كتاب عربي 21

حالة تهاني الجبالي

سليم عزوز
1300x600
1300x600
ربما أصابتهم دعوة مظلوم، بأن يفرق جمعهم، ويبدد شملهم، ويجعل بأسهم بينهم شديداً.

فهناك قصف متبادل، بين "تهاني الجبالي"، وتابعها (الفريق) حسام خير الله، من جهة، وموفد "عبد الفتاح السيسي"، للحياة السياسية (اللواء) سامح سيف اليزل، من جهة أخرى، حيث تبادل الطرفان القصف والاتهامات؛ فاتهمت "تهاني" قائمة اليزل في الانتخابات البرلمانية التي يجريها الانقلاب العسكري، بأنها في تحالف مع جماعة الإخوان المسلمين. واتهم اليزل والذين معه قائمة تهاني وخير الله، بأنها ممولة إيرانياً، وأن أحد المرشحين فيها من الشيعة، كما لو كانت قائمة "في حب مصر" لصاحبها سيف اليزل، هي من تمثل أهل السنة والجماعة!

القائمتان تؤيدان السيسي بـ"الباع والذراع"، وتتسابقان على حبه، لكن السيسي وباعتباره عنواناً للحب العذري، يؤمن بأن الحب هو للحبيب الأول، لا سيما وأنه صنع قائمة اليزل على عينه!.

الحرب الدائرة بين القوم، تجاوزت الرمي بالتمويل من الإخوان وإيران، إلى الاتهام بالتزوير والتشكيك في الرتبة التي يحملها الجنرالان، فخير الله يقول إن "اليزل" خرج من الخدمة العسكرية برتبة عميد، وليس لواء كما يدعي. والثاني يقول إن "خير الله" ينتحل صفة الفريق لأن آخر رتبة حصل عليها قبل خروجه للتقاعد هي اللواء. ليصبح واضحاً للعيان، أن الحياة السياسية جرى تأميمها لصالح الجنرالات، ليهيمن الجيش على الأرض ومن عليها.

هذا التلاسن والرمي بالاتهامات بين الجنرال سامح، والجنرال حسام، جرى استباحة الرتب العسكرية فيه، وهو أمر كان الجيش المصري حساساً فيه قبل الانقلاب العسكري، حفاظاً على هيبة القوات المسلحة، فلم يكن الجيش يوافق على التقديم الإعلامي للجنرالات المتقاعدين برتبهم العسكرية، وفي بداية التسعينيات، كانت جريدة "الأحرار"، التي أعمل بها تنشر مقالين أسبوعياً، أحدهما لنائب رئيس حزب "الأحرار" وكان حريصاً على أن يكتب اسمه مسبوقاً برتبة (اللواء أركان حرب) صلاح الدين الرفاعي، والثاني هو (اللواء) محمد شبل. واتصلت بي الشؤون المعنوية أكثر من مرة من أجل رفع هذه الرتب التي يعد نشرها مخالفاً للتقاليد العسكرية، وعبثاً حاولت إقناع من يتصل بأن يتولى هو مخاطبتهم مباشرة، لكن لأنه كان في رتبة أدنى فربما وجد حرجاً في الاتصال بهما!

ولأنهما أصرا على التوقيع بالرتب العسكرية، فكان الاتفاق هو كتابة "متقاعد"، وقد وجدت لها مخرجاً بالاتفاق معهم هو كتابة الرموز، ليصبح (اللواء. أ. م) و(اللواء. م).

الآن، وبعد الانقلاب العسكري، صارت الرتب العسكرية تعلن في برامج "التوك شو"، وتسمع لكثير من حامليها، فتقف على أن أصحابها عنوان للضحالة، ويرددون كلاماً يضحك الثكالى، مثل حديث اللواء حسام سويلم عن الرباعية وكيف أنها واحدة ست خدمت بلدها فاستحقت لذلك جائزة نوبل.

لقد تراجع (الفريق) حسام خير الله، وتقدمت "تهاني الجبالي"، التي هاجمت (اللواء) سامح سيف اليزل، والذي يتقدم هو حيناً ويتأخر أحياناً، وهو عندما يتأخر فإنه يترك معركة تمزيق الملابس، والردح، لبعض أعوانه، فإذا كانت هي قد اتهمت قائمة في "حب مصر" بأنها تضم "فلول" الحزب الوطني الحاكم في عهد مبارك، فقد اتهمها وزير الإعلام السابق المرشح على هذه القائمة "أسامة هيكل" بأنها "أم الفلول"، وأن من عينتها في موقعها السابق "قاضية" في المحكمة الدستورية العليا هي "سوزان مبارك"!

اللافت هنا، أن كلا الطرفين استعانا بتراث القوى الرافضة للانقلاب في تصنيفهم، فلم يعد سامح سيف اليزل لدى "جماعة تهاني" هو الرمز الوطني، القادم من المؤسسة العسكرية التي تضم "خير أجناد الأرض"، ولم تعد تهاني الجبالي هي "القاضية العظيمة"، التي تنتمي للمؤسسة الشامخة، والتي تصدت للدكتور محمد مرسي من أول يوم، والذي يلام الحكم المنتخب لأنه عدل الدستور بشكل أخرجها، وهى "القاضية العظيمة" من السلك القضائي.

لي مقال قديم، كتبته في جريدة "الأحرار" يروى حكاية "تهاني الجبالي"، وكانت لا تزال في موقعها القضائي، وطريقة تعيينها في المحكمة الدستورية، فتعيينها مثل مخالفة لقانون المحكمة، فقد اختيرت بقرار من رئيس المحكمة الدستورية العليا الذي عينته "سوزان مبارك" في منصبه، على أداء سابق في خدمة البلاط، وهو من اختار "تهاني"، وهي لم تمارس المحاماة بمعناها الواسع، ولكنها تعمل في إدارة قانونية بإحدى شركات القطاع العام، وكان محظوراً عليهم من قبل الانضمام لنقابة المحامين، لكن النقيب الأسبق أحمد الخواجة عدل القانون بما يسمح بقيدهم لأسباب انتخابية!

ومما قلته، أنها في المحكمة الدستورية لم تثبت كرامة، فلم تكتب حكماً، ولم تشارك في صياغة مسودة قرار، ولم نطالع لها رأياً قانونياً في أي موضوع، ولم تكتب بحثاً!

واعتبر البعض أنني أضعف بذلك، من موقف "القاضية العظيمة"، في حربها ضد الإخوان المسلمين، وكان موقفها الذي ينطلق من مهمة الناشط السياسي، يأخذ وجاهته من كونها "قاضية" في المحكمة الدستورية العليا، فلم تكن الوجاهة للرأي أو الموقف مجرداً!

ولأن "حبيبك يبلع لك الزلط وعدوك يتمنى لك الغلط"، فلم يكن البعض لديه استعدادا، للإعلان عن جريمة شاركتها فيها أستاذة الإعلام (المرموقة) بجامعة القاهرة، الدكتورة "عواطف عبد الرحمن"، وكان إعلانها للأجيال الجديدة التي تفتق وعيها السياسي مع ثورة يناير مهماً، وهذه الأجيال قد تعرفت على اسم "تهاني الجبالي" مسبوقاً، بـالقاضية "العظيمة"، و"الجليلة"، و"الشجاعة"، غير ملمين بالتاريخ القريب، أو بطريقة اختيارها لموقعها والذي لم يكن له علاقة بجدارتها القانونية، أو لسابق دراستها في الفقه الدستوري.

لقد استيقظت ذات صباح على مقال نشر في "الأهرام"، و"المصري اليوم"، بالكلمة، والحرف، والفصلة، والنقطة، والعنوان، والأخطاء المطبعية. في "الأهرام" نشر باسم المستشارة "تهاني الجبالي"، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، وفي "المصري اليوم" نشر باسم صديقتها الدكتورة "عواطف عبد الرحمن" !

كان المعترضون من رأيهم أنني أضعف من موقفها لصالح جماعة بيننا ود مفقود، ولصالح حكم أحسب نفسي من معارضيه، وكان ردي أنني أعارض حكم الرئيس محمد مرسي من منصة الثورة، في حين أنها في معركة ضده بتحريض من المجلس العسكري، ثم أنها ليست الشخصية الرمز، التي يجوز لنا أن نحتشد خلفها فهي تنتمي للعصر البائد، الذي نصبها قاضية بدون حيثيات إلا لكونها امرأة وكأنها المرأة الوحيدة في جمهورية مصر العربية.

لم نسمع لتهاني الجبالي رأياً، والقضاة يخرجون في انتفاضة ضد حكم مبارك، ولم نرى لها موقفاً في بداية الثورة، فهي هنا قاضية لا يجوز لها الاشتغال بالسياسة، لكن عندما تنحى مبارك، وجدت "مولداً" قررت أن تشارك فيه، وكانت البداية من خلال حركة شكلها الدكتور ممدوح حمزة، فدخلتها مستدعية لانتماء ناصري قديم، وللقيمة التي يمنحها لها الموقع الوظيفي: "قاضية بالمحكمة الدستورية العليا"، وتأذت المحكمة من دورها، فأصدرت بياناً تهيب بقضاتها عدم التدخل في السياسة أو الاشتغال بها، وكان المتابع يعلم أنها وحدها المقصودة بالنداء!

لقد استجابت سريعاً وتوقفت عن ممارسة السياسة، قبل أن يلتقطها المجلس العسكري، ويدعوها للمشاركة في كل لقاءاته بالقوى السياسية، وصمت المحكمة على ذلك، مما يؤكد أن المرفوض أن تشارك في حركة أسسها أحد الأشخاص المحسوبين على معارضة مبارك!

في اجتماعات المجلس العسكري، كانت تتبني مواقف المجلس، حتى تلك التي لم يعلنها، فتكلف هي بطرح ما يريد والدفاع عنه، وكان الجميع يعلمون أن من يحركها هو الفريق سامي عنان، رئيس الأركان، وبمرور الوقت لم يعد يجد حرجاً والجميع ينظرون إلى تحركها بإشارة يطلقها من عينه، وهذا هو "بيت القصيد" وأساس مشكلتها!

لقد تحرشت بالرئيس المنتخب من أول يوم، ودفعت بالمحكمة الدستورية العليا لأن تكون في أزمة مع الرئيس الجديد، فإذا كان الإعلان الدستوري ينص على أن الرئيس يؤدي اليمين أمام الجمعية العمومية لهذه المحكمة، وكان الدكتور محمد مرسي، يرى أنه كرئيس جاء بفعل ثوري ينبغي أن يكون قسمه أمام الجماهير، فقد طلب ألا ينقل القسم على الهواء، لكنها تجاوزت رئيس المحكمة، وتجاوزت القضاة وهي أقلهم مكانة، وأصرت على النقل، وهو الموقف الذي نفخ فيه خصوم الرئيس ووصفوه بالشجاع.

لقد تحولت في عهد الرئيس محمد مرسي، إلى ناشطة سياسية، تهاجمه وتتطاول عليه، فلما وضع الدستور الجديد، تم النزول بعدد قضاة المحكمة، بشكل يخرجها من العمل القضائي، فلما وقع الانقلاب العسكري، ظنت أنها عائدة إلى موقعها، فقد تم وقف العمل بالدستور، لكنها لم تعد. ونصوص دستور الانقلاب تسمح لها بالعودة،  لكن لم يحدث، فظنت أن السيسي يدخرها لرئاسة البرلمان، وقد نشرت أخباراً تقول ذلك، وهو ما طالب به من يطلقون عليها "القاضية العظيمة والشجاعة" التي تصدت لحكم الإخوان، وبعضهم ممن يهاجمونها الآن، بيد أن مشكلتها أنها لا تعرف "بيت القصيد".

لقد كانت "تهاني الجبالي"، تظن أنها ستجد لها مكاناً لائقا بها كونها "القاضية العظيمة والشجاعة" في قائمة "في حب مصر" لصاحبها عبد الفتاح السيسي، لكنها فوجئت باستبعادها، فترشحت على قائمة أخرى، ولأنها أدركت أن القرار السياسي هو نجاح "في حب مصر" بنسبة مائة في المائة، فقد فقدت اتزانها، وهاجمتها غير عابئة بأنها ليست قائمة سامح سيف اليزل، فهو ليس أكثر من أداة، لكنها قائمة عبد الفتاح السيسي.

"بيت القصيد" هو ما قلته لها مبكراً، من أنها لن تنال ما تصبو إليه في عهد الانقلاب، لسبب بسيط هي أنها محسوبة على "غريم السيسي"، الفريق "سامي عنان". ولهذا هي تعامل معاملة غرائب الإبل، فلم تعد "القاضية الشجاعة والعظيمة"، ولكنها صارت "أم الفلول"، في معركة "مصارين البطن" المحتدمة الآن، ربما استجابة لدعاء مكلوم صالح بأن يسلط الله الظالمين على الظالمين.

اللافت، ليس في أن كلا من القائمتين يتزعمها جنرال، ولكن لأنهما بالاسم يكشفان روح المرحلة. أحدهما اسمه: "سامح"، والثاني اسمه "حسام"، وكان ينقصهم قائمة أخرى باسم جنرال سيكون مناسباً أن يكون اسمه "وائل"، أو "تامر"!.

كانت زاوية "اللواء أركان حرب" صلاح الدين الرفاعي  في جريدة "الأحرار" تحمل اسم "نسمات"، وذات يوم كان "أبو الفضل الجيزاوي"، أحد الضباط الأحرار في زيارة لمكتب رئيس حزب الأحرار، ولأن الرفاعي كان حاضراً، فقد اعترض الجيزاوي بشدة على عنوان زاويته، وقال ساخراً: إذا كان لواء يكتب "نسمات" فمن يكتب "قذائف"؟!.

رحمة الله على الجميع، فلم يعش "الجيزاوي" لمرحلة "سامح" و"حسام". "عاشت الأسامي".

[email protected]
7
التعليقات (7)
khier
الإثنين، 30-11-2015 12:08 م
شريفة محمد التابعي ادعو الله أن لا يحرمك من ما إنت فيه و يزيدك منه.
أسمراني
الإثنين، 30-11-2015 10:32 ص
مقال رائع ,وشدني فيه عبارة "ولهذا هي تعامل معاملة غرائب الإبل، فلم تعد "فجاء على بالي تصحيح العباره بــــ"ولهذا هي تعامل معاملة عجائزالبقر "
GORON1302
الأحد، 29-11-2015 07:20 م
شريفة محمد التابعي عيب لما يبقى اسمك شريفة وتقولى على ليلة 30 سونية التي تميزة بالاغتصاب والخمر والمخدرات انها ثورة
Magda morgan
الأحد، 29-11-2015 04:52 م
مين سليم عزوز ده ما سمعتش عنه ابداء بس الحقيقه شكله عزوز فعلا
هشام عثمان
السبت، 28-11-2015 08:53 م
تحليل رائع وعميق نرجو ان نعيد قراءته مرات

خبر عاجل