، أما التنظيم فهو مصنع جرائم، يصفّق لها الغرب في داخله، إنه ورقة طرنيب النظام أيضا. وكلاهما يثبت نظريته في أن الإسلام دين بربري. داعش كاوبوي بزيّ أفغاني إسلامي.

رأيت خبرا موثقا بالصورة لمجندين إلزاميين، أسرى بيد التنظيم، يحفرون قبورهم بإتقان ودأب، ثم تمددوا على الأرض، فقد رأى البغدادي في منامه أنه يذبحهم، استسلموا له، فأطلقت عليهم النيران، كانوا بالمئات.. تذكرت عنوان فيلم كاوبوي: احفر قبرك بسرعة. الأفلام الكاوبوي متشابهة، القانون هو السرعة والمباغتة، قانون الصراع من أجل البقاء، "إذا أردت أن تعيش فاقتل". 

غالبية الأفلام قائمة على الانتقام. البغدادي يعتبر نفسه خليفة النبوة! ويريد أن ينتصر بالرعب. هو تنظيم يعادي التاريخ بالإقامة في مرحلة منه، وهو يشبه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من جهة الولادة والطفرة، فأمريكا بلا تاريخ عميق، وإسرائيل بتاريخ عريق، لكنه بعيد جداً، وتالف تقريباً، وكلاهما يسعيان إلى "الفردوس الأرضي"، داعش تسعى إلى التاريخ بجذبه إلى الحاضر، وإلى تجميده، إنها مقلوب الصورة، وتختلف عنهما في أنها بلا "كيبوتسات" ومزارع تعاونية، فهي تركز على الصلاة الجماعية الإجبارية، دينياً، والخراج الريعي، اقتصادياً. يقول الإمام الشافعي عن سورة العصر: إنه لو لم ينزل من القرآن سواها لكفته، لا صبر عند داعش إذا كان عندها حق؟ إحدى تعريفات البراجماتي الذرائعي الأمريكي، أنه يريد تحقيق رغبته " الآن وهنا"، وبحسب متابعات واستقصاءات، وشهادات، نجد أنهم يقتلون بالشبهة، وفي ذلك يشبهون النظام السوري. الغريب أنهم يحبون الكوكا كولا، وهو مشروب كولونيالي مرذول، لدى العلماء والنخبة المثقفة. وكان غابرييل غارسيا ماركيز كتب مقالاً ساخراً عنه في كتاب "كيف تكتب الرواية"، وعلمت أنّ الدواعش يكثرون من شرب هذا السائل ثقيل الجزيئات، فهو حلال، وغالبا هو من التأثر بأبطال الأفلام الأمريكية. ويحبّون أيضاً - حسب متابعاتي- أكل الصندويشات الأمريكية. أما الأنثى، فهم يدقّون الأبواب في الليل طالبين القرب، ساعين لإكمال نصف دينهم، ودينهم أنصاف أربعة غالباً. 

وهم يحلّون السبي والإماء والجواري.. وطبعاً قبل كل شيء، يحبون التسلط من جهتين: الولاء لجهة، والتولي على جهة. رأينا لهم عشرات الصور، وهم يجلدون الناس بسبب التدخين، والتخلف عن الصلاة جهراً، وهم في هذا نقيض النظام السوري الذي كان يواظب على التعذيب حتى الموت سراً. الصلاة نظام "عسكري منظم" في "كانتونة" داعش، ويقيمون الحدود على الصبية، ولعلهم يفحصون منابتهم (شعر العانة) على الطريقة القديمة لقياس بلوغهم، ويكرهون الناس على الصلاة، فيصلّون من غير وضوء، وربما على جنابة، مثل معظم الزعماء العرب.. الصلاة الإكراهية بالقوة، تشبه المظاهرات السورية "العفوية" التعبدية الطقوسية بمناسبة الحركة التصحيحية المباركة، وأخواتها من الأعياد الوطنية. كان الأسد الأب ينفذ بالحرف - والتخاطر طبعاً - الرغبة الغربية في استعباد الشعب العربي المسلم، وتحويله إلى كائنات تحب المستبد على أنه ميراث شرقي محتم!

"داعش" طبقات بحسب الخبراء والمتابعين المنصفين، فالعراقيون للقيادة والتفكير، والتوانسة للتشريع والتكفير، والسعوديون للتضحية والتفجير، والسوريون للخدمة والتدبير. "داعش" ليس له علماء، وليس له برنامج "الشريعة والحياة" أو "من وحي الهداية"، برامجه هي أفلام هالوين الرعب الأمريكية: الإيضاح في علوم الإذباح! لذا نلجأ للتحليل: العراقيون هم واسب داعش (الواسب: وايت أنكلو ساكسون بروتستانت).. الدواعش براجماتيون، وهم يفهمون في مقاصد الشريعة والسياسية، لكن بالمقلوب، الأولية الأولى هي للمرتدّين السن. واقتصادياً؛ هم يبيعون النفط للنظام السوري، فهو جار قريب، ودفّيعز فتواهم هي أنّ النبي عليه الصلاة والسلام، تعامل مع المشركين، وباع واشترى منهم، لهم أدوات قياس قصيرة وبائسة، هم أيضاً ورثة نظام بعثي يعادي التاريخ، كما كان النظام الأمريكي، والصهيوني تماماً، فالنظام السوري ينكر التاريخ القريب، فتاريخه يبدأ من بارحة الحركة التصحيحية. وهو مثل الصهيوني يمتد تاريخه إلى آلاف السنين: فيليب العربي و"كليلة" عفوا، جوليا دمنة، وأوغاريت .. 

"داعش" تشبه أمريكا في أنها دولة هاربين، أو متطوعين، وأشتات، فمؤسسو أمريكا أوروبيون هربوا من التاريخ الأوروبي، إلى أمريكا، كانوا بروتستانت متطرفين ( وهابيي أوروبا)، طالبوا بتطهير الكنيسة من الزخارف والتماثيل. أما الدواعش، فهم وهابيو المرحلة الثانية، إذ لم تثمر الوهابية الأولى عن اليوتوبيا الإسلامية المنتظرة، فكان تنظيم الدولة، أو دولة الحدود بلا حدود. أيضا نجد عقلية "الرائد" الأمريكية الصهيونية لدى داعش، فالداعشي، حتى وإن كان حشاشاً سابقاً، أو لصاً، أو مجرماً، أو مخبرا، يعلن توبته، فيتطهر، و يعود كيوم ولدته أمه. الداعشي عنصري، فهو يدعي أنه من السابقين الأولين، والرعيل الأول في التنظيم، ويمارس العنصرية على الرعية المرتدة أو الضالة. نجد أيضا، فكرة المهدي المنتظر الشيعية، و"الماشيح" المسيحية لدى داعش بإعلان الخلافة !

تنتشر في أمريكا عشرات التنظيمات البيورتانية الطهرانية، المهاجرة إلى البساطة الأولى، إلى نقطة ساكنة في التاريخ. تعكس كثير من النصوص الأدبية والشعرية الأمريكية (والكلام للمسيري) رفْض التاريخ، وربما يكون تدمير أمريكا للعراق انتقاماً من ثرائها بالتاريخ، وحسداً منه. تشبه داعش الاستعمار، في أنها استيطانية، احتلالية، تحاول تحقيق حلم "الفردوس الأرضي"، والفردوس يقتضي جحيماً بالضرورة، دائماً كانت الصيغة هكذا: الفردوس يقتضي جحيماً، هكذا عاش الأسد، وزمرته في نعيم، وعاش خصومه في جحيم تدمر، أو في جحيم "البونات" البطيء. ويقتضي أيضاً عبيداً للخدمة، أو شعباً من الدرجة الثانية، كما هو الشعب السوري على نار النظام، أو في رمضاء داعش.

يقول المسيري إنّ بطاقات المعايدة الأمريكية النمطية (عبارة ثابتة للمناسبات ترسل مع توقيع المرسل) كانت تثير لديه الغثيان لبؤسها، وقد تشبه الأدعية الدينية التي لا تتغير في مواعظ الجمعة إلى حدٍ ما: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

لكن لمَ يحارب الجميع التنظيم، مسلمين وكفاراً؟ إنهم خائفون من فكرة الإسلام. داعش أكثر أعداء فكرة الإسلام . جاء في الحديث الشريف: "أَنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الْأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ" وفي حديث آخر: "إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي: حَكَمٌ جَائِرٌ، وَزَلَّةُ عَالِمٍ، وَهَوَى مُتَّبِعٍ".

خَطَبَ عُمَرُ فَقَالَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي أَنْ يُؤْخَذَ الرَّجُلُ مِنْكُمُ الْبَرِيءُ، فَيُؤْشَرُ كَمَا يُؤْشَرُ الْجَزُورُ، وَيُشَاطُ لَحْمُهُ كَمَا يُشَاطُ لَحْمُهَا، وَيُقَالُ: عَاصٍ وَلَيْسَ بِعَاصٍ» قَالَ: فَقَالَ عَلِيُّ وَهُوَ تَحْتَ الْمِنْبَرِ: «وَمَتَى ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ أَوْ: بِمَا تَشْتَدُّ الْبَلِيَّةُ، وَتَظْهَرُ الْحَمِيَّةُ، وَتُسْبَى الذُّرِّيَّةُ، وَتَدُقَّهُمُ الْفِتَنُ كَمَا تَدُقُّ الرَّحَا ثُفْلَهَا، وَكَمَا تَدُقُّ النَّارُ الْحَطَبَ؟» قَالَ: «وَمَتَى ذَلِكَ يَا عَلِيُّ؟» ، قَالَ: «إِذَا تُفُقِّهَ لِغَيْرِ الدِّينِ، وَتُعُلِّمَ لِغَيْرِ الْعَمَلِ، وَالْتُمِسَتِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ».
0
التعليقات (0)